سيناريوهات ومعوّقات العملية العسكرية الأمريكية المتوقّعة باتّجاه فصل الحدود العراقية السورية
نشر مركز رامان للبحوث والاستشارات، تحليلاً حول امكانية حدوث عملية عسكرية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تستهدف مناطق على امتداد شرق وغرب نهر الفرات منطلقة من الشريط الواقع بين بلدتي الميادين والبوكمال وصولاً لقاعدة التنف جنوب سوريا.
وخلال التحليل، تمّ تسليط الضوء على عدة نقاط مهمّة تدعم امكانية حدوث العملية العسكرية للتحالف الدولي، حيث ورد خلال الورقة التحليلية تفاصيل مهمّة عن جغرافية المنطقة والخريطة من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية.
مناطق السيطرة جغرافياً
جغرافياً، تتقاسم إيران والولايات المتحدة السيطرة على شرق سوريا، خاصة محافظة دير الزور، فتسيطر إيران على ما يسمّى غرب الفرات /منطقة الشامية / حتى الحدود العراقية السورية، حيث تتواجد المدن الرئيسة وهي دير الزور والميادين والبوكمال، وهي تمثل الممرّ الرئيس عبر البادية السورية إلى وسط سوريا /قاعدة التي فور/ التي تستخدمها إيران لحماية قواعدها وسط سوريا، وصولاً للموانئ السورية والحدود اللبنانية، وتتشارك إيران هذا التواجد مع القوات الروسية وقوات النظام السوري في تناغم منتظم حتى الآن، إذ تعتبر مدينة البوكمال منطقة استراتيجية للقوات الايرانية وتقع تحت سيطرتها بشكل كامل، وهو ما دفع إيران لإقامة العديد من القواعد العسكرية أبرزها “قاعدة الامام علي” شمال شرق مدينة البوكمال.
وتسيطر الولايات المتحدة على شرق الفرات / منطقة الجزيرة / الغنية بآبار النفط حيث أقامت فيها عدة قواعد أبرزها قاعدة الشدادي جنوب شرق مدينة الحسكة، وقاعدتي كونيكو وحقل العمر شمال شرق مدينة دير الزور، وتتواجد في المنطقة قوى محلية مدعومة من التحالف الدولي ومنضوية تحت قيادة قوات سوريا الديموقراطية المعروفة اختصاراً بـ “قسد”.
الخريطة
خلقت أهمية المنطقة من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية جواً من التنافس والأعمال العدائية بين الطرفين، وتقوم سياسة إيران على دعاية إعلامية عنوانها العداء لأمريكا، ولتخديم هذه الدعاية في الداخل الإيراني وللحفاظ على مكتسباتها الإستراتيجية تنخرط طهران في عمليات استهدافٍ للقواعد الامريكية في المنطقة.
أما الاستراتيجية الأمريكية فتقوم على الحفاظ على حالة عدم الاستقرار للقوات الإيرانية وتحقيق مشروعها في المنطقة من خلال تقوية القوى المحلية، واستهداف قواعد إيران بشكل متكرّر، مدعومة بحامل خارجي وهو الطيران الإسرائيلي والذي يشكّل أحد أهمّ طرق لاستهداف المشروع الايراني في المنطقة.
احتمالية العملية العسكرية الأمريكية
يدفع كل ما سبق لزيادة احتمالات حدوث عملية عسكرية أمريكية أو على أقل تقدير التوجّه لتقوية القوى المحلية وقوات التحالف في المنطقة بدرجة تدعم الاستقرار الأمريكي أكثر ثباتاً إلى جانب إمكانية تنفيذ سياسات توسّعية بطيئة، وعزّز هذا الأمر عدة متغيرات في المنطقة محلياً تمثلت بـ:
ازياد عدد القوافل التي دخلت إلى مناطق سيطرة التحالف في محافظتي الحسكة ودير الزور عبر معبر سيمالكا الفاصل بين إقليم كردستان وروجآفا كوردستان، والتي تحمل ذخائر وأسلحة نوعية، كذلك استقدام الولايات المتحدة لمنظومة صواريخ هيماريس لتعزيز حماية القواعد الامريكية بعد تعرّضها لهجمات متكرّرة مؤخراً، سواءً بالطائرات المسيرة، أو بالقذائف التي تنطلق في معظمها من القواعد الإيرانية في البادية السورية.
ازدياد وتيرة الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكان إلى المنطقة منذ بداية هذا العام بينهم قادة عسكريون وسياسيون في مواقع كبيرة في القيادة المركزية والوسطى العسكرية الامريكية.
ازدياد وتيرة الاستهداف الإيراني عبر الطيران المسيّر لمحيط القواعد الامريكية شرق الفرات، واستهداف طائرة مروحية، واصابة عدد من الجنود.
ارتفاع النشاط الإيراني في التغلغل الأمني والعسكري من خلال استقدام مليشيات عسكرية من العراق ولبنان وإعادة التموضع لعدد منها، كذلك استقدام تعزيزات لقوات النظام السوري خاصة من عناصر الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والفرقة 17، وظهور متكرّر لقادة مليشيا الدفاع الوطني في دير الزور “فراس الجهام ونواف البشير”.
على صعيد أخر، فقد شهدت الأسابيع الماضية ازدياد الحديث عن استفزاز الطائرات الروسية لحركة الملاحة الأمريكية فوق سوريا، وإطلاق تصريحات من الجانب الأمريكي عن عدم احترام القوات الروسية لقواعد الاشتباك وبروتكول الطيران فوق الأراضي السورية.
قيام واشنطن بدعم قواتها في المنطقة بطائرات ” F-16″ إلى جانب نشر طائرات ” F-16 رابتور”.
بعض السكان بدأوا بمغادرة المناطق القريبة من خطوط التماس ومنهم من غادر باتجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
المتغيرات الإقليمية الرئيسية
تعتبر محافظة دير الزور حالياً من المناطق المختنقة بمشاريع قوى دولية متنافسة على حافة تقاطعات جيوسياسية ضيقة ومتداخلة، وتكاد مناطق الاشتباك تصل للحدّ صفر في بعض المناطق من ريفي الحسكة ودير الزور، بين قوات التحالف من جهة والقوات الروسية والإيرانية من جهة أخرى، وقد شهدت عدة حالات لاشتباكات محدودة فيها، كالذي حصل في شباط 2018، حين هاجمت الطائرات الأمريكية رتلاً لمليشيا “فاغنر” والدفاع الوطني التابع لنظام الأسد عند محاولتهم العبور عبر نهر الفرات إلى مناطق سيطرة التحالف شرق دير الزور وقتلت العشرات منهم.
تعود احتماليات الاشتباك بين القوى المذكورة هذه المرة ليس كنتيجة لرغبة التوسع لدى الجانب الروسي كما كان في 2018، وهو في أوج قوته عالمياً وعلى الأراضي السورية بشكلٍ خاص، بل نتيجة حدوث متغيراتٍ جديدة منها:
حدوث ثغرات في القوة الروسية في سوريا سواءً بسبب الحرب على أوكرانيا وما تشهده من تصعيدٍ بين موسكو والناتو، وتهديدٍ حتى باستخدام القوة النووية، إلى جانب حركة التمرّد القصيرة من قبل ميليشيا فاغنر.
توقف/ تجميد مفاوضات الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، وبالتالي تزايد احتمالات التصعيد العسكري بعد انسداد افق الحلّ.
سيناريوهات العملية العسكرية إن حدثت:
السيناريو الأول:
عملية عسكرية أمريكية تشارك بها فصائل محلية: تنطلق من القواعد الأمريكية شرق الفرات خاصة قاعدتي حقل العمر وكونيكو وبمشاركة لجيش سوريا الجديد في قاعدة التنف وبالتالي وصل تلك القواعد ببعضها البعض وقطع الطريق على المشروع الايراني العابر للحدود من العراق وصولاً إلى دمشق، ولهذا السيناريو معوقات عدّة ومشروط بتصعيد كبير للقوات الامريكية وتواجد كبير لها وذلك بسب:
– يحتاج هذا السيناريو لعدد كبير من العناصر والمعدات والذخائر وذلك بسبب المساحة الكبيرة التي تجري فيها العمليات العسكرية وهو غير متوافر حالياً.
– تشكّل البادية السورية بيئة معادية للقوات الامريكية وحلفائها سواء بتواجد عدد كبير من القواعد الايرانية فيها، وتوزع لقوات النظام السوري، وكذلك وجود قوات وعناصر روسية مما يوسّع نطاق المواجهة لتشمل الروس ايضاً، وبالتالي تحول العملية العسكرية لمعركة مفتوحة غير معروفة النتائج.
– الأفضلية التي تحقّقها القوات الإيرانية وقوات النظام من حيث طرق الإمداد المفتوحة وسهولة التواصل ونقل الاسلحة والذخائر والمواد اللوجستية.
– وجود كبير لعناصر تنظيم الدولة في البادية السورية مما يجعل القوات المشاركة أهداف محققة له، لاسيما أن عناصر التنظيم يملكون الافضلية في القتال بالمناطق المفتوحة بسبب معرفتهم بالبادية وطرقها.
يحتاج لتنسيق مع الجانب الأردني أيضاً باعتبار إمكانية وصول الاشتباكات للحدود الأردنية في منطقة الـ 55 وقاعدة التنف.
السيناريو الثاني:
السيطرة على مدينة البوكمال والحدود العراقية السورية من الداخل السوري، ويحتاج حدوث هذا السيناريو لمشاركة أعداد كبيرة من القوات والأفراد من جهة سوريا وتنسيق مع الحكومة العراقية، وتهدف العملية في هذا السيناريو، قطع الطريق على القوات الإيرانية من الداخل السوري وإضعاف المشروع الايراني في سوريا من خلال السيطرة على مدينة البوكمال المدخل الرئيس لها إلى سوريا، ولهذا السيناريو معوقاتٍ بالإضافة للتي ذكرت في السيناريو الأول وتتمثل بـ:
– عدم ضمان موافقة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على المشاركة بالعملية العسكرية، وذلك بسبب العلاقات الإيرانية مع التنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكوردستاني، وانعكاس مشاركة “قسد” في العملية على تلك العلاقات، وبالتالي تحتاج الولايات المتّحدة لعناصر جديدة من أجل العملية العسكرية.
– عدم ضمان موافقة الحكومة العراقية على العملية العسكرية أو احتجاجها على دخول محتمل للمقاتلين إلى أراضيها وبالتالي تحتاج العملية لتوافق سياسي مع الحكومة العراقية.
السيناريو الثالث:
ويتضمّن عملية عسكرية على القرى السبعة التي تسيطر عليها إيران وقوات النظام شرق الفرات والتي تشكّل رأس حربة للعمليات الايرانية المحتملة ضدّ القواعد الامريكية وهي قرى: الحسينية، الصالحية، حطلة، مراط، مظلوم، خشام، طابية جزيرة، ويعتبر الأكثر ترجيحاً لعدة أسباب منها:
– أقل تداخلاً وتكلفة واحتياجاً للعناصر البشرية والذخائر، حيث أن المنطقة تقع ضمن مناطق التحالف وبالتالي يمتلك التحالف قدرة أوسع على التحرك والمناورة.
– الضغط الشعبي الذي يمارسه ابناء هذه القرى على مسؤولي التحالف وزوار المنطقة من المسؤولين الامريكيين، ورغبتهم بالعودة اليها خاصة أن كيلومترات قليلة تفصلهم عنها.
– شكل هذه القرى خطراً ميدانياً على القواعد الأمريكية بسبب قربها منها وبالتالي سهولة استهدافها من داخلها.
أما معوقات هذا السيناريو فهي ذاتها السابقة إضافة لكون العملية العسكرية ستتم في:
مناطق قريبة من القواعد الامريكية وبالتالي فإن إمكانية استهدافها تصبح أكبر.
هناك تخوّف من ازدياد نشاط عناصر التنظيم في منطقة سيطرة التحالف وبالتالي احتمالية استهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.
تدفع سيولة المشهد العسكري ووقوف منطقة شرق الفرات على حافة تقاطعات جيوسياسية ضيّقة ومتداخلة، لاحتمال حدوث أحد السيناريوهات المسبقة ممكناً إلى جانب أنه يفتح الباب ولو بنسبة ضعيفة حدوث سيناريوهات معاكسة رغم شبه استحالتها، ويتمثّل الأول باستمرار إزعاج سلاح الجو الروسي للطائرات الأمريكية شمال شرق سوريا، واحتمالية استهداف الطائرات الروسية لأهداف أمريكية، وهذا ما حذّر منه الناطق باسم القيادة الامريكية الوسطى من اختراق الروس لبروتوكول الطيران فوق سوريا واقتراب طائرات روسية من طائرات أمريكية كانت تقوم بمهام استطلاع، ويرتبط هذا السيناريو بشكل كبير بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية لذلك فإن احتمال حدوثه يعتمد بشكل كبير على تصعيد شامل بين الولايات المتحدة وروسيا أو على احتمالية خسارة روسية لكل مكتسباتها في أوكرانيا.
يتمثّل السيناريو الثاني بقيام إيران بزيادة استهدافها للقوات والقواعد الأمريكية في سوريا، حيث تواصل إيران حشد عناصرها من عناصر ايرانية ومليشيا محلية، وهو فيما يبدو أنه استعداد لعمل عسكري محتمل في مناطق واسعة من محافظة دير الزور، إذ تتوزّع المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري في عدة مناطق من البادية السورية وعلى أطراف نهر الفرات المقابلة للقواعد الأمريكية شرق الفرات، كذلك تشهد المنطقة عملية نزوح واسعة للأهالي من المناطق المتوقّع استهدافها بالعملية العسكرية إلى المناطق الداخلية وخاصة العاصمة دمشق، كذلك تزداد وتيرة التحشيد عبر قيادات محلية ازداد ظهورها بشكل واضح، مع قيام النظام السوري وبدعم روسي وايراني بمناورات عسكرية في بادية دير الزور بالذخيرة الحية والطيران في مناطق بادية موحسن وبقرص والميادين، مما يوحي بأن تلك القوات تقوم برفع جاهزيتها وإعادة تموضعها وانتشارها، ويدفع إيران في إظهاراها لجهوزيتها لأية عملية عسكرية.
انشغال واشنطن بالحرب الاوكرانية الروسية.
عدم رغبة إدارة بايدن بالتصعيد ضدّ إيران، واستمرار الحديث عن إمكانية فكّ الجمود الحاصل بمفاوضات الاتفاق النووي.
اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وبالتالي خشية ادارة بايدن من أن ينعكس سلباً إلحاق أية خسائر بالقوات الأمريكية في المنطقة على فرص بايدن بالفوز بفترة رئاسية جديدة في البيت الأبيض.