تشهد المنطقة الواقعة بين قضاء ئاميديي-العمادية وناحية ديرلوك، اشتباكات عنيفة بين الجيش التركي ومسلّحي حزب العمال الكوردستاني بكك منذ نهاية شهر يوليو/ تموز وبداية أغسطس/ آب، علماً أنه تتواجد في هذه المنطقة قرى وأرياف والأراضي الزراعية للمواطنين المدنيين العزّل والأبرياء.
وعلى وجه الخصوص، كانت قريتا (گوهەرزێ-بەرچێ) هدفين للهجمات والغارات الجوية التركية والقصف المدفعي التركي، وعلى الرغم من حبّ القرويين وتعلّقهم بقراهم ومصدر دخلهم واقتصادهم، إلّا أنهم اضطروا لتركها والنزوح منها خشية الاستهدافات والمصير المجهول وشعورهم بالخوف والقلق بسبب انعدام الأمن.
قيا تُرى: لماذا اشتدت الاشتباكات مؤخّراً في هذه المنطقة إلى هذا الحدّ؟
من المؤكّد أنه إذا لم يتوقف هذا القصف فسيزداد تأثيره بلا شكّ، ولا يعرف أحد مدى هذه التأثيرات السلبية سوى القوى المحلية في المنطقة، وبالذات عقب الحملات الإعلامية المشوّهة للحقائق والتي دأبت البكك على إطلاقها، وذلك بنشر معلومات مضلّلة وزائفة وقذرة للترويج لمزاعم وادّعاءات مفادها أن المنطقة هي منطقة الگريلا أو كما يحلو لقادة البكك وإعلامها إطلاق تسمية ساحات مقاومة الگريلا أو مناطق الدفاع المشروع-باراستنا مديا… عليها، وبناء عليه تقول إنها ستعتبر “وجود قوات بيشمركة كوردستان في تلك المنطقة” بمثابة مؤشّر لتبرير الحرب!
البكك وهبت 90% من المناطق الخاضعة لسيطرتها للجيش التركي… وعيونها تتركّز على مناطق جديدة…
أدلى قائد قوات الدفاع الشعبي HPG، مراد قره يلان، بتصريح في 13 آب/ أغسطس، ادّعى فيه أن الحرب ضدّ البيشمركة مؤكدة، وبرّر قره يلان قرار الحرب بسبب أن “البيشمركة أقامت حواجز في مناطق الگريلا” فقال: “على سبيل المثال؛ يستخدم الكريلا مكاناً، ويأتون ويذهبون من هناك، ويأخذون الجرحى ويجلبونهم؛ كما ترون، أنهم وضعوا البيشمركة هناك. هناك مكاناً فارغ؛ وضعوا على الفور بعض البيشمركة هناك. الجنود الأتراك هناك، نحن هنا؛ في الحال يتبين أنهم وضعوا أنفسهم في المنتصف”.
المكان الذي يقول قره يلان إن “البيشمركة تنشئ نقاطاً فيه” هو خط الطريق الواصل بين ئاميديي-العمادية وديرلوك! إذن ما هو المميّز في هذا الطريق؟
في العمليات التي بدأتها الدولة التركية منذ عام 2018 داخل حدود إقليم كوردستان، توغّلت الدولة التركية في عمق اراضي إقليم كوردستان مسافة 50 كيلومتراً، جميع المناطق الحدودية والتي كانت خاضعة لسيطرة البكك ونفوذها منذ سنوات بل وعقود، انسحبت منها البكك وأهدتها للدولة التركية المحتلّة في وقت قصير! وهذا يعني أن البكك فقدت السيطرة على أكثر من 90% من الأراضي الخاضعة لسيطرتها ونفوذها.
والمكان الوحيد الذي تسيطر عليه البكك الآن هو جبل گاره-غاري، والخط الذي يقول قره يلان إن المقاتلين يأتون ويذهبون إليه هو ديرلوك وشيلادزي وقرى گوهەرزێ-بەرچێ.
البكك ركّزت عيونها على الطريق الاستراتيجي
يقع هذا الطريق على طرف الطريق الرئيسي الذي يربط دهوك-ئاميديي-ديرلوك-شيلادزي-بارزان وسوران، هذا الطريق الرئيسي الذي يجسّد العمود الفقري للمنطقة، وها هو قره يلان يريد أن يُترك لهم هذا الطريق؟! فهل هذا معقول وممكن؟
يعيش حوالي 100 ألف شخص في هذه المنطقة، وينحدر معظم هؤلاء الأشخاص من قرى نيروه-ريكان ونهيلي وزيباري، تلك القرى والمناطق التي سيطرت عليها البكك منذ تسعينيات القرن الماضي، وغادرت منها بين ليلة وضحاها قبل 3 أعوام، تاركةً إيّاها بين أنياب السباع وبراثن الدولة التركية المحتلة! وكان أهالي المنطقة والقرى محرومون من قراهم ومزارعهم وممتلكاتهم منذ 30-40 عاماً الماضية بسبب تواجد البكك في مناطقهم! نعم، تركوا قراهم للبكك واستقروا على خط طريق ئاميديي- ديرلوك- شيلادزي، والآن أصبح هؤلاء الأهالي والقرويين ضحايا من جديد ومرة أخرى للحرب الشكلية الزائفة للبكك، ورغم كلّ ذلك… يريد حزب العمال الكوردستاني بكك وقادته تهجير سكان هذه المنطقة من جديد وانتزاع هذه المنطقة منهم أيضاً كما انتزعت منهم قراهم واحتلّتها في السابق!!
في هذه المنطقة، كان الناس يكسبون عيشهم من خلال الزراعة والبساتين طيلة فترة مدة 30-40 عامًا، لكن منذ شهر تموز، توقفت جميع أعمالهم وزراعتهم، وازداد الناس فقرًا يومًا بعد يوم، ولا يستطيعون الذهاب إلى مزارعهم وحقولهم وبساتينهم.
البكك تشكّل تهديدًا وخطورة على سدّ ديرلوك
في 12 آب/أغسطس، هاجم مقاتلو البكك مركبة لبيشمركة كوردستان كانت متّجهة لإحدى نقاط الحراسة لسدّ ديرلوك، وعندما ردّت البيشمركة على مصدر إطلاق النار، حدث اشتباك لمدة 10 دقائق، ورغم ادّعاءات البكك ومزاعمها من أن أماكن قوات البيشمركة هي منطقة حرب وتقول: “يدعمون ويتعاونون مع الدولة التركية!” إلا أن الحقيقة ليست كذلك إطلاقاً، إذ يُعدّ وادي ديرلوك مصدر الحياة بالنسبة للسكان المحليين، ويوجد سدّ لإمدادات المياه والكهرباء في تلك المنطقة.
يُعتبر وادي رشافا-ديرلوك منطقة استراتيجية لحياة الناس، ورغم أن بعض أجزاء هذا السدّ لم تكتمل بعد، إلا أنه يوفّر الكهرباء ومياه الشرب لمدن وقرى ئاميديي-ديرلوك وشيلادزي، يتمّ بناء هذا السدّ من قبل إقليم كوردستان وشركات يابانية، وقوات البيشمركة المتواجدة والمتمركزة في المنطقة والتي تزعم البكك وتدّعي أنها تعرقل تقدّم قواتهم وتتواجد في مناطقها، إنما هي قوات لبيشمركة كوردستان تتجسّد مهامها في حماية هذا السدّ وحراسته.
تضرّر القطاع السياحي بأضرار جسيمة، ذلك القطاع الذي يُعدّ شريان الحياة بالنسبة للسكان المحليين
ومن السمات والخصائص الأخرى للمنطقة التي تطلق عليها البكك تسمية مناطق الگريلا وتعتبرها مناطقها وأراضيها… أنها مركز سياحي في المنطقة، ويعتبر الطريق الرئيسي بين ئاميديي-العمادية وديرلوك موقعاً مركزياً يستخدمه المدنيون دائماً ولا يزال يستخدم للسياحة، وتوجد العشرات من المنتجعات والأماكن السياحية في المثلث الواقع بين وادي شران وجسر بالندا وبيافي وأفاشين، وخاصة منتجع سولاف ئاميديي وهو وجهة الالاف من المصطافين والسّياح ومصدر مهم لكسب العيش للسكان المحليين.
ووفقا للبيانات، فقد قصد أكثر من مليون سائح المنطقة في الأشهر الستة الأولى من عام 2023. وبسبب تواجد البكك ومسلّحيها جفّت منابع وسبل عيش عموم الناس والأهالي في المنطقة، ولم يتبق لهم سوى السياحة مصدراً للعيش، وإذا كانت تلك المناطق حسب أقاويل البكك ومزاعمها الكاذبة مناطقها العسكرية وساحة حربها وأراضيها… فسيتمّ القضاء نهائياً على القطاع السياحي ويتمّ قطع الشريان الوحيد المتبقّي لسكان المنطقة، فالبكك انسحبت من الجبل الأسود وكولين وكوره ژار-كوري جهرو- وسەرێ بێزنۆ ومَرين… والعشرات من القمم الشامخة والتلال الاستراتيجية وتركتها للأتراك المحتلّين وتريد الآن التمركز والتموضع في أطراف القرى وأريافها وعلى طرقها الرئيسية وتحويلها لمعسكرات لها!… أيا تُرى من لم يصمد على قمم الجبال الشامخة والحصينة والوديان الوعرة المستعصية… فكيف سيصمد في أطراف القرى وخلف أشجار العنب؟!!
هدف البيشمركة هو إبعاد المنطقة عن جحيم الحرب
وبسبب السمات والمميّزات والخصائص التي تتمتع بها المنطقة والتي تحدّثنا عنها بإيجاز أعلاه، يتّضح لنا مدى أهمية حماية حكومة إقليم كوردستان للمنطقة، لذا فإنّ ادّعاءات وأقاويل قره يلان ومزاعمه (يستخدم الكريلا مكاناً، ويأتون ويذهبون من هناك، ويأخذون الجرحى ويجلبونهم؛ كما ترون، أنهم وضعوا البيشمركة هناك. هناك مكاناً فارغ؛ وضعوا على الفور بعض البيشمركة هناك) لا صحّة لها على الإطلاق، فحماية السدود والخزانات المائية والمواقع والمنتجعات السياحية تُعتبر من أولويات الأنظمة الأمنية التي يجب حمايتها، فسيادة الدول تتّضح وتبرز في حماية هذه الأماكن الهامّة، فليس من المعقول ترك حماية هذه السدود والمنتجعات السياحية والتي تعتبر شريان الحياة بالنسبة لسكان المنطقة من أجل مقاتل أو مقاتلين في رفوف البكك وكونهم ينتقلون في هذه المنطقة!
بالإضافة إلى ذلك، أهدت البكك أراضي كوردستان من حدود جلي في باكور كوردستان-كوردستان تركيا وصولاً لقمة كوري جهرو-كوره ژار المطلّ على ناحية ديرلوك بإقليم كوردستان، تلك المنطقة التي كانت خاضعة للسيطرة الكليّة والتامة للبكك منذ أربعة عقود، سلّمتها وأهدتها للدولة التركية على طبق من ذهب ودون أية مقاومة تُذكر، والآن تريد التمركز والتحرّك حول القرى وفي أطرافها وخلف بساتين ومزارع القرويين وأكواخ السياحة و…إلخ.
تركت الحصون والقلاع الطبيعية مثل سري سينيا، كوري جهرو، مرين ورشي و… وتختبئ وراء أكواخ السياحة وأوراق أشجار العنب والتين!!… إلى هذا الحدّ وصل بها الاستهانة بعقلية الكورد والتلاعب بها! ينبغي على البكك أن تنتهي من عرض هكذا مسرحيات.. عليها الكفّ عن صناعة هكذا سيناريوهات… بالفعل باتت هذه العروض سخيفة، يجب على بيشمركة كوردستان ألّا تسمح للبكك باستخدام هذه المنطقة الاستراتيجية كخشبة مسرح بينها وبين الدولة التركية، فحماية أهالي المنطقة والسكان هي المسؤولية الأساسية لقوات البيشمركة الكوردستانية وأسمى واجباته الوطنية…