فورين بوليسي الأمريكية: إيران تستغل الانقسامات والتقاعس الأميركي في كوردستان… وعلى واشنطن وضع خطوط حمراء للاتحاد الوطني الكوردستاني

فورين بوليسي الأمريكية: إيران تستغل الانقسامات والتقاعس الأميركي في كوردستان... وعلى واشنطن وضع خطوط حمراء للاتحاد الوطني الكوردستاني

قال تقرير لمجلة “فورين بوليسي FP” الأمريكية المعروفة بعنوان “إيران تستغل الانقسامات والتقاعس الأمريكي في كوردستان” أن “حكومة إقليم كوردستان تعتبر مهمة لمصالح الولايات المتحدة بعدة طرق، وتعدّ قوات البيشمركة شريكاً رئيسياً في القتال ضدّ تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، كما أنها تلعب دوراً حاسماً في جهود مكافحة الإرهاب التي يبذلها الغرب في كل من العراق وسوريا”.

واضاف تقرير المجلة بالقول “وقد شكلت المنطقة تاريخياً (إقليم كوردستان) منطقة عازلة ضد الاضطرابات في بقية أنحاء العراق، حيث توفّر ملاذاً آمناً لما يقرب من مليون نازح داخلي ولاجئ”.

وأردف بالقول، إن انشغال واشنطن بمنافستها المتزايدة مع الصين والحرب في أوكرانيا، ومع استشعار تركيز أمريكا على مكان آخر “بدأ منافسو حكومة إقليم كوردستان، بما في ذلك الميليشيات التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية، في التحرّك، باعتبار إن انهيار كوردستان من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات وفوضى ذات آثار تمتد إلى ما هو أبعد من العراق”.

وتابع التقرير، أن “حكومة إقليم كوردستان واجهت سلسلة من المشاكل في السنوات الأخيرة، بعد فترة وجيزة من تولّي مسرور بارزاني منصبه رئيساً لحكومة إقليم كوردستان في عام 2019، واجهت حكومته وباءً (كورونا) وتصعيدًا عسكريًا بين الولايات المتحدة وإيران، وأزمة اقتصادية بعد أن تلقت عائدات النفط ضربة كبيرة عندما انخفضت أسعار النفط الخام في عام 2020”.

مشيراً إلى أن “الخلافات داخل البيت الكوردي أدّى إلى إضعاف القدرة التفاوضية للكورد في بغداد خلال المفاوضات بشأن تشكيل حكومة عراقية بعد الانتخابات البرلمانية عام 2021، واستغلت إيران الخلاف الكوردي من خلال التحالف مع الاتحاد الوطني الكوردستاني لتوسيع نفوذها على الدولة العراقية”.

وأكّدت المجلة الأمريكية، أن “الحزب الديمقراطي الكوردستاني يدين بقدر كبير من قوته إلى انضباطه التنظيمي الطويل الأمد، والذي منحه نجاحاً انتخابياً وشعبياً. سمح له بالحصول على منصب رئيس الوزراء منذ عام 2012، فيما انقسم الاتحاد الوطني الكوردستاني إلى فصائل منذ إنشائه، وفي عام 2021، قام بافل طالباني بانقلاب للإطاحة بابن عمه لاهور شيخ جنكي من منصب الرئيس المشارك للحزب”.

وجاء في التقرير أيضاً، أن “هذه الديناميكيات العنيفة أدّت إلى إضعاف قدرة الاتحاد الوطني الكوردستاني على تقديم بديل للحزب الديمقراطي الكوردستاني. وبدلاً من ذلك، اختارت تكتيكات التخريب، والعمل مع الجماعات المتحالفة مع إيران في بغداد لتقويض منافستها سياسياً واقتصادياً، وتعمل قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني بشكل منتظم مع الأفراد والجهات المتحالفة مع إيران والتي تفرض عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات، وأحياناً على خلفية الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على كوردستان من قبل هذه الجماعات”.

ومضى التقرير بالقول “وهذا يثير أسئلة جدية بالنسبة لواشنطن وعلاقتها بالحزب (الاتّحاد الوطني الكوردستاني)، الذي يتحالف مع إيران وبغداد اعتقاداً منه بأنه يساعده على إعادة تأكيد نفسه محلياً، لكن تقويض كوردستان ككلّ لإضعاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو قصر نظر بشكل خطير، ومن المحتمل أن يكون وجودياً لأنه يخاطر بالمقامرة بإقليم كوردستان على المدى الطويل”.

ونوّه التقرير إلى أن “المشاكل الداخلية الكوردية والاعتداءات الإيرانية على إقليم كوردستان لها آثار بعيدة المدى على المصالح الأمريكية، إذ تُعتبر حكومة إقليم كوردستان حليفاً حيوياً في الحملة الرامية إلى ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش والانقسامات بين الكورد، ومحاولات إيران لإخضاع الدولة العراقية، والاضطرابات الاقتصادية في إقليم كوردستان، كلّها عوامل تقوّض الحملة الأمريكية ضدّ التنظيم وتُمكّن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران والتي تصنفها واشنطن على أنها إرهابية”.

مستدركاً ” تعدّ القاعدة الأمريكية في محافظة أربيل واحدة من أهم القواعد العسكرية لواشنطن في الشرق الأوسط، حيث تعمل كمركز للعمليات الخاصة وموقع انطلاق للعمليات في كل من العراق وسوريا”.

مضيفاً أن “مجرّد وجود هذه القاعدة يتطلب نظامًا سياسيًا يفضي إلى الحفاظ على الشراكة بين الولايات المتحدة وحكومة إقليم كوردستان، وهو أمر تأمل إيران في إضعافه، وفي نهاية المطاف، هدمه من خلال استغلال الاتحاد الوطني الكوردستاني. لقد أثبتت إيران استعدادها للعب لعبة طويلة الاجل لتحلّ محل الولايات المتحدة في كوردستان، كما فعلت في بغداد على مدى العقدين الماضيين”.

وشدّد التقرير على أنه “يجب على واشنطن أن تتدخّل للضغط على حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني لإنهاء تواطؤه مع طهران حيث يخاطر الحزب وقيادته بانتهاك العقوبات الأمريكية المصمّمة لمنع قدرات الجماعات والمسؤولين المتحالفين مع إيران”.

كما يشير إلى أن “على واشنطن أن تضع خطوط حمراء للاتحاد الوطني الكوردستاني، وذلك لاحتواء الاعتداءات الإيرانية ولحماية مصداقية العقوبات المفروضة على إيران. ويجب على واشنطن أيضاً أن تثني الوطني الكوردستاني عن التهديد بإعادة كوردستان إلى ازدواجية الإدارة التي كان سائداً في التسعينيات، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي فعلياً إلى حلّ إقليم كوردستان وحقوقها التي اكتسبتها بشقّ الأنفس بموجب الدستور العراقي لعام 2005”.

ونوّه التقرير إلى أنه “من الممكن أيضًا إشراك الجهات الفاعلة الإقليمية مثل تركيا، وقد صعّدت أنقرة هجماتها بطائرات بدون طيار على مسلحي حزب العمال الكوردستاني بكك المتواجدين في السليمانية، معقل حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني. وقد أدّى ذلك إلى زعزعة استقرار المحافظة وزاد من مشاكل الحزب”.

وأضاف “ولا يستطيع الاتحاد الوطني الكوردستاني إجبار حزب العمال الكوردستاني على الانسحاب، لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى صراع عنيف، لكنّه لا يستطيع أيضاً تحمّل المزيد من الهجمات التركية” مستدركاً “ومع ذلك، يمكنه (أي الاتحاد الوطني الكوردستاني) عقد صفقة مع أنقرة على أساس الالتزام بإنهاء تواطؤها مع قوات الحشد الشعبي، التي تضمّ في صفوفها فروعاً تابعة لحزب العمال الكوردستاني. وهذا من شأنه أن يضمن ألا يقوم الاتحاد الوطني الكوردستاني بتمكين حزب العمال بشكل مباشر أو غير مباشر. فهو يقلّل من نفوذ إيران، ويخفّف من المخاوف التركية، ويقلّل من التوترات الجيوسياسية الناتجة عن التوغلات التركية”.

ويشير التقرير إلى أنه “علاوة على ذلك، فشلت واشنطن في مقاومة أو إدانة الإجراءات العقابية التي اتّخذتها بغداد ضدّ اقتصاد حكومة إقليم كوردستان، والتي صمّمتها الجماعات المتحالفة مع إيران من خلال إخضاع السلطة القضائية في بغداد. كما أدّى تعليق صادرات النفط من إقليم كوردستان إلى منع 500 ألف برميل يومياً من النفط الكوردي من الوصول إلى الأسواق العالمية (حوالي 10% من إجمالي صادرات العراق، أو 0.5% من الإنتاج العالمي”.

موضحاً “ولهذا الأمر أصداء تتجاوز حدود المنطقة، حيث اعتمدت أوروبا بشكل متزايد على النفط الكوردي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا”.

ومضى التقرير بالقول “لقد كانت الولايات المتّحدة حتى الآن متفرجاً على كلّ من التصعيد بين الكورد والتعدي الإيراني. وقد تعتقد واشنطن أن هذه المشاكل هي شؤون كوردية داخلية، لكن هذا خطأ. ويمكن ربط صعود قوات الحشد الشعبي، وبالتالي قدرتها على استغلال الخلاف الكوردي، بشكل مباشر بإرث المشاركة الأمريكية في العراق على مدى العقدين الماضيين، بما في ذلك إذعان واشنطن لاستيلاء هذه القوات على كركوك في عام 2017 “>

ويؤكّد التقرير أن “حكومة إقليم كوردستان أثبتت قدرتها على الصمود، لكنّ هذا له حدوده. إن الانهيار الكامل لاقتصاد المنطقة من شأنه أن يجبرها في نهاية المطاف على الاستسلام لإيران. ومن الناحية العملية، يعني هذا إعطاء إيران دوراً أكبر في تحديد معالم مؤسسات حكومة إقليم كوردستان، وقواتها المسلحة، وحدودها، والأهم من ذلك، مستقبل القاعدة الأمريكية في أربيل”.

ويوضّح التقرير أن “منع ذلك سيتطلب من الولايات المتحدة التوسّط في التوتّرات بين الكورد لتوحيد الصف الكوردي في بغداد لحماية الحكم الذاتي لحكومة إقليم كوردستان واستعادة استحقاقاتها في الميزانية وحقها في التنافس الانتخابي على المناطق المتنازع عليها مثل كركوك دون التعرّض للتكتيكات القسرية لقوات الحشد الشعبي–مع الحفاظ على التنافس الديمقراطي الصحّي في الداخل”.

مردفاً “إذا كانت واشنطن جادة بشأن حماية مصالحها، فيمكنها البدء بإقناع حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بأن أفضل أمل لها في عكس اتجاه تراجعها هو من خلال معالجة أزمتها الداخلية، وليس من خلال اللجوء إلى إيران-وهي ممارسة مدمّرة للذات. وإن تواطؤه مع إيران مقامرة بمصير الحزب والسليمانية على السواء”.

ويمضي التقرير بالإشارة إلى أنه “يمكن للولايات المتحدة أن تركّز وساطتها على احتياطيات الغاز في كوردستان، ممّا قد يؤدي إلى معالجة النقص العالمي على المدى الطويل مع دعم اقتصاد حكومة إقليم كوردستان، ويتمتّع الحزب الديمقراطي الكوردستاني بالشرعية السياسية والدستورية لدفع القطاع إلى الأمام وجذب المستثمرين–لكن احتياطيات الغاز تقع في المقام الأول في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكوردستاني”.

كما ينوّه إلى أنه “يمكن للولايات المتحدة أن تشجّع الحوار حول تطوير حقول الغاز هذه وتأمين وضع كوردستان فيما وصفته وكالة الطاقة الدولية بـ “العصر الذهبي” للغاز الطبيعي”.

ويستدرك تقرير فورين بوليسي بالقول “من خلال الاستمرار في مساره الحالي، يخاطر الاتحاد الوطني الكوردستاني بفصل سكان السليمانية البالغ عددهم 700 ألف نسمة عن التحول الاقتصادي الذي يقوده مسرور بارزاني، وهو ما لن يؤدّي إلّا إلى زيادة إحباط مؤيدي الوطني الكوردستاني. ومن الممكن أن تنقذ أجندة الإصلاح كوردستان من الاعتماد على النفط من خلال تنويع الاقتصاد، وتحسين الكفاءة، وتعزيز الحكم الرشيد”.

وختم التقرير بالقول “البديل بالنسبة للولايات المتحدة–الوقوف متفرجة ومراقبة انهيار حكومة إقليم كوردستان–سيكون كارثة على كورد العراق وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. سوف يلعب مصير حكومة إقليم كوردستان دوراً مهماً في تحديد معالم الشرق الأوسط الأوسع”.

مقالات ذات صلة