تصاعد ردود الأفعال الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي حول المقاتلين الصغار لحزب العمال الكوردستاني بكك
منذ أعوام، يشكّل حزب العمال الكوردستاني العنوان الأبرز على الأجندات الكوردية فيما يتعلق بقضية اختطاف وتجنيد الأطفال “المقاتلين الصغار” فقد ألزم حزب العمال الكوردستاني بكك وجود المقاتلين الأطفال كضرورة على الكورد على مدى السنوات الأربعين الماضية، فمن ناحية يقيم احتفالات جماهيرية حاشدة، ومن ناحية أخرى يتّهم بالخيانة من ينتقد تجنيد وعسكرة الأطفال وقضية المقاتلين الصغار، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلتها البكك طيلة أربعة عقود إلّا أنها لم تفلح في إقناع الكورد بقضية تجنيد وعسكرة الأطفال وصناعة المقاتلين الصغار، وكان آخر هذه الأحداث ردود الأفعال الغاضبة على أوسع نطاق حول قصة فتاة صغيرة في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا وهي تتعهد بالانضمام إلى رفوف مقاتلي البكك متعهّدة بالقتال في رفوفها على مرأى العالم على وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد أثارت صور ومقاطع فيديو لفتاة صغيرة لم تبلغ 13 عاماً، وهي تتعهّد من خلاله بالانضمام إلى رفوف مقاتلي البكك، وذلك من خلال احتفالية للبكك في روجآفا كوردستان بمناسبة ذكرى تأسيس حزب العمال الكوردستاني، أثارت الحادثة استياءً شديداً لدى الأوساط الكوردية، وأثار غضبهم حول أولوية أنه كان من المفترض أن تكون هذه الفتاة طالبة في الصف الخامس أو السادس الابتدائي تطمح أن تكون طبيبة أو مهندسة أو معلمة في المستقبل ولكن وللأسف الشديد فها هي تتوعّد بالانضمام إلى رفوف المقاتلين! والأمرّ من هذا هو التصفيق الحارّ من الحاضرين!!
قال الكورد كلمتهم على وسائل التواصل الاجتماعي: (حزب العمال الكوردستاني بكك يجرّ الأطفال إلى حرب غامضة ومجهولة الأسباب… وهذه جريمة كبيرة).
هذا الأسلوب هو ممارسة قديمة في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا
منذ تسعينيات القرن الماضي، تستخدم البكك هذه الدعوات والأساليب والوسائل لتعبئة رفوف مقاتليها الگريلا، فخلال المناسبات الجماهيرية الحاشدة كأعياد نوروز وغيرها من المناسبات، تستغلّ الأطفال الصغار والشباب حيث تعرضهم على المنصات ويتعهّدون بالانضمام إلى رفوف مقاتليها، فمن ناحية، ولأن هؤلاء الأطفال قد قطعوا وعداً أمام هذا الحشد الكبير، فقد سلّموا إرادتهم لها ولم يتبق لهم أية فرصة للتراجع عن وعدهم أو نقضه، ومن ناحية أخرى، ما يراه الأطفال الآخرون ويتأثرون به من تهييج للمشاعر بالتصفيق الحارّ وترديد الشعارات فيتولّد لديهم رغبة الانضمام إلى رفوف المقاتلين، والحقيقة والواقع يؤكّدان أن حزب العمال الكوردستاني بكك كثيراً ما استخدم هذه المراسيم والاحتفالات والمناسبات كمصيدة للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الأطفال القاصرين والمراهقين.
للعوائل أيضاً اعتبارات وامتيازات…
وإن لم تكن جميعها، هناك بعض العوائل ممّن انضمّ أطفالهم لرفوف مقاتلي البكك تستفيد مادياً وتستحصل وتكسب بعض الامتيازات الأخرى، وعلى وجه الخصوص بعد عام 2012 وبعدما فرض حزب الاتّحاد الديمقراطي PYD سيطرته على روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، فقد حصلت عائلات بعض الشهداء والمقاتلين في رفوف البكك على بعض الامتيازات مثل المساعدات الاقتصادية والإدارية…إلخ، لهذا السبب، تقوم بعض العائلات بتشجيع أطفالها وأبنائها على الالتحاق والانخراط في رفوف مقاتلي البكك، ولكن مثل هذه الحالات لا تتعدّى بعض العائلات، كما أن هناك بعض العائلات ممّن يعاني أطفالها من اضطرابات نفسية أو شخصية ولا تستطيع السيطرة عليهم فتحاول جاهدة أن ينخرط أبنائها في رفوف مقاتلي البكك للتحرّر من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم تجاه تربية وإعالة هؤلاء الأطفال المرضى.
ولكن للأسف الشديد، تظهر والدة الطفلة الصغيرة على المسرح وتهنّئ ابنتها وتباركها على قرارها الانضمام إلى رفوف المقاتلين والمقاتلات، تلك الفتاة التي كان من المفترض أن تكون في المدرسة والتي ما زالت بأمسّ الحاجة إلى رعاية والديها… ولكن يبدو جلياً أن ما دار على خشبة المسرح كان خطّة دقيقة محكمة أحاكها كوادر حزب العمال الكوردستاني بإتقان للإيقاع بالأطفال الصغار…
انتفاء وغياب انضمام المقاتلين لرفوفها…
تعاني البكك، خلال السنوات الأخيرة، أزمة مقاتلين كبيرة وحادة، ففي باكور كوردستان-كوردستان تركيا باستطاعتنا القول أن معدلات الانضمام لرفوف مقاتلي البكك أصبحت صفراً، بينما في باقي أجزاء كوردستان والمناطق الأخرى تُعدّ حالات الانضمام بأصابع اليد، كما تلقّت البكك هزائم وإخفاقات متوالية، وخاصة المقاتلين الگريلا حيث لم يعد بإمكانهم خوض هذه الحرب والمعارك التي لا معنى ولا هدف لها في الأنفاق، يتحيّنون الفرص للانشقاق من رفوف التنظيم، وعلى الرغم من كل العقبات، إلا أنهم يواصلون الانشقاق والانفصال، وكذلك تتواصل الانشقاقات من قواها في روجآفا كوردستان، كما أن الأضرار والخسائر الناجمة عن الاشتباكات والمواجهات زادت من حدّة أزمة المقاتلين داخل البكك، ولما مرّ من الأسباب، اتّبعت البكك واستخدمت أساليب مختلفة لتجنيد المقاتلين في العام الماضي، فتقوم باختطاف الأطفال وتهريبهم عن طريق منظّمتها المسماة “الشبيبة الثورية-جوانن شورشكر” وقد أكّدت المصادر المقرّبة من البكك أنه صدرت الأوامر بتجنيد جميع الأطفال وعسكرتهم سوى المعاقين جسدياً-جسمياً، ومثل هذا النضال وهذه الممارسات والأعمال يتوقّع حدوثها في كافة أجزاء كوردستان، والحقّ أنه تمّ إنشاء مجموعات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي-تلغرام في باكور كوردستان حول هذا الموضوع، حيث يتمّ توفير مبلغ من المال لإعداد جواز السفر للشباب الذين لم يطّلعوا على حقيقة على هذه التنظيمات، وبعد أن يجتاز هؤلاء الشباب الحدود يتمّ تمركزهم في ساحات القتال وجبهاته، بينما يتمّ منح من كسب وغرّر بهؤلاء الشباب جوائز مالية مغرية، بحيث وصل سعر المقاتل الواحد مطلع الألفية الثانية في ولاية وان-هكاري وصولاً لحدود روجهلات كوردستان-كوردستان إيران ومنطقة كلرَش الحدودية، وصل سعر الجائزة على راس كل مقاتل 100 دولار أمريكي، بحيث بات البعض يمتهن وظيفة تجنيد المقاتلين وتهريبهم.
يُذكر، أن هذه هي المرّة الأولى التي تواجه فيها البكك أزمة مقاتلين كبيرة وحادّة منذ تسعينيات القرن الماضي، والسبب في ذلك هو الخسائر البشرية اليومية في رفوف مقاتليها وعدم وجود مصادر ومنابع تعوّض مثل هذه الخسائر الكبيرة والباهظة في الرواح.
البكك لم تعد تملك سوى سلاح المظاهرات وإطلاق الشعارات والدعاية والموسيقى والرقص والغناء…
أولى حزب العمال الكوردستاني بكك، هذا العام بالذات، اهتماماً كبيراً وخاصاً بالاحتفالات خلال مناسبة تأسيسها في 27 تشرين الثاني، وذلك بعد الهزائم المتكررّة التي تلقّتها وبالأخص بعد حرب الخنادق عام 2015، وانسحابها من باكور كوردستان، وخسارتها لجبال باكور كوردستان بينما في روجآفا كوردستان خسرت مقاطعة عفرين وسري كانيه أمّا في حدود إقليم كوردستان فقد فقدت عموم المناطق التي أطلقت عليها البكك مناطق الدفاع المشروع (باراستنا مديا)، وسلّمت عموم هذه المناطق بلا استثناء للدولة التركية المحتلة، حاولت البكك من ورائها إحداث ضجّة إعلامية وتظاهرات مزدحمة للتغطية على عموم هزائمها وإخفاقاتها والتستر على ممارساتها، فجميع ممارسات البكك في الآونة الأخيرة لا تعدو كونها حملة دعائية لجماهيرها وخداعه، وهذا ما ظهر بوضوح وجلياً خلال مناسبة تأسيسها الأخيرة، ولهذا أولت بهذه المناسبة هذا الاهتمام البالغ، علماً أنها أطلقت تهديدات جدية لمن لم يشارك في احتفالاتها في روجآفا كوردستان.
فالبكك ومن خلال الفعاليات والأنشطة الجماهيرية المختلفة من تنظيم دورات ثقافية وفنية وعقد حفلات الرقص والموسيقى… إلخ تحاول اجتذاب وجمع أكبر عدد ممكن من الناس حولها للتغطية على هزائمها وانتكاساتها وإخفاقاتها الإستراتيجية طوال سنوات…