قرّرت الدولة العبرية، الردّ «بشكل واضح وحاسم» على الهجوم الإيراني غير المسبوق الذي وقع مطلع الأسبوع بطائرات مسيّرة وصواريخ، بهدف التوضيح أن إسرائيل لم ولن تسمح للإيرانيين بخلق المعادلة الجديدة التي كانوا يحاولون خلقها في الأيام الأخيرة، وفق ما قالت القناة 12 الإسرائيلية.
وأكّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هذا التوجه، وقال إن “إيران فشلت في الهجوم علينا، وستفشل في ردع إسرائيل” مضيفاً “أي عدو سيقاتلنا سنعرف كيف نضربه أينما كان”.
وبحسب غالانت: “لن يتمكّن الإيرانيون من تطبيق معادلة ردع مختلفة ضدنا”.
ولم يعرف متى ستهاجم إسرائيل، ويفترض أن يكون مجلس وزراء الحرب قد اجتمع الثلاثاء للمرة الخامسة منذ الهجوم الإيراني لبحث وقت الردّ وشكله النهائي.
ورغم أن موعد الردّ سيبقى سرياً حتى يدخل حيز التنفيذ، فإنه تشير التقديرات إلى أن إسرائيل ستلحق الضرر بالأصول الإيرانية.
وأكّد الجيش الإسرائيلي أن إيران لن تنجو من العقاب بعد هجومها غير المسبوق ليل السبت الأحد بطائرات مسيّرة وصواريخ على إسرائيل.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري لصحافيين في قاعدة جولس العسكرية، بينما كان يعرض بقايا صاروخ إيراني تمّ اعتراضه: “لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا النوع من العدوان، إيران لن تنجو من العقاب”.
ووفق هاغاري الذي تحدّث بالإنجليزية، بينما كان العالم يتحدث عن “التهديد النووي من إيران” كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية “تبني تهديداً تقليدياً في مسعى إلى خلق حلقة من النار في إسرائيل”.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي في قاعدة نيفاتيم التي أصيبت في القصف الإيراني مساء الاثنين، وقال من هناك إن إسرائيل “ستردّ على إطلاق هذا العدد الكبير جداً من الصواريخ والمسيّرات على أراضي دولة إسرائيل”.
رسالة ردع
من جانبه، قال يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (البرلمان) إنه عندما تردّ إسرائيل على الهجوم الإيراني، فإن هدفها سيكون إرسال رسالة ردع لطهران مع وضع حدّ لهذه الجولة من الأعمال القتالية.
وأضاف يولي إدلشتاين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست أن من بين الاعتبارات الإسرائيلية عند التخطيط لضربة مضادة، حذر القوى الغربية من الحرب والمخاطر التي قد تتعرّض لها أطقم الطائرات من أي طلعات جوية ضدّ إيران، والحاجة إلى مواصلة التركيز على الهجوم المستمر منذ أكثر من نصف عام على غزة، مضيفاً “سيتعين علينا الردّ. سيعرف الإيرانيون أننا قمنا بالردّ. وآمل بصدق أن يلقنهم درساً مفاده أنه لا يمكنكم مهاجمة دولة ذات سيادة لمجرد أنكم تجدون ذلك ممكناً” لكنه أردف “آمل مخلصاً أن يفهموا أنه ليس من مصلحتهم مواصلة هذا النوع من تبادل الضربات. لسنا مهتمين بحرب واسعة النطاق. لسنا، كما قلت، في مجال الانتقام”.
حملة دبلوماسية
أعلن وزير الخارجية إسرائيل كاتس إنه أطلق حملة دبلوماسية لمواجهة إيران. وقال: “إلى جانب الردّ العسكري على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، أقود تحركاً دبلوماسياً ضدّ إيران”.
وأشار كاتس عبر حسابه على منصة «إكس» إلى أنه قد «وجهت هذا الصباح رسائل إلى 32 دولة، وتحدّثت مع العشرات من وزراء الخارجية والشخصيات البارزة في جميع أنحاء العالم، داعياً إلى فرض عقوبات على مشروع الصواريخ الإيراني وإعلان (الحرس الثوري) منظمة إرهابية» ولم يحدّد كاتس الحكومات التي طلبت منه فرض عقوبات على «الحرس الثوري» المدرج أساساً على لائحة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية، ويخضع لعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي.
وعشية توجهها إلى إسرائيل، دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الثلاثاء، الاتّحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات جديدة على تكنولوجيا المسيّرات الإيرانية عقب هجوم طهران نهاية الأسبوع الماضي على إسرائيل.
وفي سياق متصل، أعلن السفير الإسرائيلي لدى ألمانيا، رون بروسور، أن بلاده ستوجه ضربة مضادة لمنشآت عسكرية إيرانية ردّاً على الهجوم الذي شنته إيران، حسبما أوردت «وكالة الأنباء الألمانية».
وفي تصريحات لتلفزيون صحيفة «فيلت» الألمانية، قال بروسور “إن إسرائيل لن تهاجم أهدافاً مدنية” مضيفاً أن الردّ الإسرائيلي سيكون موجّهاً “ضد هذه المنشآت العسكرية التابعة للملالي وآيات الله” مشيراً إلى أنه من غير الممكن التنازل عن هذا الردّ، وقال: “يجب أن نردّ على هذا. من المهم أيضاً بالنسبة للمنطقة أن يكون هذا الردع، أيضاً في هذه المنطقة، شديد الوضوح” وفق ما أوردت “وكالة الأنباء الألمانية”.
وأكّد بروسور عزم إسرائيل على شنّ ضربة مضادة، لكنّه لم يذكر تفاصيل، وأردف “متى وأين وكيف، هذا ما سيحدّده مجلس الحرب لدينا” وطالب الدبلوماسي الإسرائيلي حلفاء بلاده بتفهم الموقف الإسرائيلي، وفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران.
وتابع بروسور: “بداية، نحن نستمع – إلى أصدقائنا – أي إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ولكن أود أن أذكركم بأن إيران أطلقت حتى الآن أكثر من 300 صاروخ على إسرائيل، من دون استفزاز، في سعي منها لفعل أي شيء لقتل مدنيين إسرائيليين فعلاً. وعلينا أن نردّ على ذلك”.
3 سيناريوهات
حدّدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية ثلاث خيارات أمام إسرائيل للردّ على الهجوم الإيراني الأخير بمئات المسيّرات والصواريخ الموجّهة، خاصة بعد إعلان حكومة الحرب الإسرائيلية أنه لا خيار أمامها سوى الردّ على هذه الهجمات.
وقال جاك ديتش، مراسل البنتاغون لشؤون الأمن القومي في مجلة فورين بوليسي، إن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، أكّد لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، أن إسرائيل سوف تردّ على الهجوم رغم مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكبار مسؤوليه نتنياهو بضرورة توخّي الحذر في الردّ، وأن واشنطن لن تشارك أو تدعم أية ضربة إسرائيلية مباشرة على إيران.
وأكّد ديتش أنه على إسرائيل أن تختار ما بين توجيه ضربة شديدة الخطورة للأراضي الإيرانية، ربما ضدّ برنامجها النووي، أو تحديد هدف آخر أكثر أهمية، أو ربّما قد تعمل على تقليل مخاطر الحرب الإقليمية من خلال اعتماد نهج أكثر ملاءمة، مثل الهجوم السيبراني ضدّ طهران، أو الضربات المستهدفة ضدّ القادة الإيرانيين خارج إيران، أو الهجوم على الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة.
وحدّد الكاتب الأمريكي بالتفصيل ثلاث خيارات للردّ الإسرائيلي المحتمل، كما يلي:
الخيار الأول: مهاجمة برنامج إيران النووي
إذا قرّرت إيران بناء سلاح نووي، فقد تتمكن من إنتاج واحد في أسرع وقت ممكن خلال بضعة أشهر، حسبما أشار كبار المسؤولين الأمريكيين في العام الماضي. وهذا يجعل المنشآت النووية الإيرانية هدفا جذابا للإسرائيليين، لكنّ التصعيد سوف يكون كبيراً.
وحذّر الخبراء من أن ذلك قد يؤدّي أيضا إلى جرّ “وكلاء إيران” مثل حزب الله في لبنان وميليشيات الحشد الشعبي في العراق والميليشيات الولائية في سوريا، إلى مواجهة مباشرة أكثر شراسة مع إسرائيل.
الخيار الثاني: استهداف القادة الإيرانيين أو العسكريين أو مواقع داخل إيران أو خارجها
أوضح الكاتب الأمريكي أن إسرائيل يمكن أن تضرب أهدافاً ضمن الأراضي الإيرانية لا ترتبط بشكل مباشر بالبرنامج النووي، على سبيل المثال، يمكن أن تستهدف قائداً عسكرياً مهما مثل العميد الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني، الذي كان العقل المدبر للهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار.
ويمكن لإسرائيل أيضاً ملاحقة المواقع العسكرية أو مستودعات الأسلحة داخل البلاد، أو حتى مقرات الحرس الثوري الإيراني، وقد تشنّ أيضاً حملة اغتيالات متصاعدة ضدّ قادة الحرس الثوري الإيراني الموجودين خارج إيران، في دول مثل العراق وسوريا.
الخيار الثالث: ضرب “وكلاء إيران” أو شنّ هجوم إلكتروني على طهران
يرى المحلل الأمريكي أن قادة إسرائيليين ربما ينتابهم القلق بشأن تصاعد التوترات مع إيران، لذلك قد يختارون الردّ الأقل خطورة، مثل استهداف وكلاء إيران في الشرق الأوسط أو الانخراط في هجمات إلكترونية ضدّها.
وقال إن ضربة أخرى لإيران قد تؤثّر على مصداقيتها ووضعها في المنطقة، خاصة بعدما “فشلت” في هجومها على إسرائيل في تحقيق أية خسائر، بل “بالكاد وصلت” الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية إلى الأراضي الإسرائيلية.
وبناء على القرار الذي اتّخذ، استكمل سلاح الجو، الذي من المتوقع أن يتحمل غالبية وطأة الردّ، الاستعدادات بما في ذلك الخطط التي تمّ التدريب عليها خلال السنوات الماضية.
وخلال المشاورات التي أجراها المجلس الحربي الإسرائيلي في اليومين الماضيين، برز أمران مهمان، الأول الردّ بطريقة لا تؤدّي إلى تدهور المنطقة بالدخول في حرب.
والثاني الردّ بطريقة يمكن للأميركيين أن يقبلوها. ولا يدور الحديث بالضرورة عن تنسيق كامل، لكن الردّ يتوافق مع القواعد التي يضعونها.
ووفق القناة 12 هناك قضية أخرى طرحت في المشاورات، وهي التحالف الذي تمّ تشكيله للدفاع ضدّ الهجوم الإيراني، وتمّ الاتفاق على أنه من المحظور تحت أي ظرف من الظروف المساس بهذا التحالف.
ومنذ أن ضربت إيران إسرائيل ليلة السبت، قرّرت إسرائيل أنه يجب أن يكون هناك ردّ، قبل أن يلغي اتصال هاتفي من الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجوماً فورياً مضاداً كانت تنوي إسرائيل تنفيذه.
وطلب بايدن من نتنياهو الاكتفاء بالنصر الذي تحقّق في فشل الهجوم الإيراني، وأبلغه أن واشنطن لا تؤيّد ولن تشارك في هجوم على إيران.
وعدم إغضاب الإدارة الأميركية التي قادت تحالفاً لصدّ الهجوم الإيراني، من العقد التي برزت في المناقشات الإسرائيلية.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن الأميركيين غاضبون أصلاً؛ لأنهم لم يتلقوا تحذيراً بشأن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي ردّت عليه طهران بهجوم على إسرائيل، وفي تل أبيب تعهّدوا بتحديث هذه المرة مسبقاً قبل الردّ الموعود.
وعلى الرغم من أن لدى الولايات المتحدة معلومات استخباراتية تشير إلى أن إسرائيل تفكر في شنّ هجوم «ضيق ومحدود» على الأراضي الإيرانية، فإنه لم تبلغ إسرائيل حتى الآن أميركا بالخطة الكاملة.
مع ذلك لا يمكن حسم أن الردّ الإسرائيلي لن يتطور إلى حرب.
وقال وزير الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي أوفير سوفير إن الحكومة لا تستبعد الانزلاق إلى حرب إقليمية.
وأضاف: “نحن في مواجهة واقع لا يمكن تقبّله بعد الهجوم الإيراني، وعلينا أن نغير المعادلة”.
وتخشى إسرائيل من أن تعمق التعاون بين موسكو وطهران خلال الحرب في أوكرانيا، قد تظهر نتائجه في جولة القتال الحالية.
وأكّد مسؤولون إسرائيليون أن تبادل الخبرة التكنولوجية العسكرية بين البلدين من شأنه أن يطوّر قدرات طهران الدفاعية.
وقالت «يديعوت أحرنوت» إن الكرملين قد يسلّم طهران قريباً طائرات مقاتلة حديثة وأنظمة دفاع جوي جديدة.
وتعد إسرائيل أن العلاقات بين موسكو وطهران تمثّل شراكة استراتيجية عميقة، وقد تعمقت بعد الحرب على أوكرانيا.
بموازاة استعداداتها العسكرية شنّت إسرائيل هجوماً دبلوماسياً على إيران، ودعت 32 دولة إلى فرض عقوبات على «الحرس الثوري الإيراني” وبرنامجه الصاروخي.