مصيدة الوحدة الوطنية-القومية

دلوفان علي

قبل ما يقارب من 7 قرون مضت، قال الشاعر والكاتب الإيطالي (دانتي أليغييري) في ملحمته الشعرية (الكوميديا الإلهية): “أسوء مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين حافظوا على حيادهم في أوقات الازمات الأخلاقية”.

منذ سنوات أصبح مفهوم الوحدة الوطنية مصيدة خطيرة لخداع جزء كبير من المجتمع، وهذا ما يتمّ بخطة محكمة قوية وفكرة استراتيجية، لكن في الأساس، لكن أصحاب هذا الادّعاء يعرفون جيداً أن هذا المفهوم/ المصطلح عكس الحقيقة ومخالف لها، لكنّهم أناس يعانون تهديد وخطورة الانهيار الأخلاقي، ويستثمرون إيديولوجيا المقاومة بطرق غير أخلاقية من أجل أنفسهم ومن أجل البقاء.

كلّما تمّ استخدام مفهوم أو مصطلح ما في العالم، ينبغي فهم وتفسير مقاييس ومعايير هذا المفهوم بشكل صحيح؛ حتى يتمكن المجتمع من رؤية الحقيقة بوضوح وتتمهّد دوماً الطرق والمسارات الصحيحة لبقاء الأمم وانتصارها، وخاصة تلك الشعوب والأمم التي ترزح تحت نير الاستعمار والاحتلال والإبادة الجماعية.

إن مفهوم الوحدة الوطنية داخل الأمة الكوردية يعبّر عنه في الغالب أولئك الذين يمنعون كشف الحقائق تحت أقنعة مختلفة، وخاصة أولئك الذين يتقمّصون دور المثقفين والسياسيين وسط الشعب الكوردي ويتحدثون باسمهم في محاولة منهم لتعزيز هذا المفهوم.

وحماية هذه الوحدة المزعومة في أساسها لا تعني اجتماع كورديين في آمد وأربيل، في مهاباد وقامشلو، في لاجين تحت مظلة واحدة، بل بدلاً من ذلك، يحاولون إضفاء الشرعية على حزب العمال الكوردستاني بكك في المجتمع الكوردي، وبالأخص خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد كشف حزب العمال الكوردستاني عن وجهه الحقيقي للجميع، وباتت الحقائق تتحدّث عن نفسها.

فبادئ ذي بدء، يجب علينا أن نفسّر مفهوم الوحدة الوطنية تفسيراً صحيحاً، وبمن تتحقّق؟ ولماذا ينبغي أن تحقيق؟ ومن يؤمن بالوحدة الوطنية؟ وهل الوحدة الوطنية أداة لتوحيد عموم الكورد أم وسيلة وأداة للخداع والتضليل والاختلال والتشويش؟!

بطبيعة الحال، فإن أولئك الذين يتحدّثون عن الوحدة الوطنية أكثر من أي شخص آخر هم أولئك الذين ما زالوا يريدون جرّ العمال الكوردستاني إلى المجتمع الكوردي، علماً إن فلسفة العمال الكوردستاني بكك وممارساته عموماً تتعارض مع إرادة الأمة الكوردية (معارضة الدولة القومية والعداء لها، أخوة الشعوب، دمقرطة دول الاحتلال، النضال من أجل سيادة الدول المحتلة…) فهذه كلّ ما تناضل البكك من أجلها، وهي عمومها يتعارض مع الإرادة التي يناضل من أجلها الشعب الكوردي منذ أكثر من 150 عاماً.

كما أن حزب العمال الكوردستاني بكك مسؤول أيضاً عن دماء 100 ألف كوردي بريء، ودمار 8000 قرية كوردية، البكك هو السبب الرئيسي الذي يجعل جميع الدول المحتلة تستخدم حدود كوردستان وتهاجم الكورد، وفي الدول الأوروبية، يحاول حزب العمال الكوردستاني تحويل القضية الكوردية المشروعة إلى قضية إرهاب لا تتّسم بالشرعية، فتنظيم العمال الكوردستاني بكك مدرج على لوائح الإرهاب الأمريكية والأوروبية بسبب قضايا خطف الأطفال وقتل الأبرياء والابتزاز وتهريب المخدرات….

وإذا ما تحقّقنا في هوية من يصبح صنّاع القرار في أطر البكك وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) لرأينا أن عمومهم ليسوا كورداً، فهم من الأرمن والأتراك والأذربيجانيين والعرب ومن البلقان… ولا علاقة لهم بسوسيولوجيا الشعب الكوردي، ومع ذلك، ونظرًا لأن الدولة التركية أسّست كلاً من حزب العمال الكوردستاني بكك وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) يتمّ انتخاب من تربّوا وتثقّفوا على يد أنقرة في كلّ الانتخابات الجارية في البلاد، ويصبحون فيما بعد قادة داخل حزب العمال الكوردستاني أو يدخلون قبّة البرلمان على قائمة (DEM Partî).

كلّ هذه هي الحقائق الموجودة حالياً، لذلك فإن السؤال الأهم والجدّي هو ما إذا كان هدف أولئك الذين يناضلون من أجل الوحدة الوطنية يحاولون جعل الشعب الكوردي شريكاً في إرهاب حزب العمال الكوردستاني بكك، أم أنهم يحاولون الحصول على درع وإشباع بطونهم عن طريق العمال الكوردستاني؟

وليس في فلسفة أية دولة أو أمة في العالم، أن تناضل أمة ضدّ الاستعمار المحتل ومن أجل التحرر… أن تقف في جبهة مع من يرتكب الإرهاب وصفّه! فهذا مجرد أضحوكة وخداع للنفس.

كثير من الذين ينشرون هذه الدعوة الزائفة الفارغة عندما يواجهون من يقول لهم إنهم لا يريدون الوحدة الوطنية مع أولئك الذين يقاتلون من أجل سيادة الغزاة المحتلّين، يردّون على الفور بهذه العبارة: “أبناؤنا وبناتنا يقاتلون في الجبال!”.

وقبل سنوات، صرّحت نيلوفر كوج العضوة الإدارية للمؤتمر الوطني الكوردستاني (KNK) ومسؤولة العمال الكوردستاني بكك في أوروبا، وقالت على شاشة تلفزيون للعمال الكوردستاني: “يريد بارزاني أن يبني للكورد دولة، لكن حزب العمال الكوردستاني سيحمي الحدود ويمنع تقسيم هذه الدول” وبحسب نيلوفر كوج فإن الشباب والشابات الذين يقاتلون في الجبال يقاتلون لحماية حدود دول الاحتلال ومنع الدول الاستعمارية من التفكك! فهل من يدعو إلى الوحدة الوطنية أحقّ واصدق من نيلوفر؟ أم لمجرّد كسرة خبز أو تقليد منصب تحوّلوا لمنافقين مقنّعين لعيش حياة ذلّة وإهانة!

وهناك حقيقة يمكن فهمها دائمًا بأكبر قدر من الثقة والإيمان، إن أكثر طبقتين بين المجتمع اللتين ألحقتا أكبر قدر من الضرر بالأمة الكوردية هما ما يسمى بالمثقفين والسياسيين، فهاتان الطبقتان هما أكبر صانعي الأزمة الأخلاقية في كوردستان؛ لأنهم يضعون مصالحهم الشخصية فوق مصالح الأمة الكوردية دوماً، وعندما تتعرّض مصالحهم الشخصية مع العمال الكوردستاني لأية تهديدات فيبدؤون على الفور بمعارضة حزب العمال الكوردستاني وعداوته ومحاربته، لكن الأمر ليس محاربة أو عداوة بل أزمة مصالح، فهؤلاء بإمكانهم العودة في أي وقت إلى أطر العمال الكوردستاني حتى إن إذا لم يهب التنظيم لهم ما سبق من الامتيازات والأدوار، باختصار، هؤلاء أناس صغار بلا شخصية أو قيمة.

فالواجب الأخلاقي على كل كوردي أن يحاول إسكات أولئك مدّعي الوحدة الوطنية الذين يريدون فتح الطريق أمام حزب العمال الكوردستاني لجلب المزيد من الكوارث والمآسي والإبادات الجماعية للشعب الكوردي من خلال الدعاية للوحدة الوطنية، فالهدف الرئيسي لهؤلاء الأشخاص هو قيادة الجيل الجديد وتوجيهه لأهداف وغايات بعيدة عن الصواب وخاطئة، لأنه كان هناك وعي جدّي بين الشباب في السنوات الأخيرة. فالعصر عصر التكنولوجيا والتقدم. عصر التغيير وخلق أفكار جديدة. وبطبيعة الحال، هذا ليس في مصلحة حزب العمال الكوردستاني. لأن حزب العمال الكوردستاني يقتات على جيل لا يعي ولا يأبه ولا يفهم لخداعهم وتضليلهم واستثمارهم في حروبها وتقديمهم قرابين في نهاية المطاف، وبعدها استثمار موتهم ودمائهم وجعلها أداة دعائية والقول إنهم ضحّوا بحياتهم وأفدوا ارواحهم من أجل القائد آبو، آبو الذي إرادته بيد الدولة التركية والذي قال أمام العالم أجمع إن والدتي تركية وامنحوني الفرصة لخدمة الدولة التركية.

في أهلك الأوقات وأصعبها يظهر واجب المخلصين الوطنيين على الساحة، لذلك، فإن أصحاب الضمائر الحيّة لن يسمحوا أبدًا للأشخاص النفعيين المستغّلين أن يتحوّلوا لأصحاب كلمة وقول في مجتمع بائس مضطهد، ولذلك فإن الوقوف ضدّ الفاسدين عديمي الأخلاق واجب وطني وأخلاقي.

مقالات ذات صلة