رسالة الرئيس بارزاني المتعلّقة بشأن منصب رئيس الجمهورية في العراق… تحليل وأبعاد…

رسالة الرئيس بارزاني المتعلّقة بشأن منصب رئيس الجمهورية في العراق... تحليل وأبعاد...

سمكو عبد العزيز

الهوية الوطنية-القومية ليست مجرّد أمر فطري يولد معها الإنسان، بل هي عملية نكتب فيها نحن كأمة قصّتنا ونسرد تأريخنا الخاص، ونحدّد هويتنا ونعرّف ذواتنا، لا كما يصفنا الآخرون وفقًا لأهوائهم.

الأمة والقومية لا تتشكّلان من خلال تراكم الأحداث فحسب، بل من خلال الفهم والمعرفة أيضاً.

رسالة الرئيس بارزاني وخطابه الأخير لم يكن مجرّد خطاب سياسي لنيل منصب، بل كانت بداية مرحلة نقول فيها: نحن موجودون، وأصحاب قرار وقرّرنا رسم مصيرنا. وهذا يعني أن نجتاز مرحلة التذمر وننتقل إلى مرحلة فرض وجودنا، سلميًا وبثقة وإيمان.

في هذا العالم، لا أحد يحترم من لا يحترم نفسه.

ما لم نُقرّ ونعترف بعظمتنا، لا يُمكننا أن نتوقع من بغداد أن تعترف بنا. لذا؛ لم يطلب الرئيس بارزاني في رسالته من بغداد، بل يطلب منّا نحن الكورد أن نوحّد وننظّم بيتنا الكوردي وفق الصورة التي نريد أن نظهر بها.

هذه دعوةٌ للوعي الوطني واليقظة القومية، حتى نتحرّر من الانقسام والشرذمة اللذان يُضعفان صورتنا في نظر العالم.

ليس بالضرورة أن يُفكّر الجميع بالطريقة نفسها، ولكن يجب أن تكون روايتنا وقصّتنا الوطنية واحدة.

تقول هذه الرسالة في صمت: أي أمة لا تستطيع التحدث بصوت واحد ستصبح مجرّد لقمة سائغة في صراعات الأمم والشعوب.

يكمن الخطر في استئثار حزب واحد بالرموز الوطنية واحتكاره لها، لأن القضية الوطنية-القومية حينها تتحوّل إلى قضية حزبية وتنقص وتتضاءل.

لكن عندما تعود القضية إلى جوهرها الحقيقي، أي إلى الأمة، آنذاك فالتوافق والوحدة ليسا ضعفًا، بل أعظم قوة. فالقوة الحقيقية لا تكمن في فرض الذات بالقوة، بل في إجماع واجتماع الجميع عليها بصدق.

الكوردايتية ليست مجرّد شعار لتوحيد الشعب، بل هي الركيزة الأساسية التي يجب أن تُبنى عليها السياسة.

الكوردايتية هي لغة هويتنا وتعرفتنا في العالم. عندما نعرف من نحن وماذا نريد، آنذاك يضطرّ الآخر على معاملتنا كما نحن، لا كما يريدنا أن نكون.

النقطة الأهم في رسالة الرئيس بارزاني هي أنه يُعلّمنا أن المناصب والرتب ليست ملكاً لأحد، بل هي مدخل وواجبٌ لخدمة الصورة الوطنية العظيمة.

ينبغي أن تقتصر الخلافات على اختلاف الآراء داخل البيت الكوردي، لا أن تتحول إلى حربٍ ومعركة حول دمار البيت.

باختصار، يُمثل هذا الخطاب انتقالًا من النضج السياسي إلى النضج الوطني. فهو يُعلمنا أنه يكفي أن نُعرّف أنفسنا كضحايا وقرابين، وأنه آن الأوان لنُعرّف أنفسنا كأصحاب قرار وإرادة. وتكمن قيمة هذا الخطاب في أنه يقول:

تعالوا معاً لنثبت للعالم من نحن بالأفعال، قبل أن نكتفي بالمطالبة بالحقوق فقط.

دعونا نُهيّئ ظروفنا وشروطنا بأنفسنا، ثم نجعلها بهدوء جزءًا من الواقع السياسي.

هذا هو الخطاب الذي يخدم الفهم الكوردي، وهي لغة تحرّرنا من ردود الأفعال وتجعلنا أصحاب هوية مستقلة متحرّرة.

مقالات ذات صلة