عام 1999، وعندما عاد عبد الله أوجلان-آبو إلى حضن دولته الأم-تركيا، وقّع معاهدة سرية مع كبار صناع القرار والدولة العميقة في تركيا، حول مغادرة الگريلا من حدود تركيا، وبناءً عليه، قرّر أوجلان تنفيذ بنود هذه المعاهدة المظلمة، فأصدر تعليماته لمقاتليه يأمرهم فيها بمغادرة حدود تركيا، كما عاهد الدولة التركية. ووفقاً للبيانات الرسمية لحزب العمال الكوردستاني بكك، فقد 928 مقاتلاً-گريلا حياتهم في طريق الموت أثناء رحلة الانسحاب المفاجئ وغير المخطّطة لها والتي بدأت في 2 آب 1999، واستسلم 350 منهم وما زال مصير نحو 100 آخرين مجهولاً.
منذ ذلك التأريخ وليومنا هذا، دخلت الحرب نفقاً مظلماً ومرحلة ضبابية مظلمة ومجهولة، بقيت العديد من التساؤلات دون إجابة، منها: لماذا قرّر حزب العمال الكوردستاني بكك استئناف الحرب في الأول من حزيران؟ علماً أن أوجلان فرض باراديغما جديدة على تنظيمه وقيادة الحزب وجماهيره… بعد عودته لتركيا منتصف شباط علم 1999، فبكك الذي كان يتغنّى بـ “كوردستان الكبرى” والتي تضمّ كافة أجزاء كوردستان الأربعة، انحرفت عن هذا المطلب العظيم، وقال هذه المرة بأنه لا يطالب بدولة مستقلة، وأنه لا يريد تقسيم حدود الدول المستعمرة لكوردستان! وبات ينظر إلى قيم المستعمرين المحتلين كقيم مشتركة، وطالب بدمقرطة دول الاحتلال وأخوة الشعوب! ولكن ومع وجود هذه الإيديولوجية اللينة والتي خلت من أي هدف… نرى أوجلان يخرج من جديد وبشكل مفاجئ يصدر قرار استئناف الحرب! وكما تزعم هذه التنظيمات أن سبب هذا الاختلاف بين الإيديولوجية والكفاح المسلح هو الباراديغما الجديدة!!
نعم، كان هذا هو الباراديغما الجديدة، ولم يبق هناك مبرّر أو ضرورة أو حاجة للحرب، لكنّ الدولة التركية كانت بحاجة إلى الحرب لأسباب داخلية وخارجية، لذا أعطى أوجلان الأمر الثاني، وقال: “لتبدأ الحرب من جديد”.
في 15 آب 2003، وبعلم الدولة وتعليماتها، أمر أوجلان محاميه محمود شاكار وعرفان دوندار وقال “دع العمال الكوردستاني بكك يبدأ القتال من جديد” لكنّ قيادة بكك لم تكن مستعدة لهذا الأمر.
ولإدانة تنظيمه وتجريمه، لم يلتق أوجلان محامييه، وحجب نفسه عنهم! وانشقّ الآلاف من مناضلي بكك والمئات من قادته بسبب أمر أوجلان هذا، لكن أوجلان لم يتردّد قط ولم يتراجع عن قراره، وأمر باستئناف القتال والحرب واضطر بكك إلى اتّخاذ قرار استئناف الحرب في الأول من حزيران/ يونيو عام 2004.
إن قرار الانسحاب في 2 آب وكذلك قرار الحرب في 1 حزيران كانا قرارين للدولة التركية، أرسل أوجلان هذا الأمر كوسيط لحزب العمال الكوردستاني بكك.
عدا المناطق الحدودية كـ زاگروس، بوتان إلى آمد انتشر الگريلا في مناطق گاارزان، ميردين، ديرسم، کۆچگری وسرحد.
تمركزت فرق الگريلا في تركيا في جبال البحر الأسود وبحر إيجه.
تحرّكت قوات الگريلا داخل حدود باكور كوردستان وتركيا لعشرة أعوام دون أي عوائق جدية من جانب الدولة، لكنّ الدولة التركية أرادت هذه المرة خروج الگريلا من تركيا والتمركز داخل حدود روجآفا وإقليم كوردستان، وبهذه الطريقة، سيتم تبرير العمليات العسكرية التي تقوم بها الدولة التركية خارج الحدود.
في باكور كوردستان، انخفض عدد الگريلا تدريجياً وتمت تصفيتهم بشكل تدريجي، وتمّ هذا بثلاثة طرق وأساليب مختلفة:
الطريقة الأولى: قبل عام 2014، تمّ إرسال الگريلا نحو روجآفا وإقليم كوردستان، وفي حرب 2014 في كوباني، تمّ جلب الگريلا من آمد وميردين وگارزان إلى حدود روجآفا-كوباني عن طريق ممرّ “أوجلان-البكك-المخابرات التركية بالسيارات، ولهذا قال أوجلان آنذاك بأن “عملية الاستخبارات التركية (MIT) أنقذت كوباني، أنا وهاكان فيدان (رئيس المخابرات التركية آنذاك) أنقذنا كوباني”.
الطريقة الثانية: في عام 2015، قام حزب العمال الكوردستاني بكك بإشراك قوات الگريلا المتبقية في آمد وگارزان وبوتان وميردين وبينغول وموش في حرب الخنادق، كان الگريلا يستقلون السيارات من لجي أمام أنظار الدولة ويدخلون مدينة آمد، ويديرون القتال في حرب الخنادق في سور آمد، لكن الدولة التزمت الصمت تجاه هذه الاستعدادات لبكك.
في النهاية انتهت حرب الخنادق بهزيمة كبيرة، تمّ تهجير 3 ملايين كوردي من المدن التي كان حزب العمال الكوردستاني بكك يسيطر عليها وتخضع هذه المدن لهيمنته، فقد ما يقرب من 3000 شاب كوردي حياتهم في هذه الحرب، كما تمّ تدمير 9 مدن كوردية تأريخية قديمة، ودخل الشعب والگريلا وسط فراغ كبير…
الطريقة الثالثة: بعد هاتين العمليتين، بدأت الدولة التركية بتصفية كافة قوات الگريلا في عمليات كبرى في الداخل وعلى الحدود، وبالأخص قادة الأيالات.
سقطت معسكرات ومواقع الگريلا طيلة 30 عاماً كـ گابار، آندوك، جودي، بستا، كاتو، باگوك ومونزر تحت سيطرة الدولة التركية.
خلال هذه العمليات، قتل إبراهيم شنگال والملقب باسمه الحركي “بدر الدين ترك” في آمانوس.
في البحر الأسود: قُتل “محمد ياكشر” زينل قارادنيز، و “بارش أونر” طارق دفرم.
في آمد: قُتل أكرم گوناي واسمه الحركي “آزاد سيسَر” و “هژار جليك” نومان باتمان.
في باتمان: قُتل إسحاق أوزجاكتو “أرهان گارزان، ونوزاد گوندوز “آزاد فارقين.
في ديرسم: قُتل إسماعيل آيدمير “باران ديرسم” وإبراهيم چوبان “أتاكان ماهر”.
في أرضروم: في عام 2018، قتل قائد الإيالة (مدني سايلگان) بانزر كمال.
في گارزان: قُتل (شريف ياكوت) علي بلنك.
في بوتان: قُتلت هوليا أروغلو (دلال آمد) و (حامية يالجنكايا) ليلى سورخوين.
وهكذا، أصبحت مقرّات ومعسكرات البكك لـ 30 عاماً الماضية في گابار، آندوك، جودي، بستا، كاتو ومونزر تحت سيطرة الدولة التركية.
في مناطق آمد وديرسم حيث كان هناك المئات من الگريلا لم يبق منهم فيها سوى 2 لـ 6 گريلا خلال عمليات التصفية الداخلية وسط الگريلا.
إلى جانب هذه العمليات الداخلية للدولة التركية، أطلقت الدولة عمليات على الحدود، ولم تسمح باجتياز الحدود فيما بعد.
بين عامي 2015 و2018، استولت الدولة التركية على جميع معسكرات ومواقع العمال الكوردستاني بكك على الحدود في باكور وأزالتها، انطلاقاً من خط سلوبي، قلبان، بيت الشباب، جولميرك، جلي، گڤر، شمزينان، أسندر، وباشكالاي شمالي الحدود.
نفّذت الدولة التركية برنامجها وخطتها، وطردت الگريلا من باكور كوردستان ونقلتهم إلى الجانب الآخر من الحدود، لتبدأ بعدها عمليات العدو على الجانب الآخر من الحدود، وهذه السلسلة من العمليات الجارية حالياً باسم المخلب إنّما هي نتيجة لهذه العمليات والتغييرات.