حسن قوال رشيد
اهتمت الصحف العراقية والكوردستانية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام والإعلام الإيزيدي على وجه الخصوص بعدة مواضيع تهم الشأن العراقي الداخلي وأبرزها موضوع جمع التواقيع في البرلمان العراقي وقيام أحد نواب كوتا الإيزيدية في البرلمان العراقي بتقديم طلب إلى رئاسة البرلمان لإعداد مشروع «قانون القومية الإيزيدية» والذي أصبح محلّ جدل لدى الكثيرين من أبناء الديانة الإيزيدية حيث هناك من يقول ها نحن ننتظر أكثر من عشرة أعوام من البرلمان العراقي للتصويت على اعتبار ما جرى للإيزيديين على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية هو إبادة جماعية وأيّد هذا المقترح عدة برلمانات عالمية إلا أن البرلمان العراقي رفض الاعتراف بها ولماذا يقوم البرلمان العراقي في هذه الفترة الحساسة وقبل شهر من عودة النازحين الإيزيديين إلى ديارهم من إثارة موضوع القومية لدى الأوسط الإيزيدية ونحن على علم يقيم بأن الموضوع هو موضوع سياسي صلب يريدون بها تجريد الإيزيديين عن كرديتهم وعن كوردستانهم الوطن؟
الانتماء القومي لا يتمّ من خلال التصويت في البرلمانات أو بقرارات مسيسة من رؤساء الجمهورية أو الحكومات ولا تشترى بالأموال ولا بالتهديدات المسلّحة، بل هو مثل شجرة غرست جذورها عميقاً في الأرض ولا يتمّ اقتلاعه إلا باقتلاع الجذور، فكيف إذا كانت هذه الجذور قوية ومتجذرة في أرض صلبة كأرض كوردستان؟ وقد تغذّت كل أغصانها من مياه العين البيضاء (كانيا سپی) وتربة أرض لالش المقدسة (البرات) منذ الاف السنين…
في عام 2010 أصدر المجلس الروحاني الإيزيدي بياناً رسمياً، دعا فيه الإيزيديين إلى المشاركة في التعداد العام للسكان في العراق وكذلك إثبات أصالتهم الكوردية من خلال تثبيت القومية الكوردية للإيزيديين، وكان للبيان الاثر التاريخي الكبير لدى عامة أبناء الديانة الإيزيدية، ولكي يدرك المتطفلون والبعثيون الشوفينيون أنّنا لن نغير قوميتنا وليس بمقدور أحد ان يتلاعب بمشاعرنا القومية والوطنية.
لقد أثبت الكورد الإيزيديون دائماً وأبداً بأنهم جزء لا يتجزأ من كوردستانهم وتمسكوا بأرضهم على الرغم من تعرّضهم إلى العديد من حملات الإبادة والمؤامرات الدنيئة، لقد وقف الإيزيديون مع حركات التحرّر الكوردستانية منذ نشأتها وقاوموا الحكومات الرجعية العراقية التي حاولت إقصاء وتهميش الإيزيديين خاصة والكورد عامة، وعلى الرغم من كلّ هذا وذاك ظلّ الإيزيديون متمسكون بأرضهم ووطنهم كوردستان وتحمّلوا كلّ شيء في سبيل البقاء.
ففي عام 1975 أي بعد فشل ثورة أيلول أي بعد الاتفاقية المشؤومة التي وقعت بين شاه إيران وصدام حسين في الجزائر قام النظام البعثي بترحيل وتهجير الإيزيدية من قراهم بسبب مواقفهم البطولية مع الثوار البيشمركه ومساندتهم للحركة التحرّرية الكوردستانية بقيادة المرحوم ملا مصطفى بارزاني، وتمّ إسكان العرب في قرى الإيزيدية وتمّ ترحيل الإيزيديين إلى صحراء عراء لا ماء ولاسكن وتمّت مصادرة الأراضي الزراعية، ولم يبق للإيزيدية مصدر رزق يعيلون بها عوائلهم الكريمة حيث كانت الزراعة مصدر الرزق الوحيد لديهم، وبعد فترة قصيرة من الترحيل قام المجرم عزة ابراهيم الدوري بزيارة إلى مجمع مهد حيث كان حينها وزيراً للداخلية وقال للحضور الجماهيري “بدلاً من الوقوف على الشوارع أنا راح أشغلكم خوش شغل“ وحينها سأله أحد وجهاء مهد سيدي بالنسبة لأراضينا وبيوتنا المصادرة هل هناك ثمة أمل بإعادتها إلينا؟ حيث ردّ عليه الدوري “حقكم بجيب الملا مصطفى أما أراضيكم وبيوتكم اشترينا بها سلاح ورصاص وقاومنا بها العصاة“ وبعدها بدأ بتسجيل الأسماء من أجل تشغيلهم وتمّ تعين قسم من الإيزيدية في بلدية الموصل كمنظفين شوارع في مدينة الموصل وتعيين القسم الآخر من المعوقين وكبار السن كـ (فراشين في المدارس) أو لتنظيف وترتيب حدائق مدينة الموصل حيث كان الغرض من هذا التعيين إهانة الإيزيديين وإذلالهم ولكي يقول لأهل الموصل أولئك البيشمركه الأبطال أصبحوا اليوم خدم لديكم، بعد التعيين منهم لم يلتزم بهذا العمل وتركه، وكانت الشرطة لهم بالمرصاد وتبحث عنهم حالهم حال المجرمين، وتحضرهم إلى عملهم ومن يترك العمل كان نصيبه السجن، وبهذا العمل المشين حول البعث الإنسان الإيزيدي من إنسان منتج إلى إنسان مستهلك بحيث كانت منطقة الشيخان من أهم المناطق الانتاجية في محافظة نينوى فكان الفلاحون يزرعون محاصيل الحنطة والشعير والحمص والعدس ويصدرونها إلى أسواق الموصل وبعدها لم يستطع الإيزيدي أن يترك مهنة الزراعة فقاموا بتأجير أراضيهم الزراعية من العرب وزراعتها بالنصف أو بالإيجار، ورأينا المرّ على ايدهم لفترة أكثر من 28 عاماً.
الآن وبعد كلّ هذه المعاناة يحاول أشخاص لا يمتون إلى الإيزيدياتي بصلة إعادتهم إلى حضن العرب الشوفينيين أولئك اللذين مصوا من دمائنا طوال ثلاثة عقود، فأنا أقول لهم: بإمكانكم أن تغيروا دينكم ولكن ليس بإمكانكم أن تغيروا قوميتكم. وكما نرى عندما دخلت الفتوحات الإسلامية على المنطقة ودخل العديد من الشعوب والقبائل إلى الدين الإسلامي لكنّهم بقوا محتفظين بقوميتهم كالكورد والترك والفرس وغيرهم لذا أقول لهؤلاء الأقزام إن الكوردية هي لغتنا وقوميتنا وكوردستان هي موطننا الأبدي التي لا بديل لنا عنه.
إن الإيزيديين ليست لديهم أية مشكلة مع القومية، فقوميتنا معروفة لدى القاصي والداني، ولكنّنا مهمشون من بعض النواحي الأخرى، فأصبح مصير الإيزيدية بيد أناس لا يمتون للإيزيدية بصلة، فكان لهم الدور البارز في تشتيت الشارع الإيزيدي وإبعاد الإيزيديين عن قوميتهم وعن أحزابهم السياسية نتيجة للسياسات الخاطئة التي اتبعها أولئك المسؤولون خاصة بعد حربنا مع تنظيم داعش الإرهابي، إن القيادي الناجح هو الذي يستطيع أن يكسب مودة الناس ويقلّل من العداء بين الجماهير ويحاول الاقتراب من الجماهير ويحمل همومهم وتطلعاتهم وكلّما كثر أخطاء المسؤولين كلّما ازداد أعداء القومية.
وأخيرا أدعوا الإيزيديين على عدم القبول بالمساس بقوميتهم من جهات نصبت نفسها ممثلاً عن الإيزيديين والوقوف على هذا الأمر الخطير وتداعياته السلبية لنا وخاصة أنها ستفكّك المجتمع الإيزيدي ويقسّمه إلى عدة جهات وهذا ما يتمناه أعداء الإيزيدية، وكما سنفقد أصدقائنا أننا اليوم بحاجة إلى التلاحم ووحدة الكلمة وبناء شنگال وإعادة الحياة إليها بعد أكثر من عشرة سنوات من النزوح، ولأن المجتمع الإيزيدي أصبح منقسماً أكثر من أي وقت مضى وعلينا أن نعمل يداً بيد من أجل الاستمرارية وبناء الفرد الإيزيدي.