الكارثة الكبرى للكورد ليست الحرائق… بل انعدام الدولة…

المأساة التي وقعت إثر الحرائق التي اندلعت بين آمد وميردين والتي تضرّرت على إثرها عشرات القرى أحرقت قلوبنا كذلك، فقد حتى الآن 12 شخصًا حياتهم، وتضرّرت عشرات القرى وآلاف الأفدنة من الأراضي والغابات، تمّ حرق آلاف الحيوانات، يئن أطفال الكورد وخرفانهم ومواشيهم المحترقة ويعانون معًا على أرض الكورد، يعيش المرء حالة يأس لدرجة أنه لا يريد أن يشاهد هذه المشاهد المأساوية لهذه النيران الملتهبة، بل يأمل أن ينسى ما رآه.

الجميع ينتقد ويقول: “الدولة لم تتدخّل في الوقت المناسب للسيطرة على الحريق، هذا تقصير وإهمال من جانب الدولة” فهل يُعقل شيءٌ كهذا؟ هل يجوز للمقتول جنائياً أن يشكو من قاتله؟ أن يقول عن عدوه: “لماذا لم يأخذني إلى الطبيب؟ لا يمكننا أن ننتقد قاتلنا لأنه هو قاتلنا بنفسه. الدولة التركية لن تخمد الحريق فهي محتلّة لأرضك، وواجبها يتجسّد في حرق أملاكك وممتلكاتك وحياتك كلّها. سوف تحرق بلدك وتحولها إلى رماد لتبني عليها قوتها الاستعمارية وسلطتها المحتلّة.

ينتقد غالبية الكورد المتعلمين والمثقفين في باكور كوردستان، الذين عانوا من الاستعمار والاحتلال التركي على مدى المائة عام الماضية، ينتقدون الدولة باعتبارهم شعباً متساوياً وحراً في الدولة التركية! أبي أخي أمي أختي الأعزاء… هذه ليست دولتكم، هذه الدولة مستعمرة محتلّة لأرضكم ومدمرة لبلدكم، وقال حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) في بيان إن “التدخل في إحماد الحريق كان متأخراً للغاية!” يا للأسف الشديد أن يوجد هناك حزب بهذا المستوى المتدني من الوعي!!

أحمد ترك هو أقدم سياسي في باكور كوردستان، كان زعيم حزب، وعضوًا في البرلمان، كان والده وأجداده جميعهم من الأغوات والنبلاء، وهو الآن أيضاً رجل أعمال ثري وغني، وهو في نفس الوقت رئيس بلدية ميردين، لكنّه جالسٌ على صخرة يشاهد الوضع الراهن من بعيد دون إرادة، يشاهد المنظر وسط يأس وخيبة لا توصف، أحمد ترك وبعدما بلغ الـ 80 من عمره أدرك أنه بغض النظر عما يفعله الكورد فإن الجمهورية التركية ليست دولتهم وليست جمهوريتهم… وهو يختنق في هذا الجوّ الميؤوس والمخيب المظلم…

نعم، الكورد هم أفقر شعوب الشرق الأوسط الذين يئنّون تحت وطأة اضطهاد المستعمرين المحتلين وأشدّهم بؤساً، وجذور جميع مشاكلنا ومآسينا يعود السبب الرئيسي من ورائها إلى انعدام الدولة، وما يحرّق موطن الكورد وديارهم كلّ يوم ليست النار بل انعدام الدولة، ومن وافق على المقولة القائلة بأن الدولة سيئة وشرّ وأن الحياة بدون دولة هي تحرّر وخلاص… فاعلم أنه شريك للعدو. السبب الرئيسي وراء خيبة أمل وبؤس باكور كوردستان اليوم هو انعدام الدولة، والأسوأ من ذلك أنهم يرون أن الدولة التركية هي دولتهم! نعم، اختار كورد باكور كوردستان التتريك واللادولتية كحلّ لهم! لكن هذا ليس جرم الكورد في باكور كوردستان وفكرتهم بل هي من بنات أفكار الملعون أوجلان التي زرعتها في أدمغتهم وعقولهم!

فعلى مدى 25 عاماً، يحاول أوجلان وحزبه حزب العمال الكوردستاني بكك إقناع باكور كوردستان بأن “انعدام الدولة-اللادولتية هو الحرية، وأن التتريك-الهوية التركية هي أعظم حرية” لكن أفكار أوجلان هذه احترقت من جديد في الحرائق التي التهمت غابات ميردين وآمد وأصبحت رماداً، والحقَ هو أنكم إن لم تكونوا أصحاب دولة فلن تكونوا شيئاً يُذكر في هذا النظام السياسي العالمي المتشعب، حتى لو كانت دولتكم سيئة ورديئة فهي أفضل ملايين المرات من انعدامها، إن إضفاء الطابع الديمقراطي على دولتكم-دمقرطة دولتكم أسهل ألف مرة من دمقرطة دولة الاحتلال. وأولئك الذين يملكون الدولة متقدمون دائمًا بخطوة على أولئك الذين ليست لديهم دولة، فدولتكم مهما كانت صغيرة فهي ضمان حياتكم ومستقبلكم…

في مارس/ آذار العام الجاري، اجتاحت الفيضانات محافظة دهوك بإقليم كوردستان، ألحقت هذه الفيضانات أضرار مادية كبيرة بآلاف المنازل وسط المحافظة، إذ غمرت المياه عشرات المنازل وجرفت عشرات السيارات، الطبيعة ضربت دهوك بكارثة عظيمة.. لكن هل تعلمون ماذا حدث في وقت قصير؟ أوعز الرئيس بارزاني على الفور إلى بيشمركة گولان للخدمة ووجّههم لإنقاذ دهوك، توجّه نحو 300 من البيشمركة إلى المدينة، وانتقلوا من منزل إلى منزل ومن شارع إلى شارع لمساعدة الناس. قاموا بتنظيف منازل وشوارع المدينة. كما قام محافظ دهوك علي تتر بجمع أثرياء المدينة ونزلوا لشوارع المدينة، وقاموا بتنظيف المدينة. ونتيجة لذلك، وبعد أقل من أسبوع من الكارثة التي تركتها الفيضانات وراءها، حصلت أكثر من 110 عائلات من المتضرّرين من الفيضانات والتي دمّرت منازلها بسببها على منازل جديدة و5000 دولار كتعويض لكلّ منها، علماً أن إقليم كوردستان ليس دولة مستقلة، لكنه وبفرصه المحدودة هذه سارع إلى نجدة أبنائه وشعبه لأنهم أهله وشعبه وأرضه… وهذا وحده يزيح أفكار اللادولتية وأيديولوجية انعدام الدولة والهوية التي أزخر وملأ بها أوجلان عشرات الصفحات والكلمات الفلسفية، نعم هذا الموقف وحده يكفل القضاء على هذه الأفكار الهدامة، فانعدام الدولة هو أعظم دمار.

إن حزب العمال الكوردستاني بكك الذي يهاجم إقليم كوردستان كلّ يوم لا يرى حقيقة حرية إقليم كوردستان ويحسدها، يدافع العمال الكوردستاني بكك عن “وحدة إيران في روجهلات، ووحدة العراق في الجنوب-إقليم كوردستان، ووحدة تركيا في باكور، ووحدة سوريا في روجآفا كوردستان” ويحميها، وهذه الفكرة هي ما تجرّ الشعب الكوردي إلى الزوال والدمار والانتحار.

ستقولون إنكم مجدّداً ربطتم القضية بحزب العمال الكوردستاني بكك، للأسف، لكنّ الحقيقة هي أنك إذا ذهبت إلى الطبيب، فأنت بحاجة ماسة إلى معرفة مصدر وسبب مرضك ووجعك حتى يتمكن الطبيب من علاجك، أليس كذلك؟ وهناك ألم كبير ومرض خطير في الجسد الكوردي يسمى انعدام الدولة-اللادولتية، ومن يرى الحلّ والحرية والتحرّر في انعدام الدولة فهم يعانون من مرض السرطان، أمّا من يريد تضميد جراح الكورد وتحسين اقتصادهم وتحسين ظروفهم المعيشية وإنقاذه من كافة أشكال الكوارث والمآسي كالفيضانات وبأقلّ الأضرار والخسائر… عليه أولاً أن يتخلّص ويتحرّر من مرض انعدام الدولة هذا.

نعم، إن انعدام الدولة هو كبرى الكوارث النظرية، ومن سوء الحظّ يواجه الكورد هذه الكارثة والمأساة وجهاً لوجه، وما لم نتخلّى عن جميع أنواع الاستعمار والاحتلال، وما لم نتّحد حول الأفكار الكوردستانية فلن نستطيع مواجهة هذه الكوارث التي تستهدف وطننا في الصميم، دعونا لا نضيّع ولا نبدّد آمالنا، آنذاك سنزيح عن عاتقنا هذه المأساة، أتمنى أن يكون الشعب الكوردي وخاصة عوائل الضحايا بصحة جيدة…

مقالات ذات صلة