يتصدّر الصراع والقتال الدائر اليوم بين القوات المسلّحة التركية وحزب العمال الكوردستاني بكك داخل أراضي إقليم كوردستان مشهد الأحداث الرئيسية لدى الكورد، وعلى الرغم من أن هذه المواجهات والاشتباكات تجري بشكل عام على خط برواري-متينا-آميديي، إلا أن القوات المسلّحة التركية عبرت الحدود بين باكور وباشور-إقليم كوردستان بين حفتنين-خواكورك وأنشأت قواعدها على بعد 60-80 كم على الأقل في عمق أراضي إقليم كوردستان.
وللأسف الشديد، لا توجد بوادر وضع مستقر آمن لا من حيث الأخبار اليومية ولا من حيث النتائج طويلة المدى، فالتلاعب والتضليل وتحريف الحقائق والمعلومات والأخبار مستمر بلا توقّف، بحيث يمكننا الجزم أن الصراع والحرب بين حزب العمال الكوردستاني بكك والجيش التركي تدور رحاها بل في الصحافة والإعلام وليست في ساحات المعارك.
والدولة التركية أكثر صمتاً بشأن هذه القضية من حزب العمال الكوردستاني بكك، فلديها موقف واحد فقط ألا وهو إضفاء الشرعية على عملياتها العسكرية، بينما الوضع مختلف تماماً لدى حزب العمال الكوردستاني بكك، فهو يحاول جاهداً كسب الحرب بصواريخه في استوديوهات التلفزيون في بلجيكا ومؤسّسات ووكالات الأنباء في السليمانية ومنصة إكس (X).
هناك هدفان لوسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني بكك، هما: أحدهما: تضليل الراي العام بحيث يصدق ويقتنع أن المعارك التي تندلع على خط متينا-آميديي هي معارك النصر. والثاني هو تأليب الرأي العام الكوردي ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ولا وجود لهدف تدمير الدولة التركية والقضاء عليها في أجندات وبرنامج وجدول أعمال حزب العمال الكوردستاني بكك على الإطلاق، ولتحقيق هذه الأهداف، فإن حزب العمال الكوردستاني بكك لا يأخذ في الاعتبار أي قيم وطنية وثقافية وأخلاقية، ولا يدّخر جهداً في نشر الأكاذيب والافتراءات لخلق الفتن والعداوة…
فمن ناحية، تحاول إشعال فتيل حماسة جمهورها ومؤيّديها وتشويقهم بنشر لقطات أنشطة وعمليات الگريلا وتدمير الطائرات المسيّرة-طائرات الاستطلاع لأهدافها… وما إلى ذلك، فتُبدي أن هناك معارك وطيسة واشتباكات عنيفة تدور رحاها هناك! بالإضافة إلى ذلك، فإنها تخلق أجواءً وكأن قوات بيشمركة كوردستان تتعاون مع القوات المسلّحة التركية بل وتتقدّم أمامها نحو مناطق الحرب!! وهذا عار عن الصحة تماماً، وهي بهذا تدير حملة عدوانية مليئة بالأكاذيب والافتراءات ينبغي التصدّي لها وفضحها…
ولكن بغض النظر عن تضليلك وخداعك للرأي العام والجمهور، وبغض النظر عن مقدار الدعاية التي تقوم بها، فهناك بعض النتائج الحقيقية في الحرب تظهر بوضوح للجميع، وسنرى جميعا ما سيحدث في النهاية.
لكنّنا نقول الآن إن تكتيك حرب الأنفاق الذي يتبعه حزب العمال الكوردستاني بكك ليس تكتيكاً للنصر. بل أنفاق الحرب تلك هي فقط للاختباء والحماية. ولن تختلف نتائج حرب الأنفاق هذه عن النتائج الكارثية لحرب الخنادق-الأنفاق لإبادة شعب باكور كوردستان خلال أعوام (2014-2016) لأنه في هذا الصراع، كلّ ما بقي في أيدي حزب العمال الكوردستاني بكك هو الأنفاق فقط لا غير.
هل يستطيع حزب العمال الكوردستاني بكك تدمير الدولة التركية في أنفاق تلة بهار؟!
ما جعل قرى سركلي-كوهرزي-برجي-بلافه تتصدر مشهد الأحداث هو المواجهات المريبة والمثيرة للشكوك في تلة بهار، فهناك أنظمة حماية لحزب العمال الكوردستاني بكك في تلك التلة منذ عام 2005، وسنتحدّث عن تأريخ أنفاق تلة بهار في مقال آخر، أمّا الآن، فسنعود لموضوعنا الرئيسي ألا وهو: هل بالإمكان تحقيق الانتصار وهزيمة الدولة التركية في الأنفاق؟!
لحزب العمال الكوردستاني بكك تأريخ طويل في تلة بهار، فمنذ عام 2005، تمّ بناء أنظمة أنفاق ومتاهات تحت الأرض، ومنذ عام 2023، تمركزت وانتشرت القوات الخاصة في هذه المنطقة، وقام حزب العمال الكوردستاني ببناء نظام كاميرا تقني جيد حول النفق-مداخل الأنفاق، بمعنى أنه أحد أقوى الأنفاق في منطقة عمليات العمال الكوردستاني بكك، ومن المرجّح والمرتقب أن حزب العمال الكوردستاني يخطّط للبقاء في هذه الأنفاق لفترة طويلة ويديم صراعه ويدير مقاومة عظيمة هناك.
فيا تُرى: هل يمكن لهذا النفق أن يغيّر مصير المواجهات والقتال والكورد بشكل عام؟! كلا أبداً، فرغم الدعاية المتواصلة على الصحافة والإعلام، فالحقيقة هي أنه تمّ تدمير تكتيكات الأنفاق التي يستخدمها حزب العمال الكوردستاني بكك، لأن هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها اختبار نظام الأنفاق، فالعمال الكوردستاني بكك كان في الأنفاق في كاتو وژيركا بباكور كوردستان كان تلك الأنفاق كانت أعمق وأطول وأكثر تعقيداً بعشرات المرات من نفق تلة بهار، لكن الدولة التركية قامت بإغلاق باب النفق وطمسه بالكونكريت، ولا أحد يعرف كم عدد شباب الكورد الذين بقوا في هذه الأنفاق والمتاهات في باطن الأرض وهم ما زالوا أحياء؟!!
كما قام حزب العمال الكوردستاني بكك أيضاً ببناء نفق استراتيجي في ورخلي، فانشغلت الدولة التركية بهذا النفق صيفاً واحداً، فدمّره، بمعنى، أن حزب العمال الكوردستاني بكك يريد إعادة تجربة تكتيك حرب الأنفاق في تلة بهار تلك التجربة التي سبقت لها الفشل وكتبت لها الهزيمة، وإعادة تراجيديا ترك جثث شباب الكورد فيها لغرض إثارة المقاومة وتلهيبها، علماً أن هذا لن يغيّر من مصير الحرب أبداً، نعم قد تضيّق أنفاق حماس الخناق على الجيش الإسرائيلي لأنها تقع تحت المدينة وتقع تحت المباني السكنية للمدنيين، لكنّ أنفاق حزب العمال الكوردستاني بكك تقع عند سفح الجبال حيث لا يعيش أي مدني، وهذا لن يضرّ الدولة التركية. كما تمّ تدمير حماس أيضاً في الأنفاق، فالأنفاق هي مقابر معدة لشباب الكورد.
الحرب على خط آميدي-ديرلوك ليست حرباً لتدمير الدولة التركية، بل هي حرب لحماية الأنفاق!
على خطّ آميديي-ديرلوك، لا يزال القتال والاشتباكات مستمرة بين الجيش التركي من جهة ووحدات صغيرة من مقاتلي العمال الكوردستاني بكك المتواجد على مدخل النفق أو بالقرب منه تحاول حماية النفق، بمعنى أن هذا القتال والاشتباكات ليس لطرد الجيش التركي من الإقليم، ولا لتحرير زاب وحفتنين وقمة كيسته، بل هي مجرّد اشتباكات لحماية نفق تلة بهار والأنفاق المجاورة، استخدم حزب العمال الكوردستاني بكك المدنيين في قرى كوهرزي وسركلي وبرجي كدروع بشرية حية لحماية هذا النفق، ويتمّ التضحية بعشرات الگريلا-مقاتلي بكك ويتمّ حرق آلاف الأشجار ومئات الأفدنة من الأراضي الزراعية وحقول القرويين وغابات كوردستان لهذا الهدف، بمعنى آخر، يتمّ التضحية بمنطقة أميديي بجبالها وغاباتها وكهوفها وأشجارها ومجتمعاتها وعموم طبيعتها من أجل نفق تلة بهار!
يجب على الجميع أن يعرفوا هذه الحقيقة، الأنفاق ليست ساحات معارك وجبهات قتال من أجل تحقيق النصر. لا أحد يستطيع تدمير الدولة التركية والقضاء عليها في الأنفاق. حيث يوجد في النفق ما بين 20-30 گريلا، والدولة تقف في مدخل النفق وتقاتلهم داخل النفق وخارجه! فحتى لو قاتل حزب العمال الكوردستاني الدولة التركية في نفق تلة بهار لمدة خمس سنوات فلن يلحقها ضرراً قدر رأس دبوس! ولن ينجح ولن يحقّق أي انتصار على الدولة التركية، نعم، دولة الاحتلال التركي لن تخسر شيئاً. ما دام لا يُسمع صوت القنابل في إسطنبول، والحياة طبيعية في أنقرة، ولا تُطلق رصاصة واحدة في آمد!
فحتى لو مات 5 جنود أتراك كلّ يوم خارج حدودها فماذا ستخسر تركيا؟ لا شيء، فخلال عام 2023 مات 1992 شخصًا في حوادث العمل في تركيا، بينما مات أقلّ من 1000 جندي تركي في عملية (المخلب-القفل) والتي أطلقتها الدولة التركية منذ ما يقرب 5 سنوات! نعم، قد تتأثر تركيا اقتصاديا فقط خلال هذه الحرب دون أن تتعرّض لأية أضرار أخرى، لكنّها أصدرت حربها إلى عموم كوردستان لتحقيق أجنداتها، لكن الوضع ليس هو نفسه بالنسبة للكورد على الإطلاق.
الكورد يخسرون ظروفاً تاريخية، يخسرون ويفقدون جغرافيتهم، يفقدون ويخسرون شبابهم…
هل سيختلف مصير أنفاق تلة بهار عن مصير خنادق-أنفاق الجزيرة؟
العملية تتطوّر وتتقدم كحرب الأنفاق عام 2015، الجميع كانوا يعلمون جيداً أن نهاية حرب الأنفاق ستكون كارثة عسكرية واجتماعية. في المدن، كان حفر الأنفاق والخنادق محكوم عليه بالفشل. هجم العدو بكلّ قوته ووحشيته ووقعت مآسي وكوارث ومجازر عظيمة، لكن ماذا فعل حزب العمال الكوردستاني بكك؟! كان ينشر بشكل يومي صوراً وفيديوهات للشباب والشابات الجميلات في الخنادق والأنفاق! وكان يتمّ تسجيل ذلك كانتصار على وسائل التواصل الاجتماعي! كان يقول إن وحدات حماية المدنيين (YPS) هكذا تقاتل العساكر الأتراك وبهذا الأسلوب تقاوم! تركوا هؤلاء الشباب في أنفاق الموت لمواجهة مصيرهم المحتوم، النتيجة كانت دفنهم في هذه الأنفاق والخنادق والمتاهات وحرقهم وهم أحياء! ودمّرت مدن كوردستان بأحلامها وآمالها…
واليوم، تتمّ إعادة نفس السيناريو في تلة بهار وخطّ متينا-آميديي، فجماعة من الگريلا في هذه المنطقة، يشتغلون في المؤسّسة الإعلامية لحزب العمال الكوردستاني بكك في بلجيكا، في أوروبا، في مخمور… إلخ، أمثال آمد دجلة وآدم كاراجوبان، يصنعون برامج حول هذه الصراعات والاشتباكات على القنوات التلفزيونية على موقع يوتيوب ويكسبون من ورائها الأموال، لكن من يعيشون هذا الجحيم ويتكبّدون هذه الخسائر والاضرار هم القرويون. أهالي مناطق نهيلي ونيروه وبرواري وريكاني وزيباري…
كانت بسي هوزات مسؤولة عن القتال وحرب الخنادق-الأنفاق لحزب العمال الكوردستاني بكك، وهي من أصدرت قرار عدم السماح لشباب الجزيرة بالخروج من تحت الأرض. فتمّ حرق هؤلاء الشباب وهم أحياء، وعندما كانت ألسنة الدخان تتطاير من جثثهم وأجسادهم… كانت بسي هوزات تقول بكلّ وقاحة وحقارة: “الجزيرة لم تحني رأسها، حقّقت الانتصار” ويتكرّر اليوم نفس السيناريو في الأنفاق والمتاهات التي حفرها حزب العمال الكوردستاني بكك لدفن شباب الكورد، فمؤسّسات بكك الإعلامية وصحافة التنظيم في السليمانية وصحافته الأوروبية وغيرها تقوم بحملة دعائية قذرة على حساب الجثث المحترقة لهؤلاء الشباب والشابات، فالعمال الكوردستاني يقتات على الدماء والجثث والشعارات…
يحفر حزب العمال الكوردستاني بكك هذه الأنفاق والمتاهات في الجبال وفق أجندات سرية خفية ومظلمة ولقتل شباب الجبال كما قتلوا شباب الكورد في حرب الأنفاق-الخنادق، لا يريد المرء أن يكتب، لكن يقال إن ستة مقاتلين گريلا على الأقل بينهم (امرأتان) استسلموا للجيش التركي في متينا لغاية اليوم، لا نريد أن نقول إنهم استسلموا، لأنه ليس خطأ وجرم هؤلاء الشباب، بل هو جريمة قيادة حزب العمال الكوردستاني بكك التي جعلتهم محكومين لهذا الموقف والمصير، لم يستسلموا، بل دفعهم ووجّههم حزب العمال الكوردستاني بكك إلى أحضان العدو، ولو نظرنا لراينا أنه ومنذ عام 2000، تمّت التضحية بثلاثة أجيال متعاقبة من شباب الكورد من أجل دمقرطة تركيا.
الأدمغة والذهنية التي دفنت الشباب في باكور كوردستان في الخنادق هي نفس الذهنية والأدمغة التي دفنت شباب الكورد في أنفاق الموت في باشور كوردستان-إقليم كوردستان، لم يتمّ إرسال هؤلاء الشباب إلى حرب من أجل القضاء على الدولة التركية وتدميرها، كان أحد أسباب وفاة هؤلاء الشبان هو الأجندات السرية والمخفية والمظلمة لحزب العمال الكوردستاني بكك واقتياته على الجثث لتحفيز جماهيره وإلهاب حماسه، بمعنى آخر، خنادق باكور كوردستان تحوّلت إلى أنفاق الموت في إقليم كوردستان واستبدلت بها، فالعمال الكوردستاني بكك ضحّى بشباب الكورد في المدن في الخنادق وها هو اليوم يضحّي بهم في الجبال في أنفاق الموت!
فالكوردي الفاضل والخيّر ليس من يدعم ويؤيّد ويشجّع هذه اللعبة المسماة بمقاومة الأنفاق بحسن نية وعن مشاعر وأحاسيس، بل على العكس تماماً، عندما يرى شباب الكورد يموتون في هذه الأنفاق ويتمّ إبادتهم فيها وارتكاب مجازر بحقّهم… عليه أن يقف بوجه حزب العمال الكوردستاني بكك ويقول له: كفى… جعلت من حياتنا جحيماً…