بقلم… عبد اللطيف محمد أمين موسى
لعلّ جملة من التساؤلات تراود مخيلة المتتبع الكريم للشأن السوري في العموم والكوردي على وجه الخصوص عن التصريحات المتعلقة بالتوقيت المحتمل في إمكانية انطلاق جولة جديدة من الحوار الكوردي-الكوردي الساعي إلى أيجاد حلّ للقضية الكوردية في سوريا، أو توحيد الجبهة الداخلية على كافة الأصعدة وفي كلّ المجالات لإدارة المنطقة الكوردية في سوريا، أو الخروج بموقف سياسي موحّد لمواجهة الاستحقاقات والتطورات المتسارعة والمصيرية التي تواجه المنطقة الكوردية في سوريا.
جملة التساؤلات تلك تقودنا إلى الاستفهام عن توقيت انطلاق أو دعم ورعاية مسائلة هذا الحوار، وما الدافع الأساسي من وراء اطلاق هذه التصريحات بشأن الحوار؟ ومدى إمكانية إعادة انطلاق جولات اللقاء بشان مواصلة هذا الحوار؟ أو ومدى توافر الفرص على أرض الواقع لإمكانية انعقاد هذه الجولات ومدى توافر الأرضية والمناخ الإيجابي المحلي والإقليمي والدولي لإنجاحه؟ والسؤال الأهم: هل نجاح هذا الحوار يخدم الشعب الكوردي وقضيته المشروعة في سوريا؟ أم هو حوار من أجل خدمة المشاريع الدولية والإقليمية والتي ستجعل الشعب الكوردي رهينة هذه المشاريع وستجعل من قضية هذا الشعب وقود صراع المصالح وأمراء الحروب في المنطقة أم الترويج لانطلاق هذا الحوار في هذا التوقيت من أجل كسب الوقت لتخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية عن جهة متحكمة وتقود القرار ومصير الشعب الكوردي في سوريا إلى المجهول أم تحاول من خلال هذه الحركات والترويج والبروباغندا الموجهة والمدلجة إضفاء الشرعية على مشاريعها وأفعالها، وكما بذلك تحاول أن تجعل من الشعب الكوردي برمته في سوريا شريك سياسته وبذلك لتضفي الشرعية على إدارتها وتشرعن مصادرتها للقرار الكوردي أمام دول المنطقة أم هي عملية التوائية للتخلّص من الضغوط والتهديدات الإقليمية والخارجية أم هي محاولة لإخفاء الفشل والعجر الداخلي والخارجي في ظلّ عجزها وفشلها عن تأمين أبسط مقومات الحياة للشعب تحت هيمنتها من فشل إداري وفساد اقتصادي وعدم القدرة عن معالجة مشكلات الهجرة والتغيير الديمغرافي؟
كلّ هذه التساؤلات تستوجب منا الوقوف ملياً والتمعن في التحليل المستند إلى سرد الواقع والظروف التي تمرّ بها المنقطة وكوردستان سورية للسعي في محاولة الخروج ببعض الإجابات عن الحقيقة الكامنة وراء هذه التساؤلات المشروعة التي تنم عن السعي وراء الحقيقة البعيدة عن السياسية وفنونها.
إن بدايات انطلاق الحوار الكوردي-الكوردي بدأت برعاية ودعم من المرجع الكوردستاني المتمثّل بالرئيس مسعود بارزاني منطلقاً من حسّه القومي في دعم الشعب الكوردي في أجزاء كوردستان كافة، وهذا الدعم الذي قطع مراحل مهمة من فرص إنجاح هذا الحوار المتمثل في اتفاقيات هولير ودهوك وتنصل بعض الجهات منه بضغوط إقليمية أفقده عاملاً مهماً وهو دعم ورعاية المرجع الكوردستاني، وكذلك رعاية الأمريكان التي تنصلت منها نفس الجهة الكوردية بضغوط من الجهة الإقليمية نفسها التي لا تخفي دعمها وإدارتها المباشرة في كوردستان سوريا عبر ما تسمى الكوادر على الأرض، وهذا الأمر أيضاَ أفقد الحوار عاملاً هاماً وهو رعاية الأمريكان أو عدم جدية هذه الرعاية، أما الرعاية الثالثة فهي لمظلوم عبدي الذي أثبت الواقع والظروف بأن هنالك جهات متنفذة أكثر وهي تدير ملف كوردستان سوريا أو ما تسمى الإدارة الذاتية، هذه الجهات الإقليمية المتنفذة هي أكثر نفوذاً منه، وهذا الأمر الذي لم يعلنه ولكن كافة الظروف والمراحل التي مرّ بها هذا الحوار توحي به بأن الحقيقة التي أريد أن أعبر عنها هنا في ظلّ التنصل من رعاية المرجع الكوردستاني والأمريكان فسيبقى هذا الحوار ناقصاً وفرص انعقاده ونجاحه وتحقيق خطوات ملموسة على أرض الواقع غير مهمة في ظلّ عدم وجود رعاية مباشرة، غير ذلك سيبقى الحوار من أجل الحوار فقط.
الأمر الأخر الذي أعاد مسائلة إعادة انطلاق الحوار الكوردي-الكوردي برأيي في هذا التوقيت هو الحديث عن التطبيع السوري-التركي بقيادة ورعاية وضغط مباشر من روسيا وشخص الرئيس بوتين، وفي ظلّ تقدّم ونجاح هذا التطبيع بالتأكيد مسؤولو ما تسمى الإدارة الذاتية يبحثون عن بدائل لمصير هذه الإدارة، فهم يرون بأن أفضل الحلول بالنسبة لهم هي توسيع هذه الإدارة بإشراك أطراف أخرى فيها لقطع الطريق أمام مصير تلك الإدارة في ظلّ نجاح عملية التطبيع السوري-التركي، وكذلك الأمر الأخر الذي يعيد توقيت انطلاق الحوار الكوردي-الكوردي المأزق الذي وضعه مسؤولو ما تسمى الإدارة الذاتية نفسهم فيه في ظلّ تجاهل كلّ الدعوات لعدم إجراء انتخاباتهم للمجالس البلدية والتي هدّدت تركيا ودمشق وحتى حليفتهم العسكرية أمريكا من عواقب إجراءها، ولعلّ مسائلة الحوار وانطلاقه ستعطي فسحة وقت لهم للخروج من هذا المأزق، وكما أن هنالك العديد من الظروف والمستجدات تدفع بمسؤولي ما تسمى الإدارة الذاتية في سوريا إلى التحدث عن إطلاق توقيت الحوار الكوردي-الكوردي، منها الانتخابات الأمريكية والاستلام المحتمل لترامب المعروف بصداقته لأردوغان للحكم في أمريكا وكلّ المؤشرات عن تخليه عن هذه الإدارة، وكذلك زيادة الضغوط الروسية على هذه الإدارة وزيادة حدّة الصراعات الإيرانية التركية في سوريا.
في المحصلة، يمكن القول بأن جملة التساؤلات هذه التي تراود مخيلة القارئ الكريم عن جدوى توقيت إعادة انطلاق الحوار الكوردي-الكوردي، والدوافع الحقيقة وراءه، ومدى توافر فرص نجاحه جلّها تساؤلات محقّة تنم عن مدى الوعي لدى الشعب الكوردي في كوردستان سوريا، ولكنّ الحقيقة التي لابدّ أن يعرفها الجميع بأن مدى فرص نجاح هذا الحوار لا يمكن من دون وجود راعي قوي وذات حسّ قومي يكون همّه الأول والأخير مصالح الشعب الكوردي في سورية ألا وهو المرجع الكوردستاني المتمثل بالرئيس مسعود بارزاني، غير ذلك سيكون الحوار فقط من أجل الحوار.