معضلة عبد الله أوجلان وزعامته

معضلة عبد الله أوجلان وزعامته

الجزء الثاني: أوجلان زعيم ماذا؟!

الجماهير الحاشدة حول حزب العمال الكوردستاني بكك دأبت على إبداء ردود فعل عنيفة حول أي انتقاد أو تعليق أو تقييم لا توافق تطلّعاتهم حول عبد الله أوجلان، فلو انتقدتم أوجلان، فأمامكم خياران: الأول: أنكم لا تعرفون أوجلان، وأنتم جهلة، الثاني هو: أنتم جواسيس للمخابرات التركية وعملاء للدولة التركية، هذا إذا لم يقل المرء بأن “أوجلان جاسوس للدولة التركية” ولا خيار كـ (بحثت في حياة وفكر وممارسات أوجلان، لكني لم أحبه-أعجب به) أبداً، فإذا كنت أجنبياً، وليس كوردياً، فسيتعرّضون لك بشكل أكثر هدوءاً وليناً، ولكن إذا كنت كوردياً، فعليك أن تطوف بأوجلان وتبايعه وتواليه وإلّا فلا سبيل لديك، وإن لم تطوف بأوجلان وتبايعه فهذه جريمة كبيرة بالنسبة لك، وستحرم أو تقتل.

أحد أبرز وأهمّ شخصية في حزب العمال الكوردستاني بكك، مصطفى قارسو، يقول عن أوجلان: “أنا محارب حتى عن أخطاء القائد آبو!” علماً أن قارسو ليس شخصًا عاديًا، بل هو مرجع معتبر في القضايا الأيديولوجية للعمال الكوردستاني، لذا، فما يقوله قارسو يجب أن ينفّذه أعضاء بكك والمتعاطفون معه، وعليه، يجب على كوادر العمال الكوردستاني وكافة كياناته وهياكله، بما في ذلك المدنيين، الدفاع حتى عمّا يقوله أوجلان حتى لو كان خطأً وعدم التشكيك في أقوال، فكما أن الشرك بالله خطيئة، فكذلك عقوبة الشكّ في زعامة آبو عظيمة وكبيرة، لذا، فعدا علاقات أوجلان السابقة بالمخابرات التركية، وزوجته كسيرة يلدرم التي هي ابنة أحد كبار أعضاء المخابرات، وماضيه المظلم والمريب… بل ليس بإمكانكم عدّ فكرة واحدة لآبو خاطئة.

وكما قال مصطفى قارسو: “حتى لو أخطأ أوجلان في القول فعليكم الدفاع عنه وحمايته” وفي السنوات الأخيرة، ظهرت بعض النساء داخل حزب العمال الكوردستاني، أعلنّ أوجلان كـ “نبي” ويرتبط موقف هؤلاء النسوة بالنظام الآبوجي.

نعم، نظام حزب العمال الكردستاني مبني على هذا: تقديس أوجلان. لقد بنى أوجلان بنفسه هذا النظام المقدس. بنى أوجلان هذا النظام على الخوف والمصالح المشتركة، أي سياسة الترهيب والترغيب.

مهما قدّستم وعظّمتم أوجلان فستعلو مكانتكم في حزب العمال الكوردستاني بكك وتعظّم، واستفدتم أكثر من مزايا السلطة، مقولة مصطفى قارسو: “أنا محارب حتى عن أخطاء القائد” هي في الحقيقة حماية لحياته، فهو يعلم جيداً أن رفيقه في السجن (محمد شنر) والذي دخل معه فعالية الإضراب عن الطعام، قُتل فقط لأنه “انتقد استراتيجية أوجلان السياسية العسكرية” قارسو الذي لا يستطيع وحده القيام بأي عمل عسكري أو سياسي، بل حتّى لا يستطيع تحضير شاي لنفسه، للأسف، ومنذ إطلاق سراحه من السجن عام 1991 ولغاية اليوم، يحمله مناضلو التنظيم ومقاتلوه على ظهورهم، ويموتون من أجل حمايته، نعم، نال قارسو هذا المنصب من خلال تقديم ولائه المطلق وإخلاصه التام لأوجلان.

هذه العلاقة بين السلطة والولاء التي بناها أوجلان مؤثّرة في كل مكان، فعندما كان أوجلان في دمشق، تمّ منح الكوادر النسائية المتجمعة حوله الرتب والمناصب قدر تقديسهنّ وتمجيدهن لآبو، ومن لم يمجّد ويعظّم أوجلان أرسل إلى المناطق التي تشتدّ فيها المواجهات والقتال ليُقتل هناك، أو بقوا دون رتب ومناصب لبقية حياتهم، وبسبب هذه المعادلة، كانت الكوادر النسوية للعمال الكوردستاني بكك تدمّر بعضهن البعض وتتنافس فيما بينها في تقديس أوجلان وتقديم الولاء له.

في تربية أوجلان كان القادة الرجال يقفون أمام أوجلان ويهينون أنفسهم، وأوجلان يقول بهذا الصدد: “مرتبط بالقيادة، ملائم ومنفتح على التقدّم” ويوظّفهم على هذا الأساس.

هذا النظام ما زال مستمراً، من عباس إلى جمعه “جميل بايك” الكلّ يعلم أنهم إذا انتقدوا أوجلان فمصيرهم الموت والضياع، كوادر بكك في تركيا ملزمون بالقيام بالأنشطة الأكثر راديكالية باسم أوجلان حتى لا يذهبوا إلى الجبال ويعيشوا حياة طبيعية، يجب على نواب حزب الشعوب الديمقراطي والأحزاب الأخرى المختلفة المسميات أن يعظّموا أوجلان ويقدّسونه، أن يشاركوا في المسيرات والفعاليات والأنشطة ويتودّدوا لقنديل كي يصبحوا نواباً ورؤساء بلديات، كوادر العمال الكوردستاني بكك في أوروبا يحرسون أوجلان ويدافعون عنه بلا حدود لئلّا يُرسلوا إلى الجبال، الأشخاص الفارّين من الدولة التركية والمطالبين للجوء في أوروبا يشيدون بأفكار أوجلان على شاشات وقنوات بكك لتصبح عملية حصولهم على اللجوء أسهل والاستفادة من الفرص الاقتصادية أكبر، بينما الذين ينتقدون أوجلان يواجهون العزلة وتهديدات اقتصادية واجتماعية في تركيا وأوروبا، ويوصفون بالخونة، لذلك فالشرط الأول للانضمام إلى حزب العمال الكوردستاني بكك هو أداء القسم باسم أوجلان. أيًا كنتم لا يهمّ، فلو أقسمتم باسم آبو، فستفتح السبل والفرص أمامكم بأوسع أبوابها، لذا، فالذين يمجّدون أوجلان ويشيدون به أكثر هم تجار المخدرات-المرتزقة والجحوش-المافيا بل وحتى جواسيس الدولة التركية.

دعونا لا ننسى المدعو (عمر جونَي) الذي اغتال ساكينة جانسيز وفيدان دوغان وليلى شايلمز في باريس، الرجل الذي علق صورة أوجلان على برج إيفل في باريس. لذلك، مهما كنتم مذنبين مجرمين فلن تكون هناك مشكلة إذا عظّمتم أوجلان.

عدا الخطّ السياسي وعلاقاته مع الدولة التركية، فإن أوجلان شخصية مريضة، أوجلان مصاب بجنون العظمة، ومختل عقليا، وبراغماتي، ويفتقر إلى القيم الأخلاقية، مبدأه الوحيد هو أن يرى نفسه كـ (إله) وخلق اسمه، تعريف الذات بالصفات الإلهية هو سبب هذا المرض، يقبل نفسه باعتباره خالق-قدوس ويريد أن يقبله الجميع على هذا النحو، وبعد انتهاء وانتفاء أي مصلحة برفاقه، يطعنهم بخنجره في ظهورهم، ويمهّد ويعبّد طريقه، فأوجلان قتل أكثر من 50% من رفاقه المؤسّسين الأوائل لـ بكك.

لو لم يتم اعتقال أوجلان، لكان قد ألقى بجميل بايك ودوران كالكان أيضاً في مكبّ نفايات حزب العمال الكوردستاني بكك.

بهذه الشخصية المريضة، لا يمكن لأوجلان أن يكون قائداً أو زعيماً للكورد، يحاول حزب العمال الكوردستاني إخفاء شخصية أوجلان المريضة وخطّه السياسي المشبوه والمريب بآلاف الشعارات والصور وشتّى الدعايات ومختلف الأقنعة.

أجمل الأزهار في الطبيعة هي الأكثر سمية، هذه الأزهار تخفي سمّها وراء جمالها، ويستخدم المجتمع أيضًا خاصية الطبيعة وميّزتها هذه، يمكن للأفكار السامة والبالغة الخطورة أن تختبئ وراء جمال الكلمات والمحسنات الأدبية، فتقديس أوجلان لهذا الحدّ هو فقط من أجل إخفاء وجهه الحقيقي، فعلى سبيل المثال، يُقال بأن أوجلان هو مقاوم، لكنّ أوجلان هو الشخص الذي لا يستطيع أن يجوّع نفسه لمدة ساعة، وهو مذعور وجبان بحيث لا يتجرّأ على إطلاق رصاصة، والعالم كلّه رأى وشاهد كيف خان حزبه وأتباعه ومخلصيه في إمرالي!

يقولون إن أوجلان سيحرّر كوردستان! لكن في تنظيم أوجلان، يعتبر التحدث باللغة الكوردية تخلّفاً، والكوردايتي قروية وتخلّفاً! في باراديغما أوجلان، تُهان العشيرة-القبيلة والمذهب والدين والمكوّنات الدينية والخصائص الشخصية والثقافة الاجتماعية حول الكوردايتي، فمنطلق أوجلان هو تقسيم وتفتيت المجتمع الكوردي.

يجب أن نقول صراحة؛ مهما أرادوا جمع الجماهير والحشود وترديد الشعارات ورفع الصور وصنع فيديوهات جميلة… فإن أياً من هذه الممارسات لن تكفي لإخفاء نفسية أوجلان المريضة وخطّه الخياني، مكان أوجلان في تاريخ كوردستان سيكون مع الخونة، ولا مكان لأوجلان بين صفوف القادة أمثال الشيخ سعيد وقاضي محمد وسيد رضا الذين لم يستسلموا لأعدائهم، مكان أوجلان في التاريخ سيكون جنب الخونة أمثال ذياب آغا ورايبر.

مرّة أخرى نقول: أوجلان ليس زعيماً أو قائداً للكورد، أوجلان ليس زعيماً للشعب، أوجلان هو قائد خطّ العدو وقائد الخيانة…

مقالات ذات صلة