في 31 يوليو/ تموز 1983، تعرّض الكورد لإبادة جماعية فظيعة، عندما داهمت قوات نظام صدام القرى والمنازل واحدة تلو الأخرى، في غضون أيام قليلة اعتقلت 8000 من كبار السنّ والشيوخ والأطفال البارزانيين واقتادتهم إلى صحارى العراق، وأكّد صدام حسين هذه الإبادة الجماعية بقوله: “أرسلناهم إلى الجحيم” ولم يتمّ العثور حتى على عظام هؤلاء المؤنفلين طيلة منذ 22 عاماً.
كانت عمليات أنفال البارزانيين جزءاً من عمليات الإبادة الجماعية الكبرى الأخرى في كوردستان، وتمّ اختيار البارزانيين بالذات في هذه الإبادة الجماعية ليس بسبب هويتهم العائلية فحسب، بل أيضاً بسبب أهدافهم وتمثيلهم السياسي والشعبي والديني… لهذا وقعوا في مرمى الغزاة المحتلّين، وتمّت أنفلتهم بسبب الرمزية الكوردايتية.
تبدأ قصة هذه المسيرة عام 1850 بقيادة محمد بارزاني في بارزان، أظهر البارزانيون أول مقاومة ومعارضة منظمة ضدّ الأنظمة المحتلّة والمقسّمة لكوردستان، في البداية، وقف البارزانيون بوجه مخطّط جمعية الاتّحاد والترقي في بناء الدولة التركية العنصرية، وأصبحوا أيقونة الشرف وكرامة الأمة الكوردية، وما زالت هذه المسيرة والنهج مستمران لغاية اليوم.
أصبح الشيخ عبد السلام بارزاني، والشيخ أحمد، والزعيم الراحل الملا مصطفى بارزاني، ومن بعدهم إدريس بارزاني ومسعود بارزاني، قادة هذا الطريق المقدّس، بمعنى أن العلم الفكري والنضال السياسي الكوردستاني ظلّ يرفرف عالياً في سماء كوردستان بزعامة البارزانيين طوال الـ 130 عاماً الماضية.
واجه الخط النضالي الذي رفعه البارزانيون عقبات كبيرة في التاريخ، من الإبادة الجماعية النفي والتهجير والأنفال… لكنّ المسيرة نمت وكبرت بمرور الزمن… وبالأخص في القرن العشرين، حيث انتقلت البارزانية إلى ما هو أبعد من حدود الاتّحاد العشائري والقبلي، وظهرت في البداية باسم الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) لكنّها تخطّت ذلك، وبمرور الوقت تحوّلت البارزانية إلى باراديغما ذات مبادئ فكرية، سياسية، فلسفية، دينية، تنظيمية وحماية القيم والمبادئ الاجتماعية.
وقدّ أكّد الرئيس بارزاني خلال المؤتمر الرابع عشر للحزب الديمقراطي الكوردستاني هذه الحقيقة بقوله: “البارزانية مدرسة وليست ارتداء جمدانية…”.
نعم، يوجد البارزانيون اليوم في كلّ مكان، البارزانيون موجودون في زاخو وخانقين والسليمانية وكركوك وشنگال… بل ليس فقط في إقليم كوردستان، فهناك بارزانيون في عفرين إلى ديرسم، من مهاباد إلى ميردين، من آمد إلى آميديي… البارزانية مسيرة فكرية اعتقادية تتجسّد في: أي كوردي يناضل من أجل تحرير كوردستان من الغزاة المحتلّين يتوجّه صوب هذه المسيرة.
وكذلك العكس، حيثما وجد أعداء كوردستان، يوجد هناك أعداء البارزاني، جميع القوى التي أرادت سلب إرادة الكورد والقضاء على كيانهم بدأت أولاً بمهاجمة ومحاربة البارزانيين، ولهذا بدأت حركة البارزاني في تأريخها العريق والممتد لـ 100 عام بمناهضة الإمبراطورية العثمانية ومحاربتها، كما هاجم البريطانيون البارزانيين من أجل إبقاء الكورد بلا كيان على خارطة الشرق الأوسط. كما شنّت الدول الاستعمارية العراق وإيران وسوريا وتركيا هجوماً على البارزانيين في البداية من أجل بناء جغرافية بلا كورد، وخاضت صراعاً لا نظير له من أجل فصل الكورد عن البارزانيين.
وكذلك واليوم، باتت الجهات المعادية لأي كيان كوردي تقف وراء الهجمات على البارزانيين، بدءاً من العنصريين الإقليميين وصولاً إلى الحشد الشعبي وحزب العمال الكوردستاني بكك، هذه الهجمات ليست مادية فحسب، بل معنوية أيضاً تهدف إلى خداع الكورد وتحريفهم عن مسيرة وقيم البارزانيين، ظلّ البارزانيون يبنون هذه الصرح الوطني بالعرق والدم منذ 130 عاماً، تعرّضوا من خلالها لهجمات منعدمة النظير، والتي هي امتداد لعقلية صدام الفاشية التي دفنت 8000 بارزاني وهم أحياء!
هناك العديد من الأعداء للبارزاني، لكن البارزاني، أي نحن، أي الكوردستانيين، أي المخلصين الوطنيين المحبين لكوردستان في كافة أجزاء كوردستان الأربعة، يقفون وراء مبدأ الشيخ أحمد القائل: “الحياة كلّها تتجسّد في موقف بكرامة”.
نعم، الأعداء كثيرون وظالمون مستبدون، عديمو المبادئ، يقفون وراء الافتراءات المظلمة، لكنّ البارزانية التي لم تنته طوال الـ 130 عاماً لن تنتهي طالما بقيت كوردستان موجودة، وستكون البارزانية روح كوردستان الحرة وقلبها النابض.