في الآونة الأخيرة، تصدّرت قضية تعيين محافظ جديد لكركوك عناوين الأخبار والنقاشات الجارية، لكن وكالعادة، وقعت أمتنا في خيال رومانسي عميق، ولم تقيّم أصل المسالة وحقيقتها بشكل جيد، كما لم تستوعب الصورة الكاملة للقضية، فأعرب الكثير عن سعادتهم بتعيين كوردي محافظاً لكركوك، وعدّوه واعتبروه انتصاراً كوردياً! لكن الحقيقة هي أن المتضرّرين والخاسرين الرئيسيين في اتفاقية تشكيل الحكومة المحلية الجديدة في كركوك هم الكورد، ومن انتصر في خضم هذه المعترك السياسي هم العرب والتركمان، وهنا تكمن كبرى مشكلتنا نحن الكورد، حيث أننا ما زلنا نقيّم القضايا بحساسية ورومانسية وعاطفية ولا نفكّر في حقائق الأحداث وعواقبها ومآلاتها…
منذ بداية قضية تشكيل الحكومة المحلية في كركوك ولغاية اليوم، عقدت العديد من اللقاءات والاجتماعات بين الكورد والعرب والتركمان، دون أن تفضي إلى أية نتائج.
وقبل أيام من تشكيل الحكومة المحلية في كركوك، اجتمع وفد من الأحزاب والأطراف العربية في كركوك بالزعيم مسعود بارزاني في بيرمام، وطلبوا من الرئيس بارزاني أن يوافق على انتخاب عربي لمنصب محافظ كركوك، لكنّ الرئيس بارزاني رفض هذا الطلب بشكل علني، معلناً رسمياً للوفد العربي ودون أية مجاملة أن الكورد يملكون سبعة مقاعد في كركوك وهم الأغلبية، وأعلن لهم أن شرطنا الأساسي لأي اتفاق هو أن يكون محافظ كركوك كوردياً وأن تكون نسبة 32% من المناصب في كركوك من حصّة الكورد، من بينها أهمّ منصبين في المحافظة (منصبي مدير شرطة وأمن كركوك).
بعد يأس وإخفاق الأحزاب العربية من الاتّفاق مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو التوصّل لأية نتائج مرضية، بدأت هذه الأطراف بوساطة الإرهابي المطلوب والمدرج على لوائح الإرهاب الأمريكية (قيس الخزعلي) وبعض الشخصيات الأخرى بالشروع في المفاوضات مع الاتّحاد الوطني الكوردستاني.
كان الاتّحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني قد أجريا العديد من النقاشات مراراً وتكراراً حول تعيين محافظ محايد لكركوك، ولأن ريبوار طه كان إحدى الشخصيات الرئيسية المشاركة في خيانة 16 أكتوبر، فقد استخدم الحزب الديمقراطي الكوردستاني حقّ النقض (الفيتو) ضدّه، ولكن، وتحت ضغوطات من قادة ميليشيات الحشد الشعبي، بدأ بافل طالباني بالمفاوضات مع الأطراف العربية في كركوك، علماً أن هذا أمر طبيعي لأن الاتّحاد الوطني الكوردستاني بات جزءاً من الهلال الشيعي الإيراني وحلقة هامة في محور المقاومة وحليفاً رئيسياً لميليشيات الحشد الشعبي الشيعي.
نعم، الكورد هم المتضرّرون والخاسرون الرئيسيون من الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في كواليس فندق الرشيد ببغداد لتشكيل حكومة محلية جديدة في كركوك، حيث يشكّل الكورد أقلية في حكومة كركوك الجديدة، وفقدوا معظم مناصبهم المستحقة والحسّاسة، والمناصب التي كان يشغلها الكورد قبل خيانة 16 أكتوبر أهداها الاتّحاد الوطني هي الأخرى إلى العرب والتركمان، وبحسب المشاركين في الاجتماع فإن النقاط التي تمّ الاتفاق عليها بين الاتّحاد الوطني والأطراف الأخرى تعتبر هزيمة كبيرة وغبناً كبيراً وإجحافا بحقّ الكورد، في المقابل تُعدّ انتصاراً تاريخياً للعرب، لذا وصف القادة العرب الاتفاق بأنه حقّق للعرب ما لم يستطيعوا تحقيقه منذ عام 2003!
فمقابل تولية منصب محافظ كركوك، وهب الاتّحاد الوطني كافة المناصب الإدارية في كركوك للعرب والتركمان، ولم تبق سوى 6 مناصب للكورد، يكون محافظ كركوك من نصيب الاتّحاد الوطني الكوردستاني لمدة سنة وثلاثة أشهر، ثم يعطى للعرب وأخيراً إذا قبلوه يعطى للتركمان، النقطة الكامنة للخطورة في هذا الاتفاق هو أن جميع المناصب العسكرية والأمنية والإدارية الحسّاسة في كركوك باتت في أيد العرب والتركمان، بما في ذلك منصب مدير شرطة كركوك الذي منح للعرب كما منح منصب نائبه (نائب مدير شرطة كروك) للتركمان، وبحسب القيادي البارز السابق للاتّحاد الوطني الكوردستاني ملا بختيار، فإن الاتّحاد الوطني ساوم على خانقين من أجل اكتساب أصوات الناخبين في كركوك، فلم يحصل الاتّحاد على أي منصب في خانقين من أجل التصويت لمرشّح الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك، أي باختصار، ضحّى الاتّحاد الوطني بخانقين من أجل كركوك!
ومن النقاط المتّفق عليها في اتفاقية فندق الرشيد هي عدم عودة قوات البيشمركة والقوات الأمنية إلى كركوك، وعدم رفع علم كوردستان في كركوك، كما سيتمّ إطلاق سراح جميع العرب المعتقلين بتهم الإرهاب في سجون السليمانية، وهذا يعني أن الاتّحاد الوطني سيطلق سراح الإرهابيين المتّهمين بقتل الكورد والمتّهمين بالأعمال الإرهابية من أجل منصب محافظ كركوك! وللتأكد من ذلك يمكنكم الاستماع إلى كلمة البرلماني العراقي ورئيس الجبهة العربية في كركوك، وصفي العاصي.
ومن أكثر القضايا الحسّاسة التي لم تتمّ مناقشتها هو التعداد السكاني في العراق، والذي من المرجّح إجراؤه في اقرب وقت، فما يجري في كركوك هو لعبة غاية في الخطورة بحقّ الكورد، فبموجب الاتفاق بين الاتّحاد الوطني الكوردستاني والأحزاب والأطراف الأخرى، تمّ إعطاء منصب مديرية الجنسية (مديرية الأحوال المدنية والجوازات والإقامة) في كركوك للتركمان، وهذا يشكّل تهديداً بالغ الخطورة بالنسبة للكورد في كركوك في المستقبل، وخاصة فيما يتعلّق بعملية التعداد السكاني في المدينة، ولكن لم يذكر أحد هذه الحقيقة على وجه التحديد والخصوص لغاية الآن! لكن العواقب ستظهر في المستقبل القريب.
ما حصل في كركوك لا يمثّل الكورد وتطلعاتهم على الإطلاق، وهو مجرّد اتّفاق بين الاتحاد الوطني الكوردستاني والعرب. وستظهر النتائج السيئة للاتفاق من جميع النواحي في المستقبل القريب.
كما لم يدعم أي حزب كوردي الاتّحاد الوطني الكوردستاني، بل على العكس تماماً، ترى جميع الأحزاب والأطراف الكوردية في هذا الاتفاق تهديدًا خطيراً للكورد وكركوك.
في غضون ذلك، سرعان ما روّج إرهابيو حزب العمال الكوردستاني بكك لهذه القضية ووصفوها بأنها انتصار، لكن ما يفعله حزب العمال الكوردستاني هو بسب عدم مشاركة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في هذه الاتفاقية، والحقيقة هي أنه أينما هُزم الكورد وخسروا يظهر حزب العمال الكوردستاني هناك مهنّأً ومباركاً ذاك الانتصار، لأنه بالنسبة لحزب العمال الكوردستاني بكك فإن أي شخص يعمل لصالح الكورد ويناضل من أجل كوردستانية كركوك هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما برز هنا العمال الكوردستاني من جديد كحام وحارس لمعاهدة سايكس بيكو، وذلك لأن العمال الكوردستاني بكك منظمة إرهابية تحمي مصالح الغزاة المحتلّين ولا علاقة له بالكورد وكوردستان بتاتاً.
قبل يومين وخلال مقابلة له على قناته المعهودة (قناة العهد) قال قيس الخزعلي، زعيم الميليشيا الإرهابية (عصائب أهل الحقّ): “لن نوقّع معاهدة مع الديمقراطي الكوردستاني أبداً، لأن الديمقراطي الكوردستاني والبارزاني لا يؤمنون بعراقية كركوك، ويؤمنون دائما بالهوية الكوردستانية لكركوك، بينما الاتّحاد الوطني الكوردستاني يؤمن بعراقية كركوك ويقبل بها، لهذا تحالفنا معه وعقدنا الاتفاق!” وإذا نظرنا إلى تصريح قيس الخزعلي عن كثب وقيّمناه بعمق، فسنرى أن حزب العمال الكوردستاني بكك وباقي الميليشيات الإرهابية لهم نفس الموقف والرؤية تجاه الكورد وكركوك. وهذا أمر طبيعي لأن الإرهابيين يدعمون الإرهابيين ضدّ الأمة الكوردية وكوردستان.
ما قام به الاتّحاد الوطني الكوردستاني في كركوك هو استمرار لخيانة 16 أكتوبر اللئيمة والعفنة، ويمكننا أن نطلق عليه تسمية (خيانة 16 أكتوبر الثانية) فالاتحاد الوطني الكوردستاني فتح الباب على مصراعيه أمام تعريب كركوك، وبفضل الاتّحاد الوطني فإن الكورد يضعفون يوماً بعد يوم ويفقدون قوتهم في كركوك، وقد ساوم الاتّحاد الوطني وباع كركوك والكورد والنضال التحرّري الكوردي المستمر منذ قرون من أجل منصب محافظ كركوك لمدة عام! نعم أصبح الاتّحاد الوطني الكوردستاني كشركة سمسار للعقارات حيث باع كركوك مرتين فقط خلال 7 أعوام!
في هذا الصدد، اختار العديد من السياسيين والمثقفين الكورد الصمت والحياد مرّة أخرى! بينما أعرب بعضهم كالعادة عن سعادته من أجل استمرار إيديولوجيته الشعبوية العفنة والقذرة، في الجانب الآخر أصبح أحد أهمية شخصية في أحداث 16 أكتوبر الخيانية محافظاً لكركوك، ففي الوقت الذي يحاول سياسيو ومثقفو العالم إظهار الحقيقة لشعوبهم بأفضل طريقة ممكنة في مثل هذه القضايا الحساسة، يصبح سياسيو ومثقفو الكورد شركاء في الخيانة وتحريف الحقائق وتزييفها! ولهذا، تفرح الجماهير غير الواعية دون أن ترى الصورة كاملة مكتملة!
باختصار، دور ريبوار طه في كركوك هو دور رئيس الجمهورية العراقية لطيف رشيد في بغداد نفسه، وهو أنه كوردي، وفي هذا المعترك كانت الهزيمة من نصيب الكورد بينما الانتصار والظفر للعرب والتركمان.
دلوڤان علي