تستمر الأزمة في الشرق الأوسط وتتصاعد بوتيرة كبيرة. فالصراع الذي يبدو في ظاهره صراع (إسرائيل وخصومها) هو في الحقيقة والأساس صراع بين القوى التي تريد صياغة الخارطة الاقتصادية والتجارية والسياسية والجغرافية للعالم وفق مصالحها وميولها، أي أن المسألة ليست مجرد صراع بسيط بين إسرائيل وإيران أو الجبهة الشيعية. هذا الصراع الذي يتطور ويتعمّق فكرياً وجغرافياً يسير نحو عملية مفادها أن لا شيء سيبقى على حاله أو كما كان. والكلّ قد قاس نفسه وحضّره لهذا التغيير وهذه العملية.
وعلى وجه الخصوص، دول تركيا، سوريا، إيران والعراق، والتي بُنيت على إنكار كوردستان بعد الحرب العالمية الأولى، تتحرك من منطلق فكرة أنها “المتضرّر الأكبر من خرائط جديدة” لهذا السبب يخدعون الكورد ويضلّلونهم من أجل ضمان وجودهم وبقائهم، إن الخطوات التي اتّخذها سواء الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان لتحسين صورته أمام أعين الكورد، أو تقارب دولت بهجلي عبر مقولات كـ (إذا كان هناك تركي لا يحبّ الكورد، فهو ليس تركيًا!) ما هي إلّا جزء من محاولات الأنظمة الاستعمارية لجذب الكورد من أجل إطالة أمدهم ودولهم، واليوم، يقول المستعمرون الذين أنكروا الهوية الكوردية لأكثر من مائة عام ونهبوا كلّ ثروات الكورد وخيراتهم… يقولون لهم: “إسرائيل دولة شرّيرة وإمبريالية، وسوف تضرّ بالكورد” ويقدّمون النصح والإرشاد للكورد!
هدى-بار (Hûda–Par) وحزب العمال الكوردستاني يخدمان السياسة نفسها
والحقيقة هي أن «حمل الكورد على العداء لإسرائيل هو سياسة استعمارية» علماً أن هذه السياسة ليست بجديدة على الساحة، فمنذ ستينيات القرن الماضي غرس المستعمرون هذه الفكرة في عقول الكورد وأدمغتهم من خلال خطاب الأمة وكذلك من خلال خطابات اليسار المناهض للإمبريالية. وعلى وجه الخصوص ما تبّنته تركيا من سياسة الدولة البالغة العمق لإبقاء الكورد على الخط المعادي المناهض لإسرائيل. تمّ بناء ركيزتين لسياسة الدولة هذه. الركيزة الأولى كانت تأسيس حزب العمال الكوردستاني بكك، الذي أبقى الكورد في الخط اليساري، والثانية هي السياسة التي تمثّلها حزب هدى-بار اليوم والتي يطلق عليها عمومًا سياسة حماية الأمة والدفاع عنها، لذلك فإن حزب العمال الكوردستاني بكك وحزب هدى-بار (Hûda–Par) اللذان يبدوان معادين لبعضهما البعض وخصمين في الظاهر… هما في الأساس جزء من سياسة الدولة الدفاعية من اليسار واليمين وتطوّق الكورد وتأطيرهم فكرياً. فكلا الخطين هما الخطان الأساسيان الرئيسيان اللذان يحولان دون الوحدة الكوردية ويخلقان العوائق أمام الكورد لتنفيذ سياسة كوردستانية.
هدى-بار والذي يلتزم الصمت عندما يتعلق الأمر بكوردستان ولا ينبس ببنت شفة، وخاصة في العام الماضي، جلب رموز فلسطين إلى كوردستانّ بحماس منعدم النظير! وهذا كان مخطّط الدولة.
لكن أخطر هذه الهياكل التي شوّهت الوعي والعقل الكوردي هو حزب العمال الكوردستاني بكك. فقد رسم العمال الكوردستاني خطّاً مناهضاً معادياً لكوردستان تحت غطاء الكوردايتي وباسمه.
مهندسوا كذبة “البارزانيون يهود” هم أوجلان ويالتشين كوجوك
إن نضال حزب العمال الكوردستاني بكك ضد إسرائيل، والذي بدأ عام 1982 وعٌرف باسم دعم ومؤازرة ونصرة فلسطين، يشكّل في الأساس إحدى أولى الأحداث التي استعبدت الكورد وقمعت وعيهم وفكرهم، وقدّ أسّس لهذه العملية ووضعها البروفيسور القومي التركي العنصري يالتشين كوجوك في تسعينيات القرن الماضي عندما كان يعمل كساعٍ وقاصد بين الدولة وأوجلان، فأوجلان في إمرالي قال لسنوات طويلة للدولة التركية: “إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تريدان بناء إسرائيل صغيرة في الجنوب-يقصد بالجنوب إقليم كوردستان-جنوب كوردستان” و”إسرائيل تريد أن تجعل البارزانيين دولة” ولم يكتف أوجلان ويالتشين كوجوك بهذه الأكاذيب فابتكرا معاً رواية فاسدة تقول: “البارزانيون ليسوا كورداً بل هم يهود” وحاولا شيطنة البارزانيين. وعندما اعتقل أوجلان قال ايضاً: ” إسرائيل وأمريكا قامتا بتسليمي!”.
برنامج حزب العمال الكوردستاني بكك بعد السبعينيات المناهض للإمبريالية وحرب الخيانة في كوردستان؛ وبعد عودة أوجلان إلى حضن تركيا عام 1999، ومن خلال باراديغماه “المجتمع الديمقراطي التعددي الأيكولوجي المادي والمتحرر جنسياً” هي أيضاً في أساسها تقوم على إبعاد الكورد وتحريفهم عن أهدافهم الأساسية الرئيسية، كما جعل العمال الكوردستاني الكورد أعداءً لبعضهم البعض باسم “النضال الداخلي ووضوح الأيديولوجية”.
هدى بار وحزب العمال الكوردستاني يلحقان نفس الضرر بالوحدة الوطنية الكوردية
واليوم، يتمّ ترويض جماهير حزب العمال الكوردستاني بكك وتثقيفهم على العداء التام لإقليم كوردستان من وراء عباءة العداء للبرزانيين، ووفقاً لجماهير حزب العمال الكوردستاني وأتباعه واذياله، فإن أكبر العوائق والعقبات أمام حرية الكورد واستقلالهم هو البارزاني وقوات البيشمركة. ووفقاً للعمال الكوردستاني، فإن الإيزيديين سيكونون أحراراً عندما تنفصل شنگال عن أربيل وتلتحق بدلاً منها بالإدارة الشيعية للدولة العراقية، يفرحون ويسعدون عندما تهاجم الدولة الإيرانية العاصمة أربيل، فهم لا ينظرون إلى أربيل على أنها كوردية!
وكذلك بالنسبة لـ هدى-بار، فعندما تتعرّض روجآفا كوردستان للقصف والدمار… لا يرى الحزب أن من يتعرّضون للقصف هم كورد! بل يسعده ذلك وكأنّ الكفار يتعرّضون للقصف والضرب والقتل! (قد تكون هناك استثناءات في عقد ومعضلات الجانبين، لكن هذا لا يغيّر المهمة السياسية لكلا الطرفين).
أنظروا إلى الحالة النفسية-العقلية لعضوٍ في حزب العمال الكوردستاني أو عضوٍ لـ هدى-بار تجاه أجزاء كوردستان الأربعة ستجدونها الحالة نفسها، فكلاهما لا يطيقان ولا يقدران أن ينظرا إلى القضية ككوردي، كما أن كلاهما يفرض أفكاراً غير كوردستانية على المجتمع الكوردي.
الكوردي الحامي لحدود الدولة الاستعمارية هو “كوردي” تلك الدولة
مشروع حماية الأمة لـ هدى-بار وخطاب أخوة الشعوب لحزب العمال الكوردستاني بكك هما مشروع وخطاب الدولة “الدولة الواحدة، العلم الواحد، الوطن الواحد” بطريقة قبلها الكورد ورضوا بها، إن نظرية الآبوجيين لحلّ القضية الكوردية “دون تغيير الحدود” ومقولة “الكورد ليسوا بحاجة إلى دولة” إنّما هو خطاب دولة الاحتلال التركي. كما أن محاولة تطبيق إيديولوجية حمل الكورد على العداء لإسرائيل أو الدول الغربية الأخرى هي كذلك لحماية حدود الدولة الاحتلال التركي.