الفرص الذهبية الثلاث للكورد التي أهدرها حزب العمال الكوردستاني خلال الـ 45 عامًا الماضية ودور الحزب في العصر الجديد للفرص في الشرق الأوسط…

الفرص الذهبية الثلاث للكورد التي أهدرها حزب العمال الكوردستاني خلال الـ 45 عامًا الماضية ودور الحزب في العصر الجديد للفرص في الشرق الأوسط...

في الـ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، ردّت إسرائيل على الهجوم المباغت لحركة حماس الموسوم بـعملية طوفان الأقصى، فشنّت الدولة العبرية بعملية عسكرية أكبر وأوسع أطلقت عليها تسمية (السيوف الحديدية)، واليوم، هناك بالفعل طوفان وعاصفة تعصف بالشرق الأوسط كما أن السيوف مسلولة، في هذه الفوضى والاضطرابات بين الطوفان والسيوف يلعب الكورد أدواراً رئيسية على الساحة وفي خضمّ هذا الصراع، حيث يحاول الكلّ (عرباً وفرساً وإسرائيليين، وأتراك…) يحاول كلّ هؤلاء جذب الكورد إلى صفّهم وجانبه في هذا الصراع المحتدم، والحقّ، تمّ تهميش الكورد وإقصائهم طيلة مائة عام الماضية، واليوم، أصبحوا يتمتعون بظروف مناسبة ملائمة ليصبحوا لاعبين رئيسيين على الساحة من جديد.

لكن السؤال الأهم المطروح هو: هل الكورد مستعدون لذلك؟ في ظلّ الظروف العادية، يجب على الكورد أن يضعوا جانباً كافة الخلافات والاختلافات وأن يتّحدوا حول حرية كوردستان، وأن يضعوا جانباً كافة المنافسات الداخلية والاختلافات الأيديولوجية وأن يتبنوا سياسة كوردية وكوردستانية كأساس لهم، فهل يا تُرى بالإمكان تحقيق مثل هذا الشيء الآن؟ فعندما ننظر إلى الوراء، نرى أن حزب العمال الكوردستاني قد انتزع وأهدر ثلاث فرص ذهبية وتأريخية مهمة من الكورد خلال 45 عامًا:

الفرصة الأولى: في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، انهار النظام السوفييتي وتمّ إنشاء دول جديدة في البلقان. وبعد غزو صدام للكويت، وصلت فكرة ومشروع بناء دول جديدة إلى الشرق الأوسط أيضاً. وقد خلقت هذه الظروف والتطورات الدولية فرصاً مهمة للكورد، ورغم أن هذا ظهر جلياً في جنوب كوردستان-إقليم كوردستان، إلّا أن اليقظة الكوردية وإمكانية بناء كوردستان كانت في الواقع فكرة تُشغل أذهان عموم الكورد في كافة أجزاء كوردستان وحلمهم أجمع، أصبح للكورد حكومتهم وبرلمانهم الرسمي والمشروع، وكان من المفروض أنه بعد مشروع كمعاهدة لوزان، ورغم النواقص والسلبيات، أن يجتمع الكورد ويحتشدوا حول إقليم كوردستان حكومة وبرلماناً… لكن ماذا فعل حزب العمال الكوردستاني بكك؟ في عام 1991، وقبل تأسيس البرلمان الكوردي، قال أوجلان “هم يريدون القضاء كوردستان الكبرى من خلال حكم ذاتي صغير في الجنوب!” وبالتالي أظهر أنه يعتبر إنجازات ومكاسب إقليم كوردستان بمثابة عدوّ. بينما في باكور كوردستان، وبدلاً من توجيه الشعب الكوردي لحماية مكتسبات وإنجازات إقليم كوردستان والدفاع عنها، قاد الشعب نحو انتفاضة بلا هدف تسبّبت في سحق باكور كوردستان وهدمه وتمزيقه بين انياب السباع.

منع حزب العمال الكوردستاني وصول المواد الغذائية والمساعدات إلى الجنوب-إقليم كوردستان، الذي كان يعاني من الفقر والجوع بعد حملات الأنفال سيئة الصيت، فرض رسوم جمركية على إيصال هذه المواد، ومنع القرويين من الذهاب إلى قراهم وإعمارها وزراعتها، نتيجة لذلك، بدأت الاشتباكات والقتال في عام 1992. ومن أجل أن يجعل نفسه شريكاً في الإقليم، شنّ حزب العمال الكوردستاني بكك هجماته على المدن، وخاصة مراكز المدن مثل آميديي-العمادية وسيدكان وبامرني وغيرها… تمّ إخلاء عشرات القرى. فبين عامي 1992-1999، هاجم حزب العمال الكوردستاني مناطق الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وبين عامي 1999-2003، هاجم المناطق الخاضعة لسيطرة الاتّحاد الوطني الكوردستاني. وليس من الخطأ أن نطلق على هذه السنوات بالفترة التي استغلّ فيها العمال الكوردستاني، بدعم من إيران وحتى تركيا، الصراعات والخلافات الداخلية الكوردية، وحصل على جميع الفرص من جميع المحتلّين الغزاة، وحاول أن يصبح شريكاً في إنجازات ومكتسبات إقليم كوردستان.

الفرصة الثانية: عام 2003، وأثناء سقوط نظام صدام حسين وانهياره، حيث اكتسب إقليم كوردستان مكانة دولية وكياناً شرعياً معترفاً به، هذا كان بمثابة انهيار رسمي لنظام لوزان وعلامة واضحة من علامات اقتراب ربيع الدولة الكوردية، كانت التغييرات تحدث في عموم أنحاء العالم. التغييرات التي شهدتها منطقة البلقان دقّت ناقوس بناء وتأسيس دول جديدة، حدثت ثورة كبيرة في الشرق الأوسط. لكن حزب العمال الكوردستاني بكك لعب مرة أخرى دوراً سلبياً. قبل كلّ شيء في المجال الأيديولوجي، قادوا الكورد إلى تجريم الصحوة الكوردية بمصطلحات مثل الدولة، الكونفدرالية، الحكم الذاتي، الحداثة الديمقراطية، التحرّر الجنسي، البارديغما الجديدة والهوية التركية-والتي تمّ إعدادها بدعم من المحتلين الغزاة.

هذه المرة قال: “هم يستعدون لإقامة دولة كوردية في الجنوب. نحن نريد حلاً ديمقراطيًا لتقرير المصير” وفي عام 1992، هاجم إدارة جنوب كوردستان-إقليم كوردستان بحجة أنها لا تريد أن تصبح دولة. وهذه المرة على العكس تماماً، حيث هاجم حكومة إقليم كوردستان بحجة أنها تريد أن تصبح دولة! هذه المرة لم تكن الظروف تسمح وتجيز اعتداءً فعلياً، لكنه في العمق كان يهدف إلى تشويه إنجاز إقليم كوردستان أيديولوجياً، كما وأراد إبعاد كورد باكور كوردستان-كوردستان تركيا عن إنجازات ومكتسبات إقليم كوردستان وخلق فجوة عميقة بينهم، في هذه المرحلة، أمر أوجلان “أن توجيه الكورد نحو أربيل هو خطورة، لذا ينبغي أن يتمّ توجيه الكورد-الشماليين (أي كورد باكور كوردستان) صوب أنقرة” تمّ إعلان الكونفدرالية في ئامد في عيد نوروز عام 2005، وهو ما لا يتذكره أحد الآن. ومنذ ذلك اليوم، تقود السياسة المحلية-الوطنية “السياسة الصحيحة والمستقيمة وفق الدستور” لباكور كوردستان والشعب الوطني المخلص، صوب حركة فقدت محورها، من خلال صهر الهوية الكوردستانية وإذابتها.

الفرصة الثالثة: الربيع العربي، الذي بدأ عام 2009، هو أساس الصراعات الحالية في الشرق الأوسط. ظهرت هناك فرص كبيرة وكذلك مخاطر كبيرة على الساحة بالنسبة للكورد، كان بإمكان الكورد أن يحقّقوا أشياء عظيمة بالوحدة الداخلية (الوطنية). كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) على استعداد تام لتقاسم إمكانياته وموارده في هذا الصدد. انعقد المؤتمر الوطني الكوردي في أربيل. ولو تمّ تأسيس تلك الوحدة وذلك المؤتمر وتمّ تطبيق النقاط المقبولة من حيث المبدأ، والعمل بها، لما احتلت عفرين، ولما أضاع روجآفا كوردستان هذا القدر من الإنسان، ولما كان هناك تهجير ولجوء ودمار…

ولكن، وبدلاً الوحدة مع الكورد، فضّل حزب العمال الكوردستاني تشكيل وحدة مع الغزاة المحتلين وسحق الكورد وتدميرهم، وبينما كان بإمكان الكورد أن يخرجوا بمطالب كبيرة إلى الساحة السياسية في غضون الربيع العربي، قام أوجلان وأعلن عن مشروع حلّ مزيّف ومضلّل في عيد نوروز ئامد، قائلاً إن “الكورد والأتراك إخوة!” وبدلاً من الاتّحاد والتنسيق مع الكورد، قام حزب العمال الكوردستاني بتقسيم نفسه إلى فلقين، أوجلان في حضن الدولة التركية، بينما ارتمى جميل بايك، الرئيس المشارك لمنظومة المجتمع الكوردستاني (KCK) آنذاك إلى حضن إيران.

أصبح حزب العمال الكوردستاني بكك عقبة وعائقاً كبيراً أمام اجتماع المؤتمر الوطني الكوردي. ودون إبداء أي سبب سحب أعضاءه وتمّ حلّ اللجنة المنظّمة للمؤتمر، حاور حزب العمال الكوردستاني وتفاوض مع الجميع من أجل روجآفا كوردستان، حتى مع الدولة التركية. وقال أوجلان: “أنا وهاكان فيدان (رئيس المخابرات التركية آنذاك) حرّرنا كوباني!” لكن، لم يحاور ولم يتباحث حزب العمال الكوردستاني مع الكورد من أجل روجآفا كوردستان فحسب، بل قال ايضاً: “بدلاً من أن أكون صديقاً شريكاً للكورد، من الأفضل أن أكون حليفاً ومطيعاً للأسد وإيران”.

ولو لم يكن حزب العمال الكوردستاني منخرطاً إلى هذا الحدّ في العلاقات مع المحتلين بصدد روجآفا كوردستان، ولم يتبع وينتهج مثل هذه السياسة الأنانية والقمعية، لكان الوضع في روجآفا كوردستان مختلفاً تماماً. ورغم كلّ هذا تمّ سحق شعب باكور كوردستان وتدميره أيضاً في فترة مظلمة سمّيت بحرب الخنادق-الأنفاق.

وفي إقليم كوردستان أيضاً، هاجم حزب العمال الكوردستاني إنجازات الكورد ومكتسباتهم، استخدم كلّ قوته لخلق لعنة بين الكورد ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني وشيطنته، انخرط في رفوف ميليشيات الحشد الشعبي وتحالف مع الجيش العراقي في مخمور وفي شنگال فقط من أجل فصل شنگال عن خارطة كوردستان وإلحاقها بالعراق وحماية بعض مصالحه الحزبية الضيقة، تحرك في أطر جبهة النظام الشيعي في العراق وإيران الذي حاول تدمير كوردستان والقضاء على كيان إقليم كوردستان.

تمّ تسليم المناطق التي كانت تسمى لسنوات طويلة بـ “مناطق الدفاع المشروع-باراستنا مديا” إلى الدولة التركية المحتلة بدلاً من تسليمها لسكانها الأصليين أي بيشمركة كوردستان، ولو نظرنا عن كثب لرأينا أن هناك اتفاقيات لحزب العمال الكوردستاني وراء كلّ شبر من أراضي كوردستان خسرها التنظيم.

الفرصة الرابعة: في الوقت الحالي، عندما تتغير خرائط الدول في الشرق الأوسط، فما يحتاجه الكورد هو الاتّحاد والوحدة فقط، لكن حزب العمال الكوردستاني، الذي أضاع وأهدر ثلاث فرص ذهبية للكورد، فمن الخطأ أن ينتظر المرء منه أن يلعب دوراً إيجابياً من الآن فصاعداً، لأن حزب العمال الكوردستاني بكك لا يزال يتحرّك عند النقطة التي أهدر فيها ثلاث فرص للكورد، ومن الناحية الأيديولوجية، لا يزال يتلاعب بوعي الكورد وعقولهم، وإحداث اضطرابات لديهم، وبدلاً من نشر الوحدة بين الكورد، ينشر التنظيم العداوة والبغضاء بين الكورد، حيث تنشر صحافتها ووسائل إعلامها أخباراً كاذبة مفترية على مدار 24 ساعة يومياً حول العداء للبارزانيين بين شعبه وجمهوره، وفي روجهلات كوردستان، لا يسمح للأحزاب الكوردية الأخرى المعارضة بالاقتراب من الحدود. وفي روجآفا كوردستان، فهو مثل النظام الكوري الشمالي، لا يسمح لأي حزب بممارسة السياسة هناك سوى لتنظيمه، يفصل شنگال عن كوردستان. وفي الوقت الذي أصبح فيه الشرق الأوسط على صفيح ساخن، وحيث يتعيّن على الكورد النزول إلى الشوارع والمطالبة بالحرية والاستقلال، ها هم يردّدون شعارات مثل “الحرية لأوجلان!” نعم، هكذا يتمّ استنزاف الطاقات الكوردية وهدرها، فأوجلان يجتمع مع تركيا، وبايك مع إيران في غرف مظلمة وخلف أبواب مغلقة ويوقّعون معاهدات سرية ضدّ الدولة الكوردية.

فلا توجد نوايا لحزب العمال الكوردستاني في الوحدة مع الكورد على الإطلاق، ولم يفعل شيئاً كهذا قطّ في تأريخه، نعم، يمكن للعمال الكوردستاني أن يبدي استعداده للتفاوض والحوار مع تركيا. كذلك باستطاعته إبداء استعداده التام للحوار مع الأسد. بل حتى باستطاعته الإدلاء ببيان حول استعداده للقاء دولت باخجلي (العنصري التركي الفاشي) لكنّه لن يدلي ببيان حول استعداده للحوار والجلوس مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما ليس مستعدّاً على الإطلاق للحوار مع أي كوردي خارج أطره!

ينبغي على من يريدون منع إهدار وإضاعة الفرصة الرابعة… ينبغي عليهم أن يقولوا أولاً لحزب العمال الكوردستاني: “أوقفوا عداءكم للكورد!” لأن عداء حزب العمال الكوردستاني تجاه الكورد خطير للغاية لدرجة أنه قد يضيّع كلّ فرصة للكورد خلال القرن الحادي والعشرين…

مقالات ذات صلة