نظام الدين أريج، أوجلان والملك العاري!

نظام الدين اريج، أوجلان والملك العاري!

الآن، بدأت قوات وأجنحة وأذرع حزب العمال الكوردستاني بكك حملة تشهير هجومية على نظام الدين أريج، ترتكز الحملة الشعواء على انتقادات أريج لتصريحات أوجلان ودعوته في 27 شباط، أريج، باعتباره فنانًا، سرد انتقاداته وكتبها على الورق بطريقة فنية. بينما ردّ حزب العمال الكوردستاني بكك على انتقادات أريج بالهجمات والتهديدات ونشر الأخبار الكاذبة والعارية عن الصحة.

لقد كان أريج جزءًا من النضال الكوردي من أجل الوجود والبقاء منذ عام 1970. وبطبيعة الحال، كان يعلم حقّ اليقين أن ردود الفعل على انتقاداته ستكون كبيرة وعنيفة. علم جيداً أن حزب العمال الكوردستاني بكك سيسعى جاهداً إسكاته ومحاربته و… لكن رغم كلّ هذا لم يستسلم أريج ولم ينحني أمام حزب العمال الكوردستاني وبقي صامداً صمود الجبال الشامخة، بل قال مثل ذاك الطفل البريء النقي: “الملك عاري!”.

الملك عاري!

يروي الكاتب الدنماركي كريستيان أندرسون قصته الشهيرة (الملك العاري) حيث تحكي القصة عن مُحتال تظاهر أنه نساج ووعد أحد الملوك أن يحضر له رداء لم يلبسه أحد من قبل منسوج من ضوء القمر ولا يراه إلا الأذكياء، وجاء المحتال إلى الملك وهو يرفع يده وكأنه يحمل رداءً عليها، وقال للملك جئتك بالرداء المنسوج من ضوء القمر والذي لا يراه إلا الأذكياء، فخاف الملك أن يقول إنه لا يراه كي لا يُتهم بالغباء. وخلع الملك ملابسه وارتدى الرداء المزعوم ولكنه في الحقيقة صار عارياً!

وسار في المدينة مُتباهياً بثوب الزور الذي يتوهّم أنه يستر عريه، وكلّ أهل المدينة خشوا أن يُتهموا بالغباء، فتظاهروا أنهم يرون الثوب وأنه يُعجبهم، فراحوا يصفّقون ويهلّلون، بل وراحوا يتبارون ويتنافسون في إبداء إعجابهم بالثوب الموهوم!

حتى صاح أحد الأطفال (الذي لا يخشى أن يُتهم بالغباء) أن الملك عاري، فاتّهمه البعض بالغباء وزجروه، فقال لهم (دعكم من اتّهامي بأني غبي، واثبتوا أن الملك يرتدي ملابس)، فبدأ الناس يتهامسون بعُري الملك حتى صارت الهمسات صيحات وضحكات…

فالطفل البريء الذي لا يخاف من قول شيء قال شيئاً لا يستطيع أحد آخر أن يقوله. فهو حرّ، لا معنى للخوف لديه، جريء إلى أبعد الحدود، نقي بريء…

الحياة الموسيقية لنظام الدين أريج بلغت 50 عامًا…

بدأ أريج مسيرته الموسيقية في عام 1976 في أنقرة. وسرعان ما أصبح مشهورًا بصوته العذب الزلال، وأصبح يعانق النجومية مثل أسماء كـ إبراهيم تاتليس وغيره بل أصبح أكثر شهرة ونجومية منهم، في عام 1979 أصدر ألبومه الكوردي الأول. وكان أول من كشف عن سرقة الموسيقى الكوردية وتتريكها باعتبارها “أغاني المنطقة الشرقية من تركيا (كوردستان)”. وقال في مقابلة: “الأغاني الشرقية يتمّ إعدادها من أشرطة الكاسيت الكوردية”. ونتيجة هذا الموقف الكوردي، حكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، فرّ هارباً من تركيا إلى روجآفا كوردستان ومنها إلى أوروبا. باختصار، عمل أريج مدّة 50 عاماً من أجل الموسيقى الكوردية وتطويرها وشهرتها، وقدّم تضحيات كبيرة وجليلة من أجلها. على عكس إبراهيم تاتليس، الذي فضّل المال والدولة والشهرة…

لم يستسلم ولم ينحني لا للدولة التركية ولا لبعض التنظيمات الكوردية، بل بقي صامداً أمام موجات التشهير كفنان كوردستاني ومثقّف مستقل بكلّ فخر واعتزاز.

حقّق أريج العديد من الإنجازات المهمة للموسيقى الكوردية بصوته وأعماله ومواقفه. لم يغيّر من الموسيقى الكوردية الكلاسيكية، بل زخرفها وزيّنها بأسلوب عصري وحديث، وما (أحمدي روني وكلشو…) وغيرها من أعماله الفنية إلّا أمثلة قليلة من مكتبة أعماله ونتاجه الوفير، بل وأصبحت أغاني مثل “داي روژك تي” و”أز شاهم دلالا من” من كلاسيكيات الموسيقى الكوردية.

كلّما كان هناك ألم كوردي، وكلّما كان هناك هجوم على الكورد… وقف أريج بثبات وصمود ضدّ هذا الهجوم والدفاع عن أمته بروح كوردستانية، غنّى موالاً عن وادي زيلان، ولم ينس مجازر وإبادات حلبجة وروبوسكي، ووقف ضدّ الاحتلال التركي بقوة الموسيقى أثناء احتلال سري كانيه-رأس العين في روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا.

وقد أثار انتقاد أريج لأوجلان غضب مريدي حزب العمال الكوردستاني بكك وأتباع أوجلان، ويريدون الآن النيل منه واتّهامه بنشر صورة له تعود إلى عام 1976 في الصحف التركية!

لكن الحقيقة هي أن أريج لم يقبل سلطة حزب العمال الكوردستاني على الفن والفنانين، ليس اليوم فحسب، بل وفي الماضي أيضًا. وإذا دفع أريج زكاة فنّه في مجال النضال التحرّري الكوردي، فسيكون قادراً على تطهير ساحته وتبرئتها.

نحن لا نقول ما إذا كان نشر الصور الثلاث لنظام الدين أريج عمل صحيح أم خاطئ. لأن قصة نظام الدين أريج ليست قصة فنانين يهتفون ويردّدون شعار “يحيى يحيى القائد…” ولا قصة الشعبويين فاقدي الوعي والعقل والمنومين… حياته ليست مثل حياة شخص نشأ وكبر في الدبكات ودعم وحضن حزب ما. حياته هي مختصر ذكائه وخلفيته وقدراته الفنية ممتزجة بثقافته الخاصة، خلق نفسه بثقافته وجهده اللامحدود، لم يصبح فنانًا بدعم من أية قوى، هويته هي الفن الكوردي والكوردستاني.

كلّما عزف على أوتار بزقه-عوده وكلّما نفخ في نايه سمعنا وشعرنا بآلام الكورد، الكورد المخلصون لا يتقبّلون ضغوطات حزب العمال الكوردستاني بكك على الفن والفنانين الكورد ويقفون جنباً إلى جنب مع نظام الدين أريج.

مقالات ذات صلة