في 10 مارس/ آذار الجاري، تمّ توقيع اتفاق بين قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي ورئيس الإدارة السورية المؤقتة أحمد الشرع. بعد إبرام الاتفاقية، ناقشت كافة الأطراف والأحزاب السياسية ومن لهم باع في السياسة حول “من الرابح ومن الخاسر” في الاتّفاقية؟ حيث يزعم كافة اللاعبين السياسيين كما تزعم كافة الأطراف والقوى السياسية في الشرق الأوسط أنهم حقّقوا الانتصار.
ولكن، لم تنجح أي قوة سياسية بشكل كامل نتيجة لهذا الاتّفاق، نعم، الكلّ إمّا متقدم بسنتيمتر أو اثنين أو متخلّف متأخّر بهذا القدر، ولكن لا يوجد نصر ولا هزيمة لأي طرف على الساحة، لّان هذا الاتفاق ما هو إلا محطّة راحة تأخذ فيه كلّ قوة قسطاً قصيراً من الراحة، وتكسب الوقت، وتنتظر انتهاء هذه الأجواء الضبابية من أجل رؤية طريقها بشكل أفضل. هذا الاتّفاق ليست النهاية، بل هو عملية أو محطّة يستعدّ فيه كلّ الأطراف للمعاهدة النهائية المصيرية، لذلك، ليس من الضروري أن يعقد الإنسان آمالاً كبيرة عليه أو يحيط به اليأس من كلّ جانب بسببه.
ولكن، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للكورد، هذه العملية غاية في الأهمية كما أنها حسّاسة للغاية، ولكنها كما قلنا ليست نهائية مصيرية بالنسبة للكورد أيضاً، لذا ليس من الضروري أن نكون متشائمين محبطين، كما ينبغي أن نعرف أنه لا وجود لاي انتصار كبير على الساحة، في الواقع، لم يحقّق الكورد أية مكاسب أو إنجازات تُذكر من خلال هذا الاتفاق المبرم، ولكن لو ناقش الكورد الجوانب الإيجابية والسلبية لهذا الاتّفاق على حدّ سواء بعقلية سليمة فممّا لا شكّ فيه أنهم سيتخذون خطوات آمنة إلى الأمام. أو لا يمكن الحصول على أي شيء من وراء عبارات كـ “فعلتها وانتهى” لذلك يجب علينا دراسة هذا الاتفاق بموضوعية وتعقّل.
من الضروري أن نقول في البداية إن الجانب الإيجابي الرئيسي لهذه الاتفاقية هو أن انتهاء “خطابات وتهديدات بشنّ العمليات العسكرية أو احتلال تركيا لروجآفا كوردستان-كوردستان” وطيّ هذه الصفحة.
وإذا ما لخّصنا الوضع في عدة عناوين رئيسية…
النقطة الأولى ليست ضامنة لحقوق الكورد
ما ورد في المادة الأولى من الاتفاقية من “ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسّسات الدولة، بناءً على الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية” لا معنى ولا جدوى له بالنسبة للكورد، لأن وزير الخارجية الحالي لـ أحمد الشرع هو كوردي من الحسكة. فالمهمّ ليس التمثيل الشخصي للكورد، بل تمثيل للهوية الوطنية والقومية الكوردية. فحتى لو وضعتم مظلوم عبدي مكان أحمد الشرع فلا يغيّر ذلك شيئاً من الموقف الكوردي. فقد كان توركوت أوزال كورديًا أيضًا. في الوقت نفسه، كان وما زال هناك عشرات الوزراء الكورد في إدارة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وكانوا يدّعون أنهم كورد ولكن للأسف الشديد ليس بهويتهم الوطنية.
النقطة الثانية تنكر الحقوق القومية للكورد: وصف الكورد بـ (المجتمع الكوردي)
في المادة الثانية من الاتّفاقية هناك وصف آخر للكورد، “المجتمع الكوردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقّه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”.
هذه المادة إيجابية كونها تشير إلى الكورد وتسمّيهم باسمهم، لكنها لا تشمل الإدارة الكوردية، في نصّ الاتفاقية باللغة العربية لم يتمّ استخدام مصطلحات مثل “الشعب الكوردي” أو “الأمة الكوردية” أو “القومية الكوردية” بل تمّ فقط ذكر “المجتمع الكوردي”. فما هو المجتمع؟ المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الناس تعيش سوية، وباستخدام مصطلح (المجتمع الكوردي) في الاتّفاقية هو نفي ضمني للوجود القومي للكورد، بمعنى آخر، لا توجد في الاتّفاقية ما يشير إلى “حقوق الكورد” أو “الحكم الذاتي الكوردي أو الكيان الكوردي”.
لو تذكّرنا أن سليمان دميريل أيضاً قال في عام 1991: “أنا أعرف حقيقة الكورد” ومن هنا فإن سياسة الدولة التركية تجاه الكورد واضحة. فكلّ تقارب لا يتمّ فيه الاعتراف بالكورد كأمة وقومية مختلفة هو شكل آخر من أشكال الاستعمار ولكن بعنصرية وتطرّف مختلف ومغاير.
فخطابات وتصاريح قادة ومسؤولي قوات سوريا الديمقراطية كالمتحدّث باسم هذه القوات فرهاد شامي وصالح مسلم الذين يحاولون شرح نقاط الاتفاق بطريقة لطيفة ووفق أهوائهم قائلين “هذه النقطة تعني كذا وهذه النقطة تعني كذا” ليست ضرورية بل لا حاجة إليها البيتة، فالحق أنه لا يوجد في الاتّفاقية أي بند أو نقطة يمكننا أن نقول إن الكورد حقّقوا مكسباً من ورائها أو تصبّ في صالجهم.
وإذا رجعنا للتاريخ، فإن اتّفاقية 11 آذار/ مارس 1970، التي وقعها الملا مصطفى البارزاني والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حدّدت حقوق الكورد بشكل أكثر وضوحاً بكثير. بعبارة أخرى، فإن اتفاقية 10 مارس/ آذار 2025 تتضمّن مطالب أقل بكثير من اتفّاقية 11 مارس/ آذار 1970 بل لا يمكن المقارنة بينهما.
النقطة 4: تسليم مؤسّسات الإدارة الذاتية المستقلة للكورد التي هي مكسب وإنجاز 12 عامًا
تنص المادة الرابعة من الاتفاقية على: “دمج كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا (روجآفا كوردستان) ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. هذا يعني أن مؤسّسات الحكم الذاتي المستقلة في روجآفا كوردستان، والتي تُعتبر مكاسب وإنجازات طيلة 12 عاماً والتي تُعتبر معترفة بها شبه دولياً، سوف يتمّ دمجها للأسف الشديد ضمن إدارة الدولة السورية الجديدة وتسليمها لدمشق، وهذه خسارة كبيرة بالنسبة للكورد، كما أنه من غير الواضح أيضًا كيف سيتمّ تنفيذ ذلك.
في الأساس، عندما ننظر إلى هذه النقاط الثلاث المهمة بالنسبة للكورد، يمكننا أن نقول: هذه الاتفّاقية ليست اتّفاقية نصر للكورد، بل هي اتفاقية غبن وشحّ تجاه دماء 40 ألف شهيد ونزوح ودمار خلال 14 عاماً من مقاومة ونضال روجآفا كوردستان، كما أنها اتّفاقية لا تليق بمطالب هوية وحقوق الشعب الكوردي على الإطلاق.
حظر مخطّط أوجلان “الميثاق الوطني-ميساق ملي وروح أشمه” ونسفه
شرعنت الاتّفاقية رئيس الإدارة السورية المؤقتة وقائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني أكثر من شرعنتها للكورد، وأضفت عليه شرعية أكثر وخدمته أكثر من خدمتها للكورد، فقد لمعت صورته وعظّمته قبل زيارته الأوروبية المرتقبة، كما كانت بمثابة ستار غطّى المجازر والإبادات الجماعية التي ارتكبت بحقّ العلويين، وممّا لا شكّ فيه أن الكورد براء من ذلك ولا يتحمّلون مسؤولية هذه الاتّفاقية، فقد أبرمت الاتفاقية على طاولة اللاعبين الرئيسيين في هذا الصراع.
هذا الاتفاق ليس اتفاقاً بين قيادة قوات سوريا الديمقراطية والشرع، بل كانت نتيجة حتمية لاجتماع الـ 14 من شباط المنصرم بشأن سوريا الذي عُقد في باريس، أي تمّ إبرام هذه الاتّفاقية وفقاً لأجندات الولايات المتّحدة وفرنسا. والكورد على أعتاب فرص كثيرة في هذا الصدد. فخلال الحرب العالمية الأولى، قامت القوى العظمى المهيمنة بتقسيم الكورد، ولكن هذه المرة يريدون دعم الكورد على مستوى عال. وهذه ميّزة وفرصة عظيمة لروجآفا كوردستان، كما أن هذه القوة أطّرت وحدّدت من قدرة تركيا أيضاً.
بل في واقع الأمر، نسفت هذه الاتّفاقية الأجندة ومخطّطات عبد الله أوجلان وتركيا تجاه روجآفا كوردستان وحظرتها، ورغم أن صالح مسلم وأنصار حزب العمال الكوردستاني وأتباعه يقولون إن “الاتفاق تمّ توقيعه بناء على رسالة أوجلان لروجآفا كوردستان” إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فلو كانت رسالة أوجلان رسالة اعتزاز وكرامة لتمّت قراءتها بأسرع وقت ممكن.
فـ أوجلان يرفض كورد روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا في رسالته. لذلك لا تتمّ قراءة رسالة أوجلان، كما أنه نهج وفكر أوجلان لم ينتصر في روجآفا كوردستان ولم يؤت ثماره، لأن الخط العام لأوجلان هو خط “الميثاق الوطني-ميساق مللي” وقد حدّد آبو نهجه لروجآفا كوردستان في عام 2014 في “روح أشمه” أي أنه أراد أن يكون روجآفا كوردستان تحت سيطرة تركيا واحتلالها، وهذا ما لم يحدث ولم يتحقّق.
ولكن رغم هذا، هناك خطران رئيسيان يحدقان بـ روجآفا كوردستان:
الأول: وجود تركيا والثاني: وجود أوجلان
ومن المؤسف أن الذين يشغلون مناصب عليا في المؤسّسات السياسية والإدارية في روجآفا كوردستان هم تلامذة مدرسة أوجلان. ولذلك فهم لا يملكون القوة للنظر إلى القضية ورؤيتها من منظور قومي وطني كوردستاني، هذه العقلية الآبوجية باتت لعنة تطارد كورد روجآفا كوردستان طيلة مدة 12 عامًا وتلحق بهم الهزيمة تلو الأخرى، ولو أن الكورد اتّخذوا الموقف الصحيح منذ البداية لكان الوضع الآن مختلفاً ومغايراً تماماً، فما يمكن أن ينقذ روجآفا كوردستان ويحرّره هو نهج الكوردايتي الحقة والابتعاد عن أوجلان والعمال الكوردستاني بكك وفكّ الارتباط بهما.
رغم كلّ هذا، لا ينبغي أن نكون متشائمين تمامًا، كما لا ينبغي صناعة صنم من مظلوم عبدي أو من ذاك أو من أي شخص آخر. هذا الاتّفاق ليس نتيجة نهائية، بل هو البداية فحسب، وروجآفا كوردستان هو البقعة الكوردستانية التي يفدي عموم الكورد من أجل حمايتها…