توقيت القرار بحلّ الحشد الشعبي كان ذكياً في وقت تتساقط فيه قطع الدومينو التي كانت تمثّل عمقاً إستراتيجيا للحشد الشعبي بدءا من حزب الله اللبناني وتمزيق حماس وانتهاء بسقوط نظام الأسد…
هل يكون الحشد الشعبي حجر الدومينو التالي؟
أخيراً، قرّر المجتمع الدولي رفع وصاية “اللادولة” على الدولة العراقية، قرار وإن جاء متأخراً أفضل من بقاء الحال على ما كان عليه. ها هو المجتمع الدولي يفرض قراره على الحكومة العراقية بالترهيب أو الاستسلام للأمر الواقع، لا فرق ما دام الهدف واحداً وهو انصهار اللادولة في جسد الدولة، حيث لا يمكن لثنائية الدولة والمقاومة أن تتقاطع في قرارات السلم والحرب، وأنَّ هذه السردية ستنتهي بقرار شيعي حسب ما صرّح به مستشار لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
يبدو أن اختيار توقيت القرار بحلّ الحشد الشعبي كان ذكياً بتزامنه مع تساقط قطع الدومينو التي كانت تمثّل عمقاً إستراتيجياً وعوامل قوة للحشد الشعبي، بدءاً من انهيار حزب الله اللبناني ومقتل أمينه العام حسن نصر الله، وتمزيق حماس بعد اغتيال إسماعيل هنية، وسقوط سوريا بعد هروب رئيسها بشار الأسد ليأتي الدور على العراق.
في تتبع الأحداث يتضح أن هناك قراراً عراقياً سيصدر من الحكومة العراقية بحلّ الحشد الشعبي وبموافقة أو رضا من المرجعية الدينية في النجف بعد أن وصل الحال إلى التهديد بإسقاط النظام السياسي، وأن المرجعية الدينية في النجف التي أصدرت قرارها بتأسيس الحشد في 13 يونيو 2014 لمواجهة تهديدات داعش الإرهابية التي اجتاحت ثلث الأراضي العراقية في فترة نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق يتوجّب عليها إصدار فتوى بحلّ هذه المؤسّسة وتسليم سلاحها إلى الدولة وهو المسمار الأخير الذي يُدق في نعش اللادولة.
حلّ الحشد الشعبي الذي قد يصدر بفتوى أو مباركة حكومية ستكون له ارتدادات مدمّرة تشمل هيئات اقتصادية لفصائل مسلّحة ومصارف وبنوك كانت تُهرّب الدولار خارج الحدود وإعلاماً سيصبح معطلاً.
بالتأكيد إن قرار الحلّ سيفتح الكثير من الأبواب المغلقة التي يُعتقد أنه من الصعب التكيّف معها أو الاستجابة لها، فقوام الحشد الشعبي يبلغ عدد أفراده ما يقارب نصف حجم الجيش النظامي، في حين يرى البعض أن هذه الأعداد مُبالغ فيها لما يحويه من مقاتلين يوصفون بالـ “فضائيين” يتلقّى قادتهم الرواتب بدلاً عنهم بعد أن وصلت الميزانية السنوية للحشد إلى ما يقارب 2.7 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم بكل المقاييس. أما قرار الحلّ فيعني أن ذلك المبلغ سيعود إلى خزينة الدولة ومعه كلّ الأسلحة والمعدات الثقيلة والمُسيّرات، ليصبح الاستنتاج هو انتهاء نفوذ الفصائل التي كانت تمتلك أذرعاً مسلّحة في اتّخاذ القرار السياسي وحتى السيادي بعد أن كانت تتلقى أوامرها من خارج الحدود،
يضاف إلى ذلك وقف التمويل للمئات من الإعلاميين والمدونين ومحطات فضائية ومحللين سياسيين وأبواق دعائية كانت تتلقى الدعم من تلك الميزانية المليارية، فكيف سيكون الحال عندما تصبح هذه الخزينة خاوية؟
في قرار حلّ الحشد الشعبي يعتقد المجتمع الدولي بأنه سيقضي على معقل النفوذ الإيراني، لكن الاعتقاد في الأوساط العراقية كما هو عند بعض الغربيين أن النفوذ الإيراني يمتد إلى الكثير من المفاصل السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية. ففي تقرير نشرته وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” في منتصف فبراير من العام 2022 أقرّت بأن “الميليشيات الإيرانية المناهضة للولايات المتحدة في العراق لديها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية العراقية، وتستفيد من أموال دافعي الضرائب الأميركيين منذ فترة طويلة.”
لا تغيب عن الذاكرة كيفية إزاحة السلطة لعبد الوهاب الساعدي من رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب خلال فترة حكومة عادل عبد المهدي وهو ما تسبّب بغضب شعبي واتهامات لعبد المهدي بتنفيذ أجندة إيرانية لتدمير الجهاز.
ما نريد قوله إن قرار حلّ الحشد الشعبي الذي قد يصدر بفتوى أو مباركة حكومية ستكون له ارتدادات مدمّرة تشمل هيئات اقتصادية لفصائل مسلّحة ومصارف وبنوك كانت تُهرّب الدولار خارج الحدود وإعلاماً سيصبح معطلاً بعد أن أصبح لا يجد ما يتحدث عنه، والأهم أن تلك الفصائل ستنكفئ عن المناطق السنية التي كانت تستوطنها، وسيضيع القرار السياسي الذي كانت تصادره بقوة السلاح. فهل سيكون من السهل تنفيذ هذا القرار والاندماج بالحياة السياسية؟ وهل تبقى الولايات المتحدة ومن معها من حلفاء مكتفية بحلّ الحشد الشعبي دون تدمير ما تبقى من النفوذ الإيراني في الداخل العراقي؟ نعتقد أن الأمر لن يتوقف عند ذلك الحد…
سمير داود حنوش… كاتب عراقي