بالتزامن مع التطورات والمستجدّات على الساحة السورية، تتّجه أنظار الكورد في كافة أجزاء كوردستان والعالم صوب روجآفا كوردستان-كوردستان سوريا، وباتت آمالهم معقودة على تحقيق الوحدة الوطنية وتوحيد الصف الكوردي بين الأطراف والأحزاب والحركات الكوردية في ذلك الجزء من كوردستان، وأن يتوجّهوا بموقف موحّد وفي وفد تفاوضي مشترك صوب دمشق، بل وحتى العديد من الأحزاب ومؤسّسات روجآفا كوردستان باتت على قناعة تامّة من ترك القضايا الخلافية القديمة جانباً، والقفز على مشاكل الماضي والبحث عن حلول آنية والتركيز على المستقبل، بهذا الصدد، دعت العديد من هياكل وكيانات حزب العمال الكوردستاني في روجآفا كوردستان أيضاً وفي أكثر من مرة لمثل هذه الدعوات، لكنها لم تحدّد بوضوح نوع وكيفية الوحدة التي ترغب بها، والسبب هو أن حزب العمال الكوردستاني لم يكن اتّخذ قراره بعد.
لكن، الموقف الذي أطهرته وسائل إعلام العمال الكوردستاني خلال اليومين الماضيين هو أن الحزب اتّخذ قراره الخاص بشأن روجآفا، وأن قراره يتمثّل في أنه لا يريد أي وحدة وطنية كوردية في روجآفا كوردستان، وهذا ما يُفهم من خلال تقرير نشرته وكالة فرات للأنباء (ANF) والتي تُعتبر وسيلة الإعلام الرئيسية والرسمية ولسان حال حزب العمال الكوردستاني بكك.
وكالة فرات للأنباء: اجتماع استخباراتي تركي –كوردي لمنع الاتفاق الكوردي في هولير!
نشرت المؤسّسة الإعلامية الرسمية لحزب العمال الكوردستاني بكك، خبراً بعنوان (اجتماع استخباراتي تركي–كوردي لمنع الاتفاق الكوردي في هولير-أربيل) وجاء في الخبر المؤلّف من خمسة أسطر أن (كلاً من جهاز الاستخبارات التركية وجهاز البارستن والمجلس الوطني الكوردي في سوريا، عقدوا اجتماعاً سرياَ مشتركاً بتاريخ 14 من كانون الأول في هولير-أربيل وقرّروا خلال الاجتماع بعدم الانضمام الى الاتفاق الكوردي!) مؤكّدة على أن “الاجتماع استمر لمدة ثلاث ساعات!” ممّا لا شكّ فيه أن الخبر تمّ إعداده بالكامل وبامتياز على طاولة حزب العمال الكوردستاني بكك، والحقّ، أنه يمكن النظر إلى هذا الخبر الموجز على أنه تحذير من تحرّك جديد للعمال الكوردستاني في خلق الفتنة.
وبلا شكّ، لم يُعقد مثل هذا الاجتماع في أربيل بتاتاً، لكن اجتماعات العمال الكوردستاني بكك مع الأطراف والدوائر السياسية في بروكسل وأنقرة وكذلك في كركوك مستمرة ومتواصلة، والموضوع المشترك لكلّ هذه الاجتماعات واللقاءات هو (روجآفا كوردستان) فالعمال الكوردستاني بكك وفي هذه الحقبة المستجدة في رحلة بحث مستمرة عن سماسرة لبيع قواه المتبقية “وحدات حماية الشعب YPG وحزب الاتّحاد الديمقراطي PYD” بعد سقوط نظام الأسد، بسعر أفضل! فقادة العمال الكوردستاني الذين يقيّمون كلّ صغيرة وكبيرة لم يتفوهوا بكلمة واحدة بعد سقوط أقوى حليف لهم (حزب البعث السوري ونظام الأسد) الحليف على مدى 40 عاماً أو أزيد، نعم، لم يظهروا على شاشات التلفاز ولم يحلّلوا ولم يقيّموا… لأن حساباتهم كانت خاطئة، فحتّى قبل عام كان حزب العمال الكوردستاني يرتهن على إيران وأذرعها في المنطقة، ويعتقد ويزعم أن المنتصر الأكبر في الشرق الأوسط هو حليفتهم إيران، ولأنه كان حلقة هامة في الجبهة المدعومة إيرانياً، فهذا ما دفعه إلى محاربة أي حركة أو مؤسّسة كوردستانية خارج أطرها أو جبهتها مع إيران ومحور الممانعة…
يعتقد حزب العمال الكوردستاني أن إيران والعراق سيقلصان حجم ونفوذ الحزب الديمقراطي الكوردستاني ويمنحانه موقعه، وسيكون قادرًا على فعل ما يريد في دمشق، والأمرّ من هذا عندما يقوم بالتسويق لغبائه هذا وتصديره للعالم!
العمال الكوردستاني وعن طريق متاجرته بروجآفا يحاول تعويض هزائمه
لكن العملية لم تسر كما يحلو له، حيث فقدت إيران كلّ أذرعها ووكلائها وخسرت قلاعها الحصينة واحدة تلو الأخرى، كما انهار الاتّحاد الوطني والعمال الكوردستاني بانهيار أسيادهم (إيران) وانهيار محور المقاومة وانكسار الهلال الشيعي وانهيار مشروعه، والسبب وراء صمت العمال الكوردستاني تجاه التطورات والمستجدات في الشرق الأوسط خلال الأيام العشرة الأخيرة هو أنه يضع خطة للخروج من هذا الوضع المتدهور، ويدرس استغلال الوضع الراهن والمستحدث في الشرق الأوسط والذي سيكسبه روجآفا كوردستان والدعم الذي سيناله لإخفاء هزائمه وانتكاساته.
كان حزب العمال الكوردستاني قد انقسم في الحقيقة إلى ثلاثة طوابير، جزء مع مظلوم عبدي يتطلع إلى القوات الأميركية، بينما كان أوجلان في أحضان تركيا، في حين ارتمى جميل بايك في أحضان الدولة الإيرانية، ولكن رغم هذا، كان العمال الكوردستاني بكك مقتنعًا إلى حدّ كبير بأن الأسد وإيران سينتصران في سوريا. فحتّى عندما رُفع علم المعارضة السورية على قصر الأسد بدمشق، لم ينزل الحزب علم النظام في قامشلو على أمل إحيائه من موتته من جديد، ولكن الآن، انهارت النسخة الإيرانية لحزب العمال الكوردستاني، والتي مركزها ومقرّها ومعقلها محافظة السليمانية، ولكي ينقذ نفسه وينأى به عن إيران التي باتت تتقلّص تدريجياً، سيجعل من نفسه وكأنه واقع تحت تأثير أوجلان وأذرعه، أو اتّباع منحى مظلوم عبدي.
من سيمثل الكورد في لوزان الشام-دمشق؟
مؤخّراً، نشر موقع “Rojnews-روژنيوز” الإخباري لحزب العمال الكوردستاني، الذي يُذاع في محافظة السليمانية بإقليم كوردستان، مقالاً بعنوان “من سيمثل الكورد في لوزان السورية الجديدة؟” عندما لم يكن هناك أي لقاءات في دمشق، الملفت للانتباه هو قولهم بأن لوزان جديدة ستولد من رحم دمشق! إذ من الممكن أن تولد (سيفر جديدة) أيضاً في الشام، ولكن، هل تعلمون أن حزب العمال الكوردستاني لا يحبّ بل يبغض معاهدة سيفر، التي تقرّر فيها تأسيس دولة كوردية؟ فأوجلان يشيد كثيراً بمعاهدة “لوزان” حتّى قال: “أقترح لوزان اجتماعية!” فنوايا العمال الكوردستاني بكك تنحصر في الحصول على مقعد حول طاولة لوزان المزمع إقامتها في دمشق، ومع ذلك، كتبت وسائل إعلام بكك أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني سيلعب دور حسن خيري. فـ “حسن خيري” كان شاباً عديم الخبرة والتجربة، حاول استراك أخطائه، لكنه أُعدم. لنكن صريحين، حسن خيري ذاك أشرف من جميل بايك الذي قال “لن ندع إيران تنهار أو تسقط!” وكذلك أشرف من أوجلان الذي قال “أمي تركية، لا أرى نفسي كـ كوردي!”.
نعم، حزب العمال الكوردستاني ينتظر بفارغ الصبر الجلوس على طاولة لوزان، ليقرّر لأي قوة سيبيع روجآفا كوردستان خلال المزاد.
لم تعقد أي اجتماعات في أربيل لكنّ الاجتماعات عقدت في كركوك
عندما كان هذا الخبر في طور الكتابة، كان رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي، فالح الفياض موجوداً في كركوك، كما أن قيس الخزعلي، أشدّ المتطرفين الشيعة والقيادي في الحشد الشعبي الشيعي، ايضاً متواجداً في كركوك. كانت الأحزاب والأطراف الشيعية العراقية تناقش تدهور سوريا وانهيار نظام الأسد، وبحسب المعلومات التي وصلتنا فقد تمّ عقد اجتماعات مع حزب العمال الكوردستاني والاتّحاد الوطني الكوردستاني أيضاً، وطلب من العمال الكوردستاني الكشف عمّا دارت في نقاشات الولايات المتّحدة مع الإدارة الذاتية لروجآفا كوردستان وماذا طلبت منها، كما تمّت المطالبة بالمعلومات اليومية حول تحركات روجآفا، وعُلم أيضاً أن إيران أرادت عرقلة التطورات من أجل كسب مزيدٍ من الوقت.
أي أنه لم يكن هناك اجتماع في أربيل، بل كان هناك اجتماعاً في كركوك.
كما وتُعقد اجتماعات أيضاُ في إمرالي، أي أن هناك اجتماعات سرية لحزب العمال الكوردستاني.
من يريد وحدة الكورد فعليه الحذر…
نعم، الجميع يريد تحقيق الوحدة الوطنية وتوحيد الصف الكوردي، ولكن دعونا لا ننسى أقرب التواريخ إلينا، لقد رأينا بأم أعيننا كيف هدم حزب العمال الكوردستاني بكك اتفاقيات أربيل-دهوك عام 2012 وسحقها، واستخدم روجآفا كوردستان واستثمره لمصالحه الحزبية الضيّقة، وما زال نفس السيناريو يستمر، حيث يردّد الحزب خطابات الوحدة هنا وهناك في محاولة منه لكسب المزيد من الوقت وإقامة علاقات جديدة، عدا هذا الهدف لا دلالة ولا معنى لأي وحدة يطالب بها العمال الكوردستاني…