مهرّجو البلاط: أمراء الكراهية ضدّ الكورد

مهرّجو البلاط: أمراء الكراهية ضدّ الكورد

الجزء الثاني

بقلم… ماهر حسن

من الواضح أن البعض يعتقد أن الكورد جاءوا إلى سوريا منذ خمس دقائق فقط، مثلهم مثل أي زائر عابر، مجرّد طارئين على “الوطن” الذي يدّعون أنه ملك لهم وحدهم. هل يظنّ هؤلاء أن الكورد سقطوا من السماء أو جاؤوا على ظهر القمر؟ الحقيقة أن الكورد عاشوا في هذه الأرض قبل أن يولد هؤلاء “الوطنيون” المزيفون، الذين يتفنّنون في تزوير التاريخ كما يتفنّنون في تغيير مواقفهم السياسية.

والأغرب من ذلك، أن أولئك الذين يهاجمون الكورد اليوم هم أنفسهم من كانوا “أبطالاً” في التطبيل للعثمانيين ثمّ للفرنسيين، وتوَّجوا “مآثرهم الوطنية” في العقد الأخير بشعارات فارغة من البعث، قبل أن يركبوا قطار “الثورة” بمجرّد أن عرفوا أن فيه “فائدة شخصية”. هؤلاء أنفسهم لا يتردّدون في التصعيد ضدّ الكورد، في الوقت الذي يظهر فيه الكورد ثباتًا في مواقفهم ورفضًا للتغيير من أجل السلطة أو المصلحة.

هل يعتقد هؤلاء “الوطنيون” أن التاريخ يبدأ من حيث تبدأ أهواؤهم؟ بالطبع لا. هم يتجاهلون الواقع الذي يقول إن الكورد كانوا هنا قبل أن يصبح مفهوم “الوطن” جزءًا من القاموس السياسي. الكورد كانوا يعيشون في هذه الأرض عندما كانت سورية مجرّد بؤرة صغيرة من حياة تعجّ بالشعب المتنوع. هم موجودون هنا قبل أن يكتشف بعض هؤلاء “الوطنيين” أنفسهم في فضاء البلاد، وقبل أن يطالبوا بالتخلّي عن أي شيء من هذه الأرض لمصلحة “الهوية الوطنية” الزائفة التي يصنعونها على مقاس مصالحهم.

وإذا أردنا الحديث عن خطاب الكراهية الذي يحيكه البعض ضدّ الكورد، فإن السخرية تتجسّد في أنهم لا يقدّمون أي بديل. بدلاً من التفاعل مع الواقع بمرونة وتقبّل التنوّع، يجدون في الكورد مصدرًا للهجوم. لماذا؟ لأن الكورد لا يقبلون أن يكونوا مجرّد دمى في يد أحد، ولا يقدّمون ولاءاتهم لأحد. هذه هي مشكلتهم؛ يعتقدون أن الكورد يجب أن يكونوا مثلهم، يتغيّرون بسرعة ويتحوّلون حسب المصلحة. ولكن، كما يبدو، هذا لا يعجبهم، لأن الكورد ثابتون على مبادئهم، وهذا أكثر ما يخيفهم.

لا يخفى على أحد أن هناك دائمًا من يروّج لأفكار محاربة الكورد بغية وتحت ذريعة حفظ سوريا من التقسيم والتفتيت كحلّ للمشاكل القائمة. هذه الأفكار عادة ما يتمّ الترويج لها من قبل أطراف خارجية مثل تركيا أو حتى من بعض الأطراف الداخلية التي ترى في تقسيم سوريا فرصة لتحقيق مكاسب سياسية وأمثلة ماثلة أمام العين، عفرين، أو اقتصادية على حساب المصلحة العامة. ولكن من المؤكّد أن التوصّل إلى حلول سلمية ومجتمعية حقيقية يتطلّب بناء تحالفات وطنية تستند إلى الاعتراف المتبادل بحقوق جميع مكوّنات الشعب السوري، بمن فيهم الكورد.

لكن السؤال هنا: ماذا يعرض هؤلاء المتحدثون ضدّ الكورد كبديل؟ الإجابة بسيطة: لا شيء. هؤلاء الذين يروّجون لخطابات الكراهية لا يقدّمون حلًا ملموسًا للواقع الذي تعيشه سوريا، بل يواصلون البحث عن أعداء وهميين، بينما يتركون المشاكل الحقيقية دون معالجة. بدلاً من التعامل مع التنوّع وتقبّله، يجدون في الكورد مجرّد حجّة للهجوم، لأنهم لا يستطيعون مواجهة الثبات الكوردي في المبادئ.

أحد الأسباب التي تجعل الكورد هدفًا لهذه الهجمات هو أنهم لا يتغيرون بسهولة. في زمن يتّسم بتقلّبات سياسية كبيرة وتحوّلات مفاجئة في الولاءات، يبقى الكورد ثابتين في مطالبهم. لا يتنقلون بين القوى كما يفعل البعض من “الوطنيين المزيفين”، بل لديهم رؤية واضحة لمستقبلهم وحقوقهم. وهذه الثباتية هي ما يخيف البعض، لأنهم يعتقدون أن التغيير السريع في الولاءات هو الطريقة الوحيدة للبقاء في دائرة السلطة.

مقالات ذات صلة