لا يعدو عمر الأحزاب السياسية الحديثة في كوردستان الـ 100 عام. ولم يغتال أي من هذه الأحزاب أعضاءها الذين انشقّوا عن رفوفها وانضموا إلى حزب آخر عندما لم تعد أفكارهم تتناسب مع مبادئ الحزب.
كما لم يقم أي تنظيم بتخوين من انشقّ عن صفوفه، بخلاف حزب العمال الكوردستاني بكك الذي حرّف مفهوم الخيانة ومحدّداتها كما حرّف العديد من المفاهيم الفكرية والسياسية وجرّدها من مدلولاتها.
في الـ 7 من تشرين الأول، أغتيلت امرأة ثلاثينية وزوجها ذو الـ 34 عاماً في قضاء فايدة بمحافظة دهوك، كانا قد انشقا عن رفوف العمال الكوردستاني بكك وبدآ بحياة جديدة. ولتخفيف بؤس الحياة كانا يشتغلان، فالشاب جوان رزكار كان يعمل في مجال البناء بينما زوجته ليلى محمدي (من روجهلات كوردستان-كوردستان إيران) كانت قد أنجبت للتو طفلاً لم يتعدّى عمره 50 يومًا. ولم يكن هؤلاء جاسوسين لأي قوة أو حزب. ولم يقولا أي شيء سيئ عن بكك، كان (جرمهما) الوحيد أنهما انشقّا عن رفوف التنظيم! لم يكونا “خونة” بل على العكس تماماً، من اغتالهما وأصدر حكم موتهما كانوا خونة مجرمين ظلمة كسرطان ينخر جسد الكورد…
فوفق حزب العمال الكوردستاني بكك؛ الطفل الذي يكبر في حضن عائلته، ويعيله ويربيه والداه بشقّ الأنفس، ويجندّه التنظيم في رفوف مقاتليه في سنّ مبكرة ولا يسمح له حتى بالتواصل مع عائلته أو رؤية حنان الأم أو عطف الأب… هذا ليس خيانة.
بحسب العمال الكوردستاني، عندما يتمّ اعتقال عبد الله أوجلان ويتوسّل في الدقيقة الأولى قائلاً “أريد أن أخدم الدولة التركية” فهذا ليس خيانة.
– لكن شاباً لا يعرف ما هو حزب العمال الكوردستاني بكك، ينضمّ إلى رفوفه في ريعان شبابه (15-16) عاماً، ويرى أنه ليس بإمكانه مواصلة هذه المسيرة فينشق عن رفوفه يعتبر خائناً في نظر التنظيم!
أو من أمضى 10 أعوام أو عشرين عاماً في رفوفه، يحارب ويقاتل ويصاب ويشعر بالجوع والعطش والعذاب… لا يُقال له بطل، لكن عندما يقول هذا الشخص: “تعبت، لا أستطيع الاستمرار، أنا بحاجة إلى راحة…” يقولون له (أنت خائن) على الفور!! أو بعدما يرى أن التنظيم غيّر مبادئه وأفكاره… فيقول: “لا أريد أن أناضل أو أموت من أجل هذا الفكر بعد الآن” يقولون له على الفور: “أنت خائن”.
كلّا، هؤلاء لم يخونوا، وليسوا خونة، بل خانهم حزب العمال الكوردستاني بكك وغدر بهم.
فعندما يتحدّث العمال الكوردستاني كثيراً عن الخونة، فاعلم أن التنظيم نفسه ارتكب خيانة عظمى. وخاصة عندما يقتل قدامى أعضائه ويغدر بهم، فمن الواضح جداً أنه يحاول جاهداً إخفاء خيانته الكبرى.
ولنتأمل معاً هذه الأمثلة:
المثال الأول
كان جلال آيدن أول كادر يُغتال بسبب انشقاقه عن رفوف العمال الكوردستاني بكك. عام 1977، علم جلال أن باقي قرار قُتل على يد بكك، وأصبح لديه شكوك حول أوجلان. لهذا انشقّ عن التنظيم، فجاؤوا به بحجة الحوار والنقاش وقتلوه! قال أوجلان: “ذلك الشخص خان القضية!”. كلّا، فـ جلال آيدن لم يكن خائناً. بل رأى حقيقة الخيانة والخونة فقُتل.
المثال الثاني
الدكتور. سليمان، (سعيد جوروكايا) انضمّ إلى رفوف حزب العمال الكوردستاني بكك من أجل إقامة كوردستان حرة ومستقلة. قام بالأنشطة وقاد النضال وسط المدن التركية، كان قائداً للگريلا، كان قائد إيالة ئامد، وبعدما قال أوجلان “أريد أن أخدم الدولة التركية” وغيّر أهداف واستراتيجية حزب العمال الكوردستاني بكك، وأصبح الهدف الرئيسي لبكك هو معاداة الدولة الكوردية ومحاربتها وعدم المساس بحدود الشرق الأوسط. قال الدكتور سليمان في المؤتمر السابع للحزب: “أنا لا أقبل هذه الأفكار، ولن أقاتل وأضحّي بنفسي من أجل هذا الهدف”. وانشقّ عن الحزب، فقال الحزب: “د. سليمان خائن!!” لكن الخونة الحقيقيين كانوا هم أنفسهم من اتّهموا الدكتور سليمان بالخيانة، سار الدكتور على نهجه وهدفه. حاول العمال الكوردستاني لأعوام اغتيال سعيد جوروكايا، بل حتّى عندما قدم إلى إقليم كوردستان للقتال ضدّ داعش، كان بكك يعدّ العدة لقتله!
هذان المثالان يكفيان دليلاً أن نتأكّد أن سبب مقتل المنشقّين عن بكك ليس بسبب “الخيانة” بل بسبب خيانة حزب العمال الكوردستاني وسياسته.
يستخدم العمال الكوردستاني العنف والظلم والوحشية كوسيلة لمصادرة إرادة الكورد، لا يدّخر جهداً في ترهيب الناس لكي يحنوا رؤوسهم أمامه، سبب آخر لقتل الأشخاص المنشقّين عن التنظيم ألا وهو محاولة غلق باب الانشقاقات لئلا يتجرّأ أحد كوادره على الانشقاق عن رفوفه.
يدعي حزب العمال الكوردستاني أنه سيحرّر الشرق الأوسط بأكمله والعالم كلّه، ويرسي الديمقراطية، لكن الحزب نفسه يغتال من خدموه لسنوات. فالحزب المعدوم الوفاء تجاه كوادره ورفاقه ومخلصيه ويغتالهم، لو استولى على السلطة فلا شكّ أنه سيقيم نظامًا قمعيًا ديكتاتوريًا وحشياً لا نظير له، ومن خلال قتل أعضائه واغتيالهم، يرسل بكك رسالة مفادها “بغض النظر عن مقدار خدمتك، فإن بكك هو قاتل رفاقه ومخلصيه!”.
شريف آلب سوزمن كان من دعاة بكك ومخلصيه، كان رجلًا مشلولًا، قُتل هو وعشيقته (عائشة ديزم) تحت وطأة التعذيب في ألمانيا بسبب علاقة حبهما. غرقت عائشة في مستنقع وحل، بينما تمّ دهس شريف بالسيارة مراراً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. كان عثمان باليج (شورش) قائدًا حربيًا لبكك، خلال الثمانينيات والتسعينيات، نجا مئات المرات من الموت بأعجوبة، في عام 2004، انشقّ عن رفوف التنظيم، فاغتاله بكك هو وطفلته (روشن) بوحشية على مائدة الطعام! أمضى كاني يلماز ومحمد شنر وحكمت فيدان سنوات من عمرهم يتذوّقون شتى صنوف التعذيب في زنازين دولة الاحتلال التركي، كانوا أعضاء قياديين مؤسّسين لبكك، خدموا الحزب أكثر من أوجلان نفسه، كما تحمّلوا المصائب والآلام… لكنّهم قتلوا لأنهم انتقدوا الحزب، هؤلاء الشخصيات لم يكونوا خونة. بل من أصدر أوامر قتلهم (جميل بايك، مراد قره يلان وبسي هوزات) هم كانوا خونة. كما أن من قتلهم ليسوا أبطالاً بل جبناء وخونة.
حركة حزب العمال الكوردستاني بكك تجعل من الرفاق قتلة بعضهم البعض، ولا تقدّم ولا تشرعن غير الموت لرفاقها ومخلصيها…