اجتماع هامّ عقد في اربيل عاصمة اقليم كوردستان، حيث استقبل الزعيم الكوردي مسعود بارزاني، قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، وأكّدا على ضرورة وحدة الصف الكوردي في روجآفا كوردستان في الفترة الراهنة، سلّطت وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية وكذلك المحلية الضوء على مجرى اللقاء، فيما استقبل الكورد على وسائل التواصل الاجتماعي هذا اللقاء بحفاوة وحماس منعدم النظير، من ناحية أخرى انزعجت وسائل إعلام دول الاحتلال والمناوئين وأعداء الكورد بهذا اللقاء التاريخي وأبدت استياءها البالغ، واللافت للنظر وسط هذه المواقف المتباينة هو موقف وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني بكك الفاتر والذي لم يولّي أي اهتمام بهذا اللقاء الكبير ومرورها عليه مرور الكرام!
اللقاء الذي جمع بين زعيم الكورد ومرجعهم مسعود بارزاني ومظلوم عبدي الذي وصل إلى العاصمة أربيل على متن طائرة أميركية، إشارة واضحة إلى أن الكورد في خضم الصراع والفوضى في الشرق الأوسط وسط رحلة بحث مضنية عن وحدة وطنية طالما كانت حلماً كوردياً، وصف اللقاء من قبل أعداء الكورد وخصومهم ومبغضيهم من اليساريين الأتراك والعنصريين الفاشيين المحتلين بأنه لقاء عادي لا معنى له ولا يحمل أي دلالات، حاول هؤلاء قدر إمكانهم إبداءه كلقاء اعتيادي لا معنى له، لكن المثير للاهتمام للغاية أن حزب العمال الكوردستاني حذا حذوهم وتبنّى الموقف نفسه تجاه اللقاء.
كتبت وكالة أنباء روج نيوز-اللغة الكوردية (Rojnews) التابعة لحزب العمال الكوردستاني والتي تصدر في السليمانية، أن مظلوم عبدي موجود في أربيل، وقالت في فحوى الخبر: “عبدي جاء لإجراء محادثات مع بعض الأحزاب والأطراف الكوردية”، دون أن تذكر اسم الرئيس بارزاني، وفي الوقت نفسه قالت في نفس الخبر أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني لديه اتفاق مع الأتراك ومتواطئ معهم ولا يدين ولا يستنكر الهجمات التركية. وبهذه الطريقة أراد التقليل من قيمة اللقاء والاجتماع من أجل الوحدة الوطنية وتوحيد الصف الكوردي، وتقويض الآمال الكوردية نحو وحدة الصف الوطنية.
بينما وصفت وكالة فرات للأنباء (ANF) التابعة لحزب العمال الكوردستاني بل والتي تعتبر لسان حال الحزب، وصفت اللقاء بأربعة أسطر فقط في قسمها باللغة التركية! بينما عنونت للزيارة بـ (مظلوم عبدي يعقد لقاءات مع الأحزاب الكوردية في أربيل) في قسمها باللغة الإنجليزية، فهي حاولت قدر الإمكان إخفاء أن زيارة مظلوم عبدي كانت خصّيصاً للقاء الرئيس بارزاني والاجتماع به، فوكالة فرات للأنباء أيضاً كـ (Rojnews) قلّلت من أهمية اللقاء وصوّرته على أنه اجتماع عادي لا أهمية له.
بعد إنهاء الاجتماع بساعات، تداولت آلاف المواقع والأشخاص مقاطع فيديو وصور اللقاء على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوا الاجتماع بـ (أمل الكورد) في الوحدة الوطنية، لكن وسائل إعلام العمال الكوردستاني بكك لم تنشر هذه المشاهد ومقاطع الفيديو أيضًا.
بينما لم تنشر صحيفة حزب العمال الكوردستاني “يني أوزغور بولوتيكا” والتي تصدر في أوروبا ولو خبراً واحداً عن اللقاء. بينما نشرت صحيفة حزب العمال الكوردستاني بكك “يني ياشام” والتي تصدر في تركيا خبراً عن اللقاء جاء فيه بأن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي والذي طالما دعا لتوحيد الصف الكوردي، زار أربيل وعقد اجتماعات مع الأحزاب والأطراف الكوردية!
بينما حفلت مواقع التواصل الاجتماعي الكوردية عموماً، وحتى أنصار حزب العمال الكوردستاني، وأبدت سعادتهم البالغة بهذا اللقاء التاريخي الذي جمع بين الرئيس بارزاني ومظلوم عبدي، لكن وسائل إعلام العمال الكوردستاني والتي هي لب التنظيم لم تفكر مثل أنصارها، هذا الإعلام الذي يتوجّه إلى أفريقيا ويقصد قبيلة أفريقية ويجعلهم يرفعون صور أوجلان لمجرد صناعة ونشر خبر… لم تولّي أي اهتمام بهذا اللقاء التاريخي وكتبت فيه أربعة أسطر فقط، ما يعتبر أمراً مهمّاً لفهم موقف بكك.
فـ إعلام العمال الكوردستاني بكك هو حزب العمال الكوردستاني بكك نفسه. ويمكننا أن نستنتج أن من يديرون بكك عدّوا اللقاء عادياً لا يحمل أي قدر من الأهمية، وأنهم سيواصلون موقفهم ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبارزاني. نعم، نريد ونأمل تحقيق الوحدة الوطنية الكوردية ولهذا السبب نقوم بفلترة كلّ الأخبار المتعلقة بحزب العمال الكوردستاني وروجآفا كوردستان عشرات المرات منذ بداية الصراع السوري والأسد، ثمّ نقوم بنشرها، لا نريد ولن نقوم بنشر أي شيء معادي لأي كوردي أينما كان، وينبغي على عموم الكور الوطنيين أن يبدوا هذه الحساسية، فحتى أولئك الذين يثقون بما لا مجال للشكّ أن أوجلان عميل جاسوس، يمارسون حقّهم في الصمت وتأجيل انتقاداتهم.
لكن على النقيض تماماً، لا تزال وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني تنشر أخباراً مسيئة معادية مفبركة مليئة بالعداوة والحقد والكراهية ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبيشمركة كوردستان والبارزاني كلّ يوم، وتقوم بالتطبيل للحكومة العراقية التي تحاول الاستيلاء على النفط الكوردي في كركوك، والتي هو حقّ تاريخي للكورد، وتدافع عنها، بشأن مسألة قطع رواتب موظّفي إقليم كوردستان من قبل الحكومة الاتّحادية، والمحاولات العراقية الجادة في تقويض اقتصاد إقليم كوردستان وحربها الاقتصادية على الإقليم وما إلى ذلك من القضايا والمشاكل المصطنعة نرى حزب العمال الكوردستاني بكك وإعلامه لا يدّخرون جهداً في الدفاع عن الحكومة العراقية وتوجيه انتقاداته إلى حكومة الإقليم وتحميلها مسؤولية خلق هذه المشاكل بهتاناً وزوراً، وبينما نرى نحن بأن اللقاء الذي جمع الرئيس بارزاني بـ مظلوم عبدي يعدّ لقاءاً تاريخياً وهاماً وخطوة هامة وضرورية في تحقيق وحدة الصف والموقف الكوردي… فلا نرى نفس الموقف ولا نحسّ بنفس المشاعر من قبل العمال الكوردستاني بكك.
وهذا ليس مفاجئا أو محلّ استغراب لمن يعرف حزب العمال الكوردستاني عن كثب وجيدا، لأن موقفه من الوحدة الوطنية الكوردية كان واضحاً طوال تاريخ الحزب، وكنتيجة حتمية باستطاعتنا القول إن الموقف الذي يتبناه إعلام العمال الكوردستاني بكك، والذي يتمثّل في سياسة الحزب منذ عام 2012 تجاه روجآفا كوردستان ووحدة الصف الكوردي والوحدة الوطني، لا يريد الحزب الاستمرار به، بل سيواصل بكك عداوته ومحاربته لبارزاني، ولن يسمح ببناء جسر تفاهم ولقاء بين الكورد، وعليه، يجب على هؤلاء الكورد الذين يريدون تحقيق الوحدة الوطنية حقًا أن يروا هذا الموقف لحزب العمال الكوردستاني وأن يقفوا بحزم ضدّ هذا الموقف الشائن لـ بكك، فإذا استمر بكك في مواقفه هذه ولم يتوقّف عنها، فإن الوحدة الوطنية للكورد لن تكون سوى شعارات رنانة فارغة لا تلامس أرض الواقع…