هل غيّر أوجلان وحزب العمال الكوردستاني موقفهما تجاه إقليم كوردستان، أم أنهما ينتهجان سياسة “التقية”؟

هل غيّر أوجلان وحزب العمال الكوردستاني موقفهما تجاه إقليم كوردستان، أم أنهما ينتهجان سياسة "التقية"؟

العملية التي بدأت بحلّ حزب العمال الكوردستاني على يد عبد الله أوجلان وإنهاء الكفاح المسلّح في 27 فبراير/ شباط 2025، أنهت القتال والصراع بين القوات المسلّحة التركية والعمال الكوردستاني.

عانى شعب إقليم كوردستان، وخاصةً منطقة بهدينان، معاناةً وويلات خلال هذا الصراع. فقد ظلّت هذه المنطقة المركز الرئيسي للصراع الدائر بين حزب العمال الكوردستاني وتركيا منذ عام 1991. فبعد عام 1992، نقل حزب العمال الكوردستاني قتاله بشكل منسق وممنهج إلى منطقة بهدينان. واستمر هذا الوضع لغاية عام 1999.

في عام 1999، تخلّى أوجلان عن الحرب في إمرالي. فساد اعتقاد في إقليم كوردستان-جنوب كوردستان أن الحرب قد انتهت وأنهم سيعيشون في سلام وطمأنينة ووئام. لكن، احتشد مقاتلو حزب العمال الكوردستاني بكك أو تمّ جمعهم وتحشيدهم وفقًا لاستراتيجية سرية على أراضي إقليم كوردستان. ورغم أن كلّ شيء بدا طبيعيًا في البداية وكانت قصص الأمل تُسرد على مسامع المقاتلين بوجود نهاية وحلّ، إلّا أن حزب العمال الكوردستاني خلق مفهوم “مناطق الدفاع المشروع-باراستنا مديا” واستقر وتمركز في أكثر الأماكن استراتيجية، وخاصة في مناطق بهدينان التي تُعدّ العمود الفقري لإقليم كوردستان، بشكل أدّى في النهاية إلى احتلال عموم هذه المناطق. تم تقييد الحركة إلى القرى ومُنع القرويين من العيش في قراهم، تمّ حظر وتعطيل التواجد الإداري والسياسي والعسكري لإقليم كوردستان في هذه المناطق. تم تقليص مساحات النفوذ لحكومة إقليم كردستان فيها. لكن الاعتقاد السائد لدى الرأي العام الكوردي كان واهماً بمقولة: “على أي حال، حزب العمال الكوردستاني بكك حزب كوردي وهذه المنطقة لا تزال في أيدي الكورد” لكن بعدها ومنذ عام 2019، سلّم حزب العمال الكوردستاني عموم هذه المناطق إلى الدولة التركية بشكل تدريجي وممنهج.

حاليًا، تسيطر الدولة التركية على 370 كيلومترًا من الحدود وتخضع هذه المساحة الواسعة لاحتلالها وهيمنتها، وإيمانًا واعتقاداً منهم بأن حزب العمال الكوردستاني بكك قد حلّ نفسه وفسخه وانتهى الصراع والقتال، وأن أهالي إقليم كوردستان سيعودون إلى قراهم. أنشأت حكومة إقليم كوردستان مشاريع خدمية في بعض المناطق. ولأول مرة منذ عام 2000، يخطّط أهالي ريكان ونيروه لبناء قراهم وإعادة الحياة إليها. ولكن، ووفقًا لبيانات رسمية من قائمقام قضاء آميديي-العمادية، فقد دُمّرت 160 قرية وخلت عن أي مظاهر للحياة، وقال إنه إلى أن تُرسي حكومة إقليم كوردستان سلطةً في هذه المناطق، ستظل هذه الزيارات أشبه برحلات سياحية ونزهات.

هل ستنسحب الدولة التركية وحزب العمال الكوردستاني من أراضي إقليم كوردستان التي احتلّوها؟!

الجيش التركي وحزب العمال الكوردستاني يعزّزان وجودهما في المنطقة…

منذ انتهاء القتال ووقف إطلاق النار في 27 فبراير/ شباط 2025 وحلّ حزب العمال الكوردستاني بكك نفسه في 7 مايو/ أيار، لم تنسحب لا الدولة التركية ولا حزب العمال الكوردستاني من الأراضي التي احتلّاها في إقليم كوردستان. بل على العكس تماماً، تُنشئ الدولة التركية قواعد ومقار وتحصّنها للمستقبل. كما يستمر حزب العمال الكوردستاني في بناء وتشييد أنفاق جديدة ويحاول فرض سيطرته وسيادته على المنطقة من خلال قواعد ومواقع عسكرية.

مصادر حزب العمال الكوردستاني بكك تؤكّد أن الحزب يسعى جاهدًا للحفاظ على وجوده وخاصة في منطقة گاره، وأنه سيقاوم من أجل ألّا يخسر هذه المنطقة ويتخلّى عنها.

أما حقيقة: هل أن الدولة التركية ترغب في انسحاب كلّي لحزب العمال الكوردستاني بكك من هذه المناطق؟ فهي محلّ شكّ ونقاش وجدل، إذ ينبغي تقبّل حقيقة أن: تواجد حزب العمال الكوردستاني في إقليم كوردستان ليس محض صدفة ولا ضرورة؛ بل هو حلقة من الخطة الاستراتيجية للدولة التركية.

هل تمّ حلّ مخطّط احتلال أربيل أيضاً بحلّ حزب العمال الكوردستاني؟!

ولكي ينسحب الطرفان من إقليم كوردستان، يجب إلغاء اتفاقية وخطة عام 1999 بين أوجلان والدولة التركية، المعروفة باسم “خطة أربيل” والتي تهدف إلى إنشاء وترسيخ حكم تركيا في إقليم كوردستان. أي أن السبيل الرئيسي لعودة الأهالي والقرويين إلى أرضهم وديارهم لا يقتصر على حلّ حزب العمال الكوردستاني بكك فحسب، بل يشمل أيضًا حلّ خطة أربيل بين العمال الكوردستاني والدولة التركية.

إن الخطة المشتركة لحزب العمال الكوردستاني والدولة التركية لاحتلال أربيل ليست خرافة أو أوهام ولا مجرّد كلام. بل هي حقيقة وواقع. وقد وُثِّق حديث عبد الله أوجلان مع الضابط التركي حسن أتيلا أوغور في إمرالي بالفيديو. حيث قال أوجلان: “ادعمونا سرًا وسنستولي على أربيل معًا”. وبعد عام 1999، طُبِّقت المعاهدة تدريجيًا. وحتى الآن، لا توجد أي مؤشّرات على إلغاء هذه الخطة.

أوجلان لا يزال يتاجر بنفسه في بازار السياسة على عداء البارزاني… وخطة أربيل قيد التنفيذ…

الحقّ أن الـ “مانيفستو” الذي قدّمه عبد الله أوجلان لمؤتمر حلّ حزب العمال الكوردستاني بكك، ومذكرات وملاحظات اجتماع 30 مايو/ أيار، أثّر تأثيراً سلبياً علينا. فـ تصريحات أوجلان ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحركة التحررية المئوية لمسيرة البارزاني الخالد ونهجه هي أمرٌ مؤسف. تصريحات أوجلان وأقواله ليست نقدًا، بل عداءٌ مباشر وصريح. تصريحاته، مثل “سأحمل السلاح وأقاتل ضدّ البارزاني” تُظهر مدى عداء أوجلان لنهج البارزاني. يجب فهم هذا الأمر جيدًا.

في مذكراته في آخر لقاء له، قال أوجلان: “لن ننسحب من مناطق الدفاع المشروع” بل عبّر عن نيته قائلاً: “إذا انسحبنا، سيدمر بارزاني القرى التي انسحبنا منها!”. وأضاف: “لن نغادر تلك المناطق أبدًا”.

ماذا تعني تهديدات أوجلان هذه؟ هذا يعني أن أوجلان يخاطب أعداء الكورد قائلاً: “بإمكانكم استخدامي وتوظيفي لتحطيم وتدمير الحركة السياسية لبارزاني، بإمكانكم استخدامي ضدّ حكومة إقليم كوردستان”.

وبمتابعة قريبة ونظرة عن كثب للهياكل والكيانات الحالية لحزب العمال الكوردستاني يظهر أن الحزب لا يملك استراتيجية للانسحاب من إقليم كوردستان، بل على العكس، يُجهّز نفسه ويستعد للتمركز في جبال ومدن إقليم كوردستان بشكل دائم وبشتّى الوسائل والطرق.

وبالفعل، يمكننا القول إن حزب العمال الكوردستاني يعيد الآن تقييم خطته السابقة تجاه أربيل ويريد تنفيذها من جديد.

في أحدث تصريح له لـ قناة رووداو، قيّم روج غراسون، مدير مركز راوست للأبحاث، أن “موقف أوجلان تجاه إقليم كوردستان قد تغيّر”. والحقّ أن هذا التقييم لا أساس له من الصحة، فقبل كلّ شيء، لم يشكر لا أوجلان ولا حزب العمال الكوردستاني إقليم كوردستان على موقفه ودعمه الأخير، بل ولم يُدليا بأي تصريحات إيجابية قط. بل على عكس تغيير موقفه صرّح أوجلان: “سأتوقف عن القتال ضدّ الدولة التركية وأقاتل البارزانيين”. فهل سنتجاهل تصريح أوجلان؟ بالطبع لا.

يمكننا القول بسهولة إن الحرب بين حزب العمال الكوردستاني بكك والقوات المسلّحة التركية قد انتهت، لكن الحرب ضدّ الحزب الديمقراطي الكوردستاني لم تنته بعد.

يُظهر الوضع الراهن على الساحة أن قوات حزب العمال الكوردستاني، التي تتنفس الصعداء الآن بعد توقّف الهجمات التركية، تُعزز قواعدها في إقليم كوردستان، وبينما تتقدّم في عمق الإقليم تسعى إلى الحفاظ على وجودها المسلّح تحت الأقنعة الثقافية والاجتماعية. فهم ينتهجون سياسة السيطرة الهادئة على المنطقة، ويسعون للضغط على حكومة إقليم كوردستان والحصول على التعويضات من سلطاتها.

حزب العمال الكردستاني ينتهج سياسة “التُقية”.

التقية مفهومٌ أساسي وركيزة ثابتة في سياسة حزب العمال الكوردستاني. التقية هي أن ينكر المسلم الإسلام ويُظهر نفسه على أنه ليس بمسلم هرباً من موقفٍ صعب أو تحفظاً من ضرر، وقد ذُكر هذا في سورة النحل، ويُجيز للمسلمين القيام به. مفهوم التقية خرج من مفهومه الديني والإسلامي، ويُستخدم اليوم لإخفاء أهدافه وتنفيذ مخطّطاتٍ سريةٍ أخرى. واليوم، يتبع حزب العمال الكوردستاني هذه السياسة ضدّ الكورد، وخاصةً ضدّ إقليم كوردستان. أي أن “الهدف مختلف والقول مختلف-القول والهدف مختلفان”.

ونظراً لأن أوجلان وحزب العمال الكوردستاني يمرّان الآن بمرحلة حرجة ووضع صعب لا يُحسد عليه، فهم بأمسّ الحاجة إلى دعم البارزاني -كما هو الحال دائمًا- ولهذا الغرض فهم يستخدمون سياسة التقية، فـ أوجلان بنفسه عبّر صراحةً عن رغبته في لقاء الرئيس بارزاني، في الوقت نفسه يقول لمسؤولي الدولة وصنّاع قرارها: “سأمنع قيام دولة كوردية، وسأقاتلهم”. وفي الوقت نفسه، يقول أوجلان ذاته لـ نيجيرفان بارزاني: “من المهمّ جداً أن تتولّى أنت أيضاً قيادة هذه العملية” كما يتسوّل ويقول: “يجب أن يمنحونا مكانًا-منصباً في حكومة إقليم كوردستان”. يا لها من تقية! بل هي محاولة لتدمير وهدم إنجازات إقليم كوردستان باسم الوحدة الوطنية-القومية.

يجب تهديم وتدمير سياسة التقية هذه. فإذا فشلت سياسة حزب العمال الكوردستاني هذه، فستفشل سياسة الدولة التركية أيضًا.

ينتظر الشعب الكوردي، وخاصةً شعب إقليم كوردستان، الآن من حزب العمال الكوردستاني اتّخاذ خطوات في نقاط أربع. هذه النقاط الأربع هي:

1- على أوجلان أن يعلن بصراحة ووضوح أنه أنهى خطة أربيل.

2- على حزب العمال الكوردستاني أن يُعلن حلّ جبهته وساحته العسكرية باسم “مناطق الدفاع المشروع”.

3- على حزب العمال الكوردستاني تسليم جميع ساحاته وجبهاته في إقليم كوردستان، وخاصةً منطقة گاره إلى قوات البيشمركة الكوردستانية. وعلى البيشمركة الحفاظ على الأمن العام في هذه المناطق.

4- على مقاتلي-گريلا العمال الكوردستاني من باكور كوردستان-كوردستان تركيا الموافقة على البقاء تحت سيطرة البيشمركة في جبهات غير نشطة حتى التوصّل إلى اتفاق بين الحزب والدولة التركية.

إذا التزم حزب العمال الكوردستاني بهذه النقاط الأربع ونفّذها، فسنعترف ونقول بمليء أفواهنا إننا أخطأنا في توقعاتنا بشأنكم، وسنعلن جهارًا نهارًا ونقول إن حزب العمال الكوردستاني لم ينتهج ولم يمارس التقية، أما إذا لم يلتزم حزب العمال الكوردستاني بكك بهذه المطالب، فهو يمارس التقية بلا شكّ…

مقالات ذات صلة