الجزء الثاني
حقيقة “المظلومية
بقلم… ماهر حسن
في عالم الإعلام العربي السوري، تبدو “المظلومية” حقّاً حصرياً للبعض، في حين يفرض على الآخرين الصمت القسري حتى عندما يكونون في قلب المأساة. الكورد، الذين عانوا لعقود طويلة من التهميش، القمع والإبادة، لا يجدون مكانًا لصوتهم في المشهد الإعلامي السوري، بينما يتمّ تضخيم كلّ حادثة تصيب طرفًا عربيًا وكأنها نهاية العالم.
لكن السؤال الذي يجب أن يطرح: لماذا تعتبر معاناة الكورد قضية هامشية أو حتى “مشكوك فيها”، بينما تضخّم كلّ مأساة عربية لتتحوّل إلى قضية مصيرية؟ لماذا يسلب الكوردي حقّه في رواية واقعه بينما يحتفى بأي مأساة عربية مهما كانت صغيرة؟
الإعلام العربي السوري لا يتعامل مع القضايا بميزان العدل، بل بميزان الهوية والانتماء العرقي. عندما يقتل مدني عربي، تتحوّل القضية إلى عنوان رئيسي، ويتمّ استدعاء كلّ مفردات “الإبادة” و “الوحشية” و “المؤامرة”. أمّا عندما يقتل كوردي أو يتعرّض للتهجير والتهميش، فإنه يصبح “تفصيلاً صغيراً” في الأخبار، أو يتمّ تشويهه حتى يصبح وكأنه الجاني لا الضحية.
ما يحدث للكورد في العديد من المناطق، من حصار وتجويع وتهجير، لا يُذكر في الإعلام العربي إلا كخبر ثانوي، وغالبًا ما يتمّ تحميل الضحية مسؤولية ما يحدث لها. يتمّ تصوير أي تحرك كوردي للدفاع عن حقوقه وكأنه “تهديد” و “مؤامرة”، بينما ينظر إلى التحركات العربية على أنها “مشروعة” و “عادلة”.
هذه العقلية المتجذّرة في الإعلام العربي السوري تعني أن هناك فئات يسمح لها بالصراخ والاستغاثة، وأخرى يفرض عليها الصمت حتى لو تعرّضت للذبح. الكوردي، في نظر هذا الإعلام، لا يحقّ له أن يكون ضحية، وإذا تجرأ على الشكوى، فسيتمّ اتّهامه بأنه عميل أو انفصالي أو أداة لمؤامرة خارجية.
أما العرب، فإنهم دائمًا في موقع الضحية المقدّسة، حتى لو كانوا في الواقع جلادين. يمكن للإعلام العربي السوري أن يغضب إذا تمّ تهديد منزل عربي، لكنّه لن يتحدّث عن قرى كوردية أُحرقت بالكامل أو سكان تمّ تهجيرهم قسرًا.
الإعلام العربي السوري ليس مجرّد ناقل للأخبار، بل هو صانع للروايات، وعندما يتعلّق الأمر بالكورد، فإنه يختار أن يصنع رواية مشوّهة تقصيهم من خانة الضحايا وتحشرهم في خانة المتّهمين. هناك خوف واضح من الاعتراف بأن الكورد يعانون من اضطهاد ممنهج، لأن ذلك سيهدم السردية التي تحاول تصوير العرب كضحايا دائمين.
إذا تمّ الاعتراف بمأساة الكورد، فهذا يعني أن هناك خطأ في سياسات الدول التي تهمشهم، وهذا أمر غير مسموح به في الإعلام السوري. لذا، يتمّ إسكات أي نقاش عن حقوق الكورد، ويتمّ تقديم أي حركة تحرّرية كوردية على أنها “مشكلة” و “تهديد”، بينما يحتفى بأي حركة عربية مهما كان هدفها.
لم يعد ممكنًا الاستمرار في هذا التمييز الصارخ. المظلومية ليست حكرًا على أحد، والمعاناة لا تقاس بالهوية العرقية. إذا كان الإعلام العربي السوري يريد أن يتحدّث عن العدل، فعليه أن يكون عادلاً مع الجميع. أما إذا استمر في هذا النفاق المفضوح، فإنه يفقد كلّ مصداقيته.
الكورد ليسوا تابعين، وليسوا ضيوفًا في أرضهم، وليسوا أقلّ شأنًا من أي فئة أخرى. معاناتهم ليست أقلّ أهمية، وحقوقهم ليست موضوعًا قابلًا للتفاوض. حان الوقت لكسر هذا التمييز الإعلامي الصارخ، ولإجبار هذا الإعلام المنافق على مواجهة الحقائق التي يحاول التستر عليها.