أثارت التقارير المتواصلة بشأن وجود فصائل مسلّحة أجنبية في العراق، حالة من القلق السياسي والأمني داخل البلاد، وسط تساؤلات عن أسباب إيواء هذه الجماعات، ومدى تأثير بقائها على استقرار العراق، لا سيّما في ظلّ سياسة الحكومة المعلنة بشأن النأي بالنفس عن صراعات المنطقة.
وتأتي هذه التقارير في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على بغداد لضبط الساحة الأمنية ومنع استخدام أراضيها كقاعدة لنشاطات عسكرية خارجية، خاصة أن هذه الفصائل ارتبطت بأجندات إقليمية قد تعيد العراق إلى دوامة الصراعات.
وتحدّثت تقارير عراقية وعربية عن وجود عناصر من ميليشيات فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية في العراق، بعد انسحابها من سوريا، حيث استقرت في معسكرات عراقية في بغداد وديالى.
وذكر تقرير لمعهد واشنطن للشرق الأدنى، أن هذه الجماعات، التي كانت تقاتل إلى جانب القوات الحكومية السورية، انتقلت إلى العراق مع سقوط نظام دمشق وتراجع السيطرة الإيرانية على بعض المناطق هناك.
ويرى مراقبون أن هذا الوجود يثير مخاوف بشأن طبيعة المهام التي قد توكل إليها، وما إذا كانت ستتحوّل إلى أداة ضغط إيرانية جديدة في المنطقة.
تحرّك دبلوماسي
وذكر مصدر عراقي مطّلع أن “هناك تحركًا دبلوماسيًا عراقيًا على مستويات عدة، لبحث كيفية التعامل مع هذه الميليشيات، سواء عبر التفاوض مع دولها الأصلية لإعادتها، أو محاولة إيجاد صيغة قانونية لتواجدها داخل العراق بما لا يثير تحفظات المجتمع الدولي”.
وأضاف المصدر بأن “الحكومة العراقية تحاول تجنّب أي تصعيد قد يؤدّي إلى استهداف هذه المجموعات داخل الأراضي العراقية، خاصة في ظلّ التوترات الإقليمية المتزايدة، موضّحًا أن المشاورات الجارية تشمل قيادات سياسية وأمنية لمحاولة إيجاد مخرج مناسب لهذا الملف المعقد”.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن “هذه الفصائل لا تتحرّك بشكل عشوائي، بل تتمركز في مواقع محدّدة تمّ تجهيزها مسبقًا لاستقبالها، لا سيّما في معسكر أشرف في ديالى، الذي كان سابقًا مقرًا لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية قبل أن يتم ترحيل عناصرها إلى ألبانيا عام 2013”.
ومع انتهاء الحرب في سوريا، تدفق عشرات المقاتلين من هذه الميليشيات إلى العراق، عبر المناطق الحدودية، خاصة القائم التي تخضع لنفوذ قيادات في الحشد الشعبي.
ووفق خبراء، يعكس استمرار وجود هذه المجموعات في العراق دون إطار قانوني أحد احتمالين، فإما أن بغداد وافقت على استقبالهم بترتيب مسبق، أو أن هذه الفصائل تعمل بشكل مستقل، وهو ما يضع الحكومة الاتّحادية أمام تحديات كبيرة على المستويين الداخلي والدولي، خصوصًا أن بعض هذه المجموعات مصنفة على لوائح الإرهاب عالميًا.
تهديد للأمن القومي العراقي
بدوره، يرى الخبير الأمني كمال تحسين الطائي، أن “وجود هذه الميليشيات يمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العراقي، لأنه قد يجلب عقوبات دولية أو حتى ضربات عسكرية في حال قرّرت الولايات المتّحدة أو إسرائيل استهداف مواقعها”.
وأوضح الطائي بأن “بقاء هذه الجماعات المسلّحة دون إطار قانوني يشكّل إحراجًا كبيرًا للحكومة العراقية، التي تحاول إقناع المجتمع الدولي بأنها تعمل على ضبط الأمن الداخلي”.
وأضاف أن “هذه الجماعات قد تشكّل عامل ضغط إيراني على بغداد، خصوصًا إذا كانت هناك نية لاستخدامها في عمليات ضدّ القوات الأجنبية أو المصالح الغربية في العراق” محذّرًا من أن “المجتمع الدولي لن يقف متفرجًا على وجود مجموعات مقاتلة غير عراقية داخل البلاد”.
وفي ظلّ الغموض الذي يحيط بمستقبل هذه الفصائل، تبرز تساؤلات حول موقف الحكومة العراقية، وما إذا كانت قادرة على اتّخاذ خطوات عملية لإعادة ترتيب المشهد الأمني الداخلي، خصوصًا أن هذا الملف قد يتحوّل إلى ورقة ضغط جديدة تستخدمها أطراف دولية وإقليمية في أي مفاوضات متعلقة بالعراق.
ورغم الجدل المستمر حول وجود هذه الجماعات المسلّحة، لم تصدر الحكومة العراقية حتى الآن أي بيان رسمي يؤكّد أو ينفي التقارير المتداولة، ما يزيد من الغموض حول مستقبل هذه الميليشيات، ومدى تأثيرها على المشهد السياسي والأمني في العراق.