ماذا تضمّنت دعوة عبد الله أوجلان؟
دعوة زعيم حزب العمال الكوردستاني، عبد الله أوجلان، والتي كانت موضع ترقّب الجماهير الكوردستانية وحشود حزب العمال الكوردستاني بكك وأذرعه، وتتمّ الدعابة لها ليل نهار، تمّت مشاركتها مع الرأي العام الكوردي، هذه الدعوة لم تكن تحمل مفاجآت بل كانت مجرّد استدامة لمقولاته وخطاباته العتيقة الغابرة لدى عودته إلى حضن تركيا الدولة الأم لأوجلان.
أوجلان لم ينطق كلمة كوردستان قطّ…
عندما كان أعضاء ومناصري وجماهير حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) يعقدون الدبكات الشعبية في الساحات كان أعضاء وفد إمرالي للحزب نفسه في الداخل واقفين يصفقون دون معرفة حتى سبب تصفيقهم على هذه الدعوة التي كانت على الأرجح لن تكون محلّ قبول على الإطلاق بين الشعب الكوردي، كونه خطاباً ودعوة من بدايتها إلى نهايتها عبارة عن الاستسلام والخضوع…
فـ أوجلان قد طالب حزب العمال الكوردستاني الذي أسّسه قبل 45 عاماً وبدأ نضاله على أساس “كوردستان الكبرى المحرّرة والمستقلة”، بحلّ نفسه دون المطالبة بدولة كوردية مستقلة أو الفدرالية بل وحتّى أي ضرب من ضروب الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية أو أي شيء من هذا القبيل…
فأوجلان لم يطالب بأي شيء للكورد في خطابه ودعوته، ولم يذكر كلمة كوردستان قطّ، ولم يذكر اسم الكورد إلا مرتين في سياق العلاقات التركية-الكوردية. أوجلان، الذي يصوّره حزب العمال الكوردستاني ويقدّمه على أنه “زعيم الشعب الكوردي”، لم يقدر على نطق كلمة (كوردستان أو الكورد) بل حتّى لم يطالب بأي شيء للكورد، فحتّى (دولت باخجلي) الاسم الأكثر تطرّفاً وعنصرية قومية في الدولة التركية، يستخدم كلمة “الكورد” أكثر من أوجلان عندما يتحدث. فلو أن باخجلي كان قد كتب دعوة أوجلان لكان قد طالب للكورد أكثر ممّا طالب به أوجلان!
أوجلان: بعد تسعينيات القرن الماضي، لم تعد حرب حزب العمال الكوردستاني ضرورية!
تضمّن خطاب أوجلان عدة نقاط رئيسية:
لا يستطيع الكورد العيش بدون الأتراك! والتعايش بينهم ضروري وملحّ!
الحداثة الرأسمالية تحاول فصل الكورد والأتراك، وعلينا أن نقف ضدّ هذا.
الدولة القومية المستقلة-الأمة والفيدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والاستقلال الثقافي ليست حلولاً بالنسبة للكورد.
على حزب العمال الكوردستاني أن يتخلى عن سلاحه، وأتحمّل المسؤولية التأريخية على عاتقي.
يمكن تلخيص خطاب أوجلان ودعوته في هذه النقاط الرئيسية الأربعة، ولكن هناك أمر آخر يجب أن نأخذه على محمل الجدّ ألا وهو تصريح أوجلان: “وفي أعوام التسعينيات من القرن العشرين، ونتيجة لأسباب داخلية مثل انهيار الاشتراكية المشيدة، وانهيار إنكار الهوية في البلاد، وتطور حرية الفكر، تجاوز حزب العمال الكوردستاني معناه وأصبح يكرّر نفسه بشكل متزايد. لذلك، مثل غيره، وصل إلى نهاية عمره، وهناك حاجة إلى فسخه!”.
فوفق أوجلان فإن الدولة التركية بدأت بالتعبير عن الحريات في تسعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك أصبحت حرب حزب العمال الكوردستاني بلا معنى… فلو فكّرنا أنه بعد عام 1990، تمّ تدمير وتهجير 5000 قرية كوردستانية بسبب حزب العمال الكوردستاني بكك، وقُتل 17 ألف شخص في حوادث قتل مجهولة الفاعل، وفقد ما يقرب من 50 ألف شخص حياتهم بين مقاتلين گريلا ومدنيين. أعني هل يُعقل أن كلّ هذا كان لا معنى له؟! الشيء الوحيد الذي يمكن قوله في هذا الشأن هو أن “أوجلان يلعق ما كان مبصوقاً عليه”
لو تجاهلنا عدم مطالبتك للحكم الذاتي للكورد، ألا تطالب على الأقل بحقّ التحدّث بلغة الأم؟! إذاً فلماذا تسبّبت بمقتل 50 ألف إنسان؟ كيف ستفسر لنا هذا؟ وماذا ستقدّم لهؤلاء؟!
يجب مسائلة ومحاسبة ومعاقبة أوجلان وحزب العمال الكوردستاني…
بأوامر من حزب العمال الكوردستاني، حشّد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) الشعب الكوردي في الشوارع من أجل دعوة أوجلان وخطابه، نصبوا شاشات حتّى في السليمانية وقامشلو، أقامت جماهير العمال الكوردستاني المحتشدين في كلّ مكان الدبكات والاحتفالات، هتفوا الشعارات، أطلقوا الزغاريد، أقاموا أعياداً واحتفالات وكأنهم حقّقوا نصراً عظيماً! لكن الحقيقة الوحيدة هي أنه تمّ عرض وتقديم جثث خمسين ألف كوردي ونضالهم على طبق من ذهب للدولة التركية. ما هو موجود هو الاستسلام لا غير، فماذا فعلوا بهذا الشعب وهذه الأمة وماذا أذاقوها خلال هذه الأربعين سنة؟ الأمة التي وهبت أبناءها، دماءها، أرضها، ديارها، آمالها… بالمقابل لم يقدّم أوجلان-آبو وحزبه العمال الكوردستاني أيّ شيء لهذا الشعب وهذه الأمة!
عبارة “أوجلان زعيم الشعب الكوردي” تحوّلت لعبارة “أوجلان زعيم استسلام الكورد…”
ممّا لا شكّ فيه أن حزب العمال الكوردستاني بكك ومناضليها الإعلاميين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بارعون للغاية في مجال التضليل والخداع وصناعة الأكاذيب والافتراءات… فهم يزيّنون كلّ شيء ويزخرفونه، ففي عام 1999، قال أوجلان: “أريد أن أخدم الدولة التركية” ولكن رغم هذا، قام حزب العمال الكوردستاني بكك بتصويره وإعلانه كـ “زعيم-قائد الشعب الكوردي!”.
وسيفعلون الشيء نفسه الآن في الحقبة الثانية والمرحلة الثانية من خيانة أوجلان. وسوف يبرّؤون المرحلة الثانية والعصر الثاني لـ “خيانة آبو” وسيتحدثون عن ذكاء أوجلان وفطنته العجيبة وفكره الخارق! وسوف يطلقون عليه لقب “زعيم السلام”… لكن في الحقيقة هذا كلّه مجرّد دعاية وتلاعب وتضليل وخداع… والحقيقة التأريخية هي أن أوجلان هو “زعيم استسلام الكورد” لا غير.
وهذا ليس شيئاً جديداً. فقد تمّ تعيين أوجلان وفرضه كـ قيوم على الكورد طيلة 40 عاماً من قبل الدول التركية. والدولة التي ربّت أوجلان وأعالته لمدة 40 عاماً تريد الآن منه أن يسدّد دينه للدولة. وبالمقابل، أهدى أوجلان كورد باكور كوردستان وقدّمهم وسلّمهم للدولة التركية على طبق من ذهب…
أول الأشياء التي يجب أن تقال عن أوجلان هي؛ تُرى: هل سيلبي حزب العمال الكوردستاني لدعوة أوجلان أم لا؟! وهل سينصاع لأمره أم لا؟! وهذا ما سنتحدّث عنه لاحقًا…