سمكو عبد العزيز
كانت هناك امرأة جميلة في إحدى مدن كوردستان، كانت رسامة، وكانت تعتقد أنها ستقدّم بهذا العمل خدمة جليلة لوطنها، وكانت قد شغفت حبّاً وعشقاً بشخص يُدعى (عبي) فقد كان (عبي) رجلاً متألّهاً لخياله الواسع وساحراً، واستطاع من خلال لسانه العذب وكلماته الرنّانة وسرد وتلقين أفكار المفكرين الآخرين حول قدسية تحرير أرض الوطن وحرية الكورد واستقلالهم، وأصالة المجتمع الكوردي وقصص الاشتراكية الحقة… أستطاع أن يبني عشّه في قلب هذه المرأة الجميلة، وهكذا تحوّلت هذه المرأة إلى عاشقة مغرمة بـ (عبي) واستمرّ هذا الحب والهيام مدة من الزمن.
عندما تأكّد عبي من أن عشقه أحاط بقلب المرأة من كلّ جانب، بدأ بالمرحلة الثانية من مخطّطه حول المرأة، وفرض الكثير من قراراته عليها كـ: “لا يجوز أن تشربي هذا الشيء، ويجب ألّا تلبسي هذه الملابس، وغيرها من القرارات…”.
ومع مرور الزمن وبهذه القرارات والأفعال والممارسات لـ عبي، شعرت المرأة أنها تفقد شخصيتها تدريجياً، وأن شخصيتها تُذاب وتنصهر في شخصية عبي.
في إحدى الليالي، وعندما هبّت عاصفة رعدية قوية، كانت المرأة واقفة أمام المرآة تنظر إلى وجهها، لم تكن المرآة نظيفة، فأخذت المرأة قطعة قماش لتنظيف المرآة، فوقعت المرآة من يديها وانكسرت وتناثرت قطعها الصغيرة في الغرفة، عندما نظرت إلى وجهها في القطع المكسورة المتناثرة للمرآة وجدت نفسها مقيدة بسلاسل مجهولة، وظهرت أمام عينيها لوحات سوداء خالية من أي مظاهر للحياة.
وبرؤية هذه اللوحات الخالية من الحياة، توصّلت المرأة إلى قناعة مفادها أن؛ الحب ليس تألّهاً، بل الحب يعني أن يكون الإنسان حرّاً، وليس أن يكون عبداً للشخص المقابل.
وبعد أن توصّلت هذه المرأة إلى هذه القناعة، قرّرت إنهاء علاقتها هذه بـ عبي، وهذا لا يعني أنها لم تعد تحب عبي، بل قطع العلاقة هذه هي بمعنى أنها تحبّ نفسها أولاً وقبل كلّ شيء وأيّ شخص آخر. وبعدها تحب شخصاً آخر، ثم قرّرت المرأة أن ترسم لوحة أخرى جديدًة، لوحة جديدة بلا حدود، كما تقول سيمون دي بوفوار الفرنسية: “عندما تحب، فهذا لا يعني أن تستسلم وتهمل نفسك وتتخلّى عنها”.
لماذا أسرد هذه القصة؟ سردت هذه القصة لأن أوجلان في ذكرى الثامن من آذار دعا المرأة بشكل عام والمرأة الكوردية على وجه الخصوص وحاول إثبات نظريته بأقوال الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار.
أعتقد أن أوجلان أخطأ فهم هذه الفيلسوفة أيضاً، لأن هذه الفيلسوفة تعبّر عن وجهة نظرها التي مفادها أنك لا ينبغي للإنسان أن يصبح عبداً لحبيبه حتى نهاية حياته، وخاصة عندما يتحوّل المحبوب إلى ديكتاتور بحقّ حبيبته، تقول هذه الفيلسوفة بأنه عندما يحاول حبيبك صهر شخصيتك وإذابتها في شخصيته وتأطيرك في أطر شخصيته فهذا يدمّر شخصيتك ويقيدك ومن الضروري آنذاك إنهاء هذه العلاقة.
كان هناك الآلاف من النساء والفتيات الكورديات اللواتي تخلّين عن السعادة وملذّات الحياة ووقعن تحت تأثير فكر أوجلان، وكنّ ينظرن إليه بمثابة نبي، وتوصّلن إلى قناعة بل اعتقاد جازم بأن أوجلان سيحرّر كوردستان الكبرى وسيؤسّس الدولة الكوردية المستقلة، وسيحرّر الإنسان الكوردي، وأن المرأة ستكون عاملاً فعّالاً مهمّاً للغاية يمتلك دوراً بارزاً في قيادة الأمة وإدارتها في أعلى مناصب الدولة وأبرزها… ولكن اليوم يقول أوجلان إنّنا لا نريد دولة كوردية ولا الفدرالية ولا أي ضرب من الاستقلال أو الإدارة الذاتية… بل على العكس من كلّ هذا عدّ الفكر القومي الوطني تخلّفاً ورجعية! في هذا الوقت، يجب على المرأة الكوردية وبالأخص تلك اللاتي تتواجدن حالياً في رفوف حزب العمال الكوردستاني، أن يقلن لحزبهنّ وأوجلان: كفى!!
*************************
(1) كلمة (عبي) إشارة إلى اسم عبد الله باللغة الكوردية، ففي اللغة الكوردية يتمّ تصغير الأسماء بذكر جزء منها، كـ عبي لـ عبد الله وإيبي لـ إبراهيم…