ما الذي يحدث في تركيا؟

ما الذي يحدث في تركيا؟

في 23 مارس/ آذار، وُجّهت إلى عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو تُهم بالفساد ودعم منظمة إرهابية، وهو ما اعتبره أنصاره محاولة سياسية لإبعاده عن المشهد السياسي في تركيا.

رغم ذلك، رفض القضاة إصدار مذكرة توقيف ثانية بحقّه بتهمة دعم حزب العمال الكوردستاني بكك.

المعارضة التركية متمثّلة في أكبر أحزابها (حزب الشعب الجمهوري) اعتبرت هذا الاعتقال ذا دوافع سياسية ويهدف إلى إقصاء أكرم إمام أوغلو المرشّح الرئيسي للمعارضة عن سباق الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، وكتب إمام أوغلو على مواقع التواصل الاجتماعي: “هذه ضربةٌ لإرادة الشعب”

تمديد الحظر في ولاية أنقرة…

أعلنت ولاية أنقرة تمديد الحظر المفروض على التجمعات والمسيرات في المدينة حتى الأول من أبريل المقبل وسط احتجاجات هي الأولى من نوعها على مستوى الدولة التركية منذ عقد من الزمن.

وبحسب بيان أصدرته الولاية، تمّ تمديد حظر التجمعات والمظاهرات في أنقرة من الساعة 00.00 يوم الأربعاء 26 مارس 2025 حتى الساعة 23.59 يوم الثلاثاء 1 أبريل 2025، بعد فرضه لأول مرة يوم 19 مارس في أعقاب اعتقال إمام أوغلو.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاجم المعارضة الرئيسية، متّهمًا إياها بتحويل احتجاجاتها ضدّ سجن منافسه السياسي، عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إلى “حركة عنف”.

جاء ذلك خلال كلمة له عقب اجتماع مجلس الوزراء في أنقرة، حيث حمّل أردوغان حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) مسؤولية الأضرار التي لحقت بممتلكات الشرطة خلال التظاهرات.

وأضاف أن “مسرحيتهم هذه ستنتهي حتمًا، وسيصابون بالخزي جراء ما اقترفوه من شر بحق الوطن”.

حملة اعتقالات طالت مئات المتظاهرين بتهمة “إهانة أردوغان وعائلته” و “التحريض”

ألقت قوات الأمن التركية القبض على 41 متظاهرًا، احتجوا على حبس عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ووجّهوا السباب للرئيس التركي وعائلته خلال التظاهرات.

واستندت قرارات الاعتقال الصادرة بحقّ المتظاهرين على تهمة “إهانة الرئيس أردوغان وعائلته”.

وتضمن التحقيق الذي تجريه نيابة إسطنبول ضدّ المشتبه بهم أيضا تهمة “مخالفة قانون التجمع والتظاهر” و”مقاومة عناصر الشرطة أثناء أدائهم واجبهم”.

جديرٌ بالذكر، شهدت التظاهرات في إسطنبول هتافات مهينة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووالدته الراحلة.

واستنكر وزير الداخلية، علي يرلي كايا ما وصفها بـ “الإهانات الدنيئة” التي تعرّض لها أردوغان ووالدته وأسرته خلال التظاهرات، قائلاً: “ما حدث هو اعتداء دنئ لا يتماشى مع قيمنا القومية والمعنوية. لن يتم التعاون أبداً مع مثل هذه الإهانات وقوات الأمن بدأت فوراً الاجراءات اللازمة”.

وانتقد كلّ من نائب الرئيس، جودت يلماز، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية والمتحدث باسمه، عمرو شاليك، ووزير الداخلية، يلماز تونش، أيضاً الإهانات الموجهة لأردوغان وعائلته.

من جانبه شدّد رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، خلال تغريدة نشرها بحسابه على منصة إكس على رفضه للإهانات الموجّهة لأردوغان وعائلته قائلاً: “اعتبر هذه الإهانات موجّهة لوالدتي”.

استخدام غير متناسب للقوة

من جانبه، دان مجلس أوروبا “الاستخدام غير المتناسب للقوة” خلال التظاهرات.

وقال مفوّض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان مايكل أوفلاهرتي “أدعو السلطات التركية إلى الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان حول احترام حرية التجمع السلمي وحرية التعبير وحرية الإعلام”.

وكان من المقرّر أن يتوجه أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه أكرم إمام أوغلو، صباح اليوم، إلى سجن سيليفري غرب إسطنبول، للقاء رئيس البلدية الموقوف بتهمة “الفساد” منذ الأحد، إلى جانب ثمانية وأربعين متهما آخرين.

بلومبرج: أردوغان يراهن على تغاضي العالم عن الاضطرابات في تركيا

أمّا على صعيد الفضاء الإعلامي الدولي، فقد قالت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يراهن على أن العالم سيغضّ الطرف عن الاضطرابات التي تشهدها تركيا، مع اعتقال عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام اوغلو.

وجاء في تحليل للوكالة أنه “بعد سجن أكبر منافسيه السياسيين، يعوّل الرئيس التركي- على حاجة حلفاء الناتو إلى تركيا أكثر من حاجته إلى النضال من أجل الديمقراطية. خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما سجنت تركيا أكبر منافس لرجب طيب أردوغان. وكان حلفاء البلاد الغربيون أقل صخباً”.

وأضاف التحليل: “الرئيس التركي وقائد ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) واثق من أن العالم بحاجة إليه أكثر من حاجته إلى الانضمام إلى المعركة من أجل الديمقراطية. وفي الوقت الذي انشغلت فيه الولايات المتحدة وأوروبا بالتحديات الأمنية، وضع أردوغان نفسه كوسيط قوة رئيسي من أوكرانيا إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط وأفريقيا”.

وتابع المقال: “بصرف النظر عن بعض الاعتراضات من العواصم الأوروبية، كان غياب ردّ الفعل الدولي ملفتًا للنظر بعد أن ألقت محكمة تركية القبض رسميًا على عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو يوم الأحد. ووصفت المستشار الألماني المنتهية ولايته اعتقال إمام أوغلو قبل أيام بأنه (محبط). واعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب أن الأمر “مسألة داخلية”.

وذكّر المقال التحليلي بأنه كانت هناك موجة من الاعتقالات والتحقيقات من قبل، وقال: “ومع ذلك، فإن سجن اسم رفيع المستوى مثل إمام أوغلو، الذي يُعتقد أنه قادر على هزيمة أردوغان في الانتخابات المقبلة، أمر غير مسبوق”.

تركيا تتّجه صوب نظام حكم يشبه روسيا وأذربيجان

من جانبها، وصفت صحيفة لو موند الفرنسية حبس عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو بـ “بنقطة التحول في انتقال تركيا من الاستبداد للاستبداد التام”.

وذكرت الصحيفة الفرنسية أن المناخ الانتخابي في تركيا بعيد عن المنافسة العادلة منذ فترة طويلة، وأن السلطة الحاكمة تسطير تقريباً على جميع وسائل الإعلام ومؤسّسات الدولة مفيدة أنه على الرغم من ذلك تمكنت المعارضة من طرح مرشحين أقوياء.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن إرسال إمام أوغلو للسجن بقرار من المحكمة أثار مخاوف من انتقال تركيا من نظام تعددي قمعي إلى نظام استبدادي كليا على طريقة روسيا وأذربيجان.

وزعمت الصحيفة أن مرشح المعارضة لم يعد يتم انتخابه بحرية وأن نتائج الانتخابات بات يتم تحديدها بشكل مسبق.

وأضافت الصحيفة الفرنسية أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يرى أن الرأي العام لن يُصدر رد فعل خطير مشيرة إلى مئات الآلاف من المتظاهرين الذين يتم قمعهم بالاستخدام المفرط لقوة الشرطة لم يفلحوا في دفعه للتراجع.

وأفادت الصحيفة الفرنسية أن أردوغان لا يمتنع عن الهجوم المباشر على حزب العدالة والتنمية بل أنه يعزّز من هذا النهج وأن كون الانتخابات الرئاسية القادمة ستُعقد في عام 2028 يشعره بمزيد من الراحة.

وسلطت الصحيفة الضوء على اعتقال العديد من الأشخاص خلال التظاهرات المؤيّدة لإمام أوغلو بالعاصمة، أنقرة، وورود استنكارات حادة من أوروبا بهذا الصدد مشيرة إلى احتجاج إدارات باريس وبرلين ورؤساء العديد من البلديات الأوروبية على حبس إمام أوغلو.

وذكرت الصحيفة الفرنسية أنه ليس من المنتظر أن يبدي الاتّحاد الأوروبي ردّ فعل عنيف على قضية إمام أوغلو بقدر رد الفعل الذي أبداه على أحداث حديثة جيزي في عام 2013، مفيدة أن الغرب عليه مواصلة اعتبار تركيا العضو في حلف الناتو كحليف مهم بالأخذ في عين الاعتبار رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة والحرب في أوكرانيا والوضع في سوريا غير أن اتجاه دولة ذات أهمية محورية من الجانب الجيوسياسي مثل تركيا إلى الاستبداد بشكل دائم سيشكل كارثة كبيرة ليس فقط للشعب التركي بل كل من يدافع عن الديمقراطية.

البورصة التركية تخسر 16.3% من قيمتها

وقالت صحيفة ذا إيكونوميست The Economist البريطانية، إنه في الأيام الثلاثة التي أعقبت احتجاز عمدة بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، خسرت بورصة إسطنبول 16.3% من قيمتها.

ونشرت “الإيكونوميست” تحليلاً تحت عنوان “الجمهورية المترنحة” ذكرت خلاله أن تركيا تقترب من نقطة اللاعودة.

وتقول المجلة: “تدفقت حشود من المتظاهرين إلى الساحة خارج مبنى بلدية إسطنبول في 23 مارس لدعم عمدة بلديتهم، أكرم إمام أوغلو، السياسي النجم للمعارضة التركية. وقال حزب الشعب الجمهوري إن ما يقرب من 15 مليون ناخب أكدوا للتو ترشيح السيد إمام أوغلو عن الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلاد. ولكن المظاهرة لم تكن احتفالا. كان الرجل الذي خرج أنصار المعارضة لتشجيعه يقبع خلف القضبان”.

وكتبت المجلة أن إمام أوغلو اعتُقل و “قد يقبع في السجن لأشهر وربما لسنوات” وحلّلت المجلة الأمر على النحو التالي: “تقترب تركيا من نقطة اللاعودة. الحكومة تتبع ما يسميه علماء السياسة نظاماً استبدادياً تنافسياً: وعلى الرغم من أن الرئيس رجب طيب أردوغان يتمتع بسلطة تنفيذية مطلقة وسيطرة فعلية على المحاكم وجزء كبير من وسائل الإعلام، إلا أن الانتخابات في تركيا كانت تجري في الغالب في بيئة حرة”.

وكتبت المجلة: “لقد جازف أردوغان مجازفة كبيرة في التخلّص من أكبر منافسيه على حساب تدمير الديمقراطية في تركيا. ربما كان محقاً في شيء واحد على الأقل: إن ردود الفعل في أوروبا لم تكن كافية”.

وأوضحت المجلة أن أوروبا تخطّط لمنح تركيا دوراً رئيسياً في قوة حفظ السلام التي تريد تشكيلها في منطقة الحرب في حال وقف إطلاق النار المحتمل في أوكرانيا، وأشارت إلى أنه في الولايات المتحدة، “لم يبد دونالد ترامب اهتماماً كبيراً بانتهاكات الإجراءات الديمقراطية” ولم تكن هناك ردود فعل جدية.

وخلصت المجلة إلى أنه “في هذه الأثناء، ووسط غيوم الغاز المسيل للدموع، تتراجع الديمقراطية التركية ببطء عن الأنظار”.

هذا، وتشهد المدن التركية منذ أيام موجة احتجاجات واسعة واشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وذلك إثر قرار محكمة تركية يوم الأحد بسجن إمام أوغلو – المنافس البارز لأردوغان – في قضية فساد، وهي الخطوة التي أشعلت أكبر حركة احتجاجية في تركيا منذ أكثر من عشر سنوات.

من جانبه، نفي إمام أوغلو جميع التهم الموجهة إليه، واصفًا إياها بـ “الافتراءات المُلفَّقة” داعياً أنصاره إلى التظاهر في مختلف أنحاء البلاد.

وتم اعتقال أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول ومرشح حزب الشعب الجمهوري للانتخابات الرئاسية يوم الأربعاء 19 مارس/ آذار، في إطار قضيتين الأولى متعلقة بـ “الإرهاب” والثانية بـ “الفساد” وتمّ الحكم عليه بالسجن يوم الأحد 23 مارس/ آذار.

وتمّت إدانة إمام أوغلو واقتيد إلى سجن سيليفري في قضية الفساد فقط، بتهم “التلاعب في المناقصات وتسجيل البيانات الشخصية والرشوة وتأسيس منظمة” وعقب ذلك تمّ إيقافه عن العمل كعمدة لبلدية إسطنبول بقرار من وزارة الداخلية.

وحتى الآن لم يصدر حكم نهائي في أي قضية تخصّ إمام أوغلو سواء الفساد أو الإرهاب، وكان قرار المحكمة استمرار المحاكمة من خلف القضبان في قضية الفساد، ومن خارج القضبان في قضية الإرهاب.

مقالات ذات صلة