من موراي بوكجين إلى عبد الله أوجلان [1]
![من موراي بوكجين إلى عبد الله أوجلان [1]](https://darkamazi.net/arabic/file/2025/04/Murray-Bookchin-and-the-Ocalan-connection-.jpg)
. سمكو عبد العزيزي
كيف أخفى عبد الله أوجلان سرقاته الفكرية بـ “الفداء بالروح”؟
عندما ألقي القبض على أوجلان وسُجن (اسماً فقط) لدى السلطات التركية في سجن إمرالي، واستقرّ هناك، بدأ بكتابة بعض الكتب، ثمّ نشرها فيما بعد حزب العمال الكوردستاني بكك تحت اسم “مانيفيستو الحضارة الديمقراطية”.
عندما قرأت هذه الكتب شككت بهذه الكتابات وتفاجأت بها؛ لأنني أعلم أن أوجلان لا يمتلك يد كاتب محترف موهوب. نعم، هو يقرأ جيداً ويتحدّث جيداً، لكنه لا يكتب جيداً، لأنّني أعرف أوجلان عن قرب وكثب منذ سنوات عديدة.
عندما قرأت الكتب تذكّرت فيلسوفًا صوفيًا. وتشكّلت أمام أنظاري لوحة تصوّف-صوفية، لأن هذا الشخص موجود في سجن إمرالي ويقدّم نفسه وفق رؤية كونية.
يمكننا أن نَصِفَ بعض هذه الكتب بشكل مختصر على النحو التالي:
الدولة القومية بمعنى العدوان، المرأة هي أساس الثورة، البيئة شرط للديمقراطية، والمجالس الإقليمية بدائل للدولة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذه الرؤى والنظريات هي بنات أفكار أوجلان ونتاجه الفكري، أم هي أفكار مستوردة من مكان آخر؟
الجواب هو أن عبد الله أوجلان لم يخلق ولم يطرح أفكاراً ورؤى جديدة، بل تلقّفها وجلبها من أماكن أخرى ولكن أعاد صياغتها وأخفى مصادرها.
ومعظم رؤى وطروحات ونظريات عبد الله أوجلان الأخيرة، والتي نشرها في السجن تحت اسم الكتب، وأظهره أتباعه ومريديه بها على صورة فيلسوف، كانت مأخوذة من أفكار المفكر الأمريكي موراي بوكشين.
موراي بوكشين كان فيلسوفًا أمريكيًا-فوضوياً، عاش من عام 1921 إلى عام 2006. كان ماركسيًا تروتسكيًا في بداية حياته. تحوّل بعد ذلك إلى مفهوم الفوضوية-الأناركية-اللاسلطوية، ومن ثمّ نتج عن نظريته وتطوّر ما يسمى بـ “البلدية التحرّرية-أو- استقلال البلديات الذاتي التحرّري”.
كرّس موراي بوكتشين حياته كلّها لنشر مفهوم توحيد علم البيئية مع الفكر السياسي، وكان ناقدًا قويًا ومناهضاً شديداً للرأسمالية والاشتراكية الكلاسيكية.
في ثمانينيات القرن الماضي، ركّز موراي بوكتشين على المفاهيم التالية:
الإيكولوجيا الاجتماعية-فلسفة البيئة.
الكونفدرالية الديمقراطية.
نقد-رفض الدولة القومية.
الصلة-الربط بين حرية المرأة والديمقراطية الحقيقية.
وبعد نحو عشرين عاماً، وتحديداً في عام 1999، جاء عبد الله أوجلان وعبّر عن هذه المفاهيم بنفس المضمون والرؤى، ولكن تحت الأسماء التالية:
مانيفيستو-بيان الحضارة الديمقراطية.
المجتمع الأخلاقي والسياسي.
سوسيولوجيا المرأة.
عندما طرخ عبد الله أوجلان هذه الأفكار والطروحات، لم يذكر اسم موراي بوكتشين، ولكن بعد أن تعرّض عبد الله لانتقادات حادة من قبل الأصدقاء والمثقفين والإعلام بسبب هذه الرؤى والنظريات وأنه قام بسرقتها كلّها، وأن عموم هذه المفاهيم والرؤى والأفكار هي لرجل آخر ساقها وطرحها ونشرها قبله بـ عشرين عاماً، ردّ أوجلان وقال بلا خجل إنه بالفعل استفاد من أفكار موراي بوكجين!
عزيزي القارئ، نعم، لم يسرق عبد الله أفكار موراي فحسب، بل وأفكار العديد من الفلاسفة الآخرين.
فقد سرق عبد الله أفكار نيتشه أيضاً، على سبيل المثال “الانتقادات الأخلاقية المبنية على أساس البخل”. (Genealogy of Morals-في علم أنساب الأخلاق).
وكذلك، مفهوم إرادة السلطة مقابل الخضوع للسلطة.
فقد أخذ أوجلان هذين المفهومين ودمجهما تحت مسميات نقد الذكورية والدولة. نقدنا هنا هو أن أوجلان لم يشر إلى نظريات نيتشه ومفاهيمه وأفكاره بأي شكل من الأشكال.
يواصل عبد الله سرقاته الفكرية، وقد وصل هذه المرة إلى سرقة أفكار ميشيل فوكو، وخاصة المواضيع التالية:
مفهوم الفكر باعتباره خطابًا.
السيطرة عن طريق الوعي.
العقاب كأداة للسلطة.
وقد أخذ عبد الله هذه المفاهيم وأفكار ميشيل فوكو واستخدمها في كتاباته، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الدولة والنظام الأبوي-الذكوري.
بالإضافة إلى ذلك، لا يحدّد عبد الله أن هذه النظريات والأفكار هي للفيلسوف الشهير ميشيل فوكو.
قدّم عبد الله أوجلان نفسه كمنقذ ومحرّر للمرأة، لكن عبد الله بنفسه سرق الأفكار والنظريات المتعلقة بالمرأة واستخدمها لتحرير المرأة ونشرها باسمه. وعلى وجه الخصوص أفكار الفيلسوفة الشهيرة سيمون دي بوفوار عندما تقول إن المرأة ليست كائناً بيولوجياً فحسب، بل هي أيضاً كائنات حضارية فكرية، وأن مركز حرية المرأة هو طريق التحرير لأي مجتمع.
وهنا يطرح سؤال آخر نفسه وهو: لماذا لم يشر عبد الله أوجلان إلى مصادره الفكرية؟
بعد دراسة نفسية واجتماعية موسّعة وعميقة لشخصية عبد الله، يتّضح ويتبين أنه بعدما أصيب بمرضه (جنون العظمة) لم يكن مستعداً أبداً لتعريف نفسه كطالب وتلميذ أو مثقف عادي. بل بدلاً من ذلك، أراد أن يعرّف عن نفسه وإظهاره ذاته وشخصيته كـ عالم اجتماع أو ملهم سياسي أو فيلسوف!
لذلك فإن كلّ من ينتقده وكأنّما انتقد حقيقة الثورة. فـ أوجلان يرى ويعتقد أن انتقاد المثقفين أو الثقافة أمر طبيعي، ولكن انتقاد الملهمين والعلماء والفلاسفة كأنه فعل خياني، لذلك فهو يريد أن يتم الاعتراف به كملهم سياسي، وليس كتلميذ أو مثقف.
فأعظم خطيئة فكرية هي إخفاء الإنسان لتأثّره وإظهار نفسه كنبي وحامل رسالة.
فـ أوجلان ليس مثقفاً صرفاً نقياً، بل يمكن وصفه وتعريفه بأنه جامع للأفكار.
يحاول أوجلان التظاهر بأن أفكاره نبعت من إمرالي، لكن الحقيقة هي أن أفكاره جاءت من المكتبة الغربية دون أن ذكر مصادره في رفوف المكتبة.