أزمة رواتب موظفي إقليم كوردستان وسقوط أقنعة جحوش العراق…

“جاش” أو الجحش… مصطلح يُطلق على الكورد الذين باعوا أنفسهم ووطنهم، ووقفوا مع الغزاة المحتلين في جبهة واحدة، وتعاونوا مع الأعداء لاحتلال وطنهم أكثر، في السابق، كان الجاش-الجحوش يتألفون من مجاميع مسلّحة تُستخدم لضرب الثوار والثورات الوطنية، تلك الثورات وأولئك الثوار المحاربين والمقاتلين من أجل تحرير كوردستان، لكن اليوم، أو بالأحرى أن نقول جحوش اليوم لم يعودوا تلك المجاميع المسلّحة التي تقاتل أبناء وطنهم بالسلاح، بل تحوّلت جحوش اليوم إلى مجاميع سياسية وشخصيات تتحرّك وفق مسمّيات أحزاب سياسية أو شخصيات سياسية أو مثقّفين أو صحفيين وإعلاميين أو نشطاء المجتمع المدني… وتتحرّك وفق أجندات العدو في محاربة الوطن وأبنائه، وتُستخدم هذه الكلمة في الثقافة الكوردية كمصطلح ازدرائي سيء الصيت لوصف من يبيعون أنفسهم ووطنهم ومواطنيهم للأعداء لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة.
في النصف الثاني من الألفية الثانية، عُرف الكورد الذين تعاونوا مع الحكومة العراقية وساعدوها في احتلال وطنهم بـ (جاش-الجحش). وكان من السهل جدّاً التعرف على هؤلاء الجاش-الجحوش، حيث كانوا مسلّحين ومتعاونين مع الدولة علنًا. وكانوا يديمون جحوشيتهم بمنتهى الصلافة وعدم الحياء ويتقبّلونها، لكن بعد انتفاضة شعب إقليم كوردستان عام 1991، تغيّر الوضع، وحاول الجحوش-جاش في إقليم كوردستان إخفاء جحوشيتهم-جاشاتي أو هويتهم هذه تحت مختلف وشتّى الأقنعة، وبالفعل تمكّنوا من ذلك، واليوم، من يمارسون الجاشايتي يحاولون إخفاء هذه الممارسة الشنيعة الشائنة تحت قناع الأحزاب السياسية والصحفيين والسياسيين والناشطين المدنيين والبرلمانيين، لكن أفعالهم تُسقط أقنعتهم وتكشف عن جحوشيتهم المكنونة والمخفية خلف تلك الأقنعة…
أزمة الرواتب وسقوط الأقنعة
بعد سقوط نظام البعث المقبور عام 2003، لم تستطع الدولة العراقية والنظام الشيعي القائم، كما كان الحال مع نظام صدام حسين ومن سبقه، تقبّل أن يعيش الكورد بأمان وسلام دون أن يتعرّضوا للقمع والاضطهاد والظلم، وعندما لم تستطع أن تحقّق هدفها هذا في احتلال أراضي كوردستان بشكل مباشر، قامت باتباع وسائل أخرى لا تقلّ صلافة ودونية ووحشية كذلك من ممارسات المحتل للأرض والناهب لخيرات موطن الكورد هذا… فقام النظام الشيعي القائم في العراق بعد عام 2014 بقطع رواتب موظّفي إقليم كوردستان، للعلم أن الحكومة العراقية الحالية أرادت احتلال كوردستان عسكريًا، لكن الوضع الراهن لم يسمح لها باستخدام السلاح ضدّ الكورد كما فعلت الأنظمة والحكومات السابقة، فاضطرت إلى اتّخاذ إجراءات سياسية واقتصادية مميتة، وبالأخص بعد فشلها في القضاء على كيان إقليم كوردستان بعد أحداث أكتوبر عام 2017.
باتت أزمة الرواتب أشبه بسياسة العصا في يد الدولة العراقية تُستخدم ضدّ إقليم كوردستان. ورغم أن جحوش العراق يعلمون جيداً أن الرواتب لا تأتي من أربيل، بل من بغداد. وأن بغداد تستخدم هذه الورقة في حربها الخاصة ضدّ الكورد وضدّ إقليم كوردستان بشكل شهري، وتحاول أن تتصدّر أزمة الرواتب جدول أعمالهم الشهرية، هل سترسل بغداد الرواتب أم لا؟! وأن الدولة تحاول تجويع شعب إقليم كوردستان في محاولة لكسر إرادة الكورد وتأليبهم ضد حكومة إقليم كوردستان وكسر الإرادة السياسية في إقليم كوردستان واستسلامها… لكن رغم كلّ ذلك، لم يبد جحوش إقليم كوردستان أي موقف ضدّ الحكومة العراقية، ليس هذا فحسب، بل يبرّرون دوماً مواقف وبيانات وتصريحات الحكومة الشيعية العراقية سعياً منهم لاتهام حكومة إقليم كوردستان بالوقوف وراء كلّ ما يجري على الساحة!
معظم السياسيين والبرلمانيين في إقليم كوردستان، ممن يُعرّفون أنفسهم كـ معارضين، هم في الأساس جحوش-جاش للدولة العراقية المحتلة. ورغم أن جحوشية هؤلاء واضحةٌ للعيان وللجميع من خلال تصريحاتهم وأقوالهم وأفعالهم اليومية، إلّا أنهم يسعون جاهدين إخفاء جحوشيتهم خلف أقنعةٍ مختلفة.
عندما يلتقي هؤلاء الجحوش بمسؤولٍ في الحكومة العراقية، يصفونه بـالـ “محترم” و…، وينصتون ويستمعون إلى خطاباته كعبيد، يطأطؤون رؤوسهم ولا يستطيعون قول كلمةٍ لا تُرضي هؤلاء المسؤولين، لكنهم لا يلتقون ولا يجتمعون إطلاقاً بالمسؤولين في حكومة إقليم كوردستان، وعندما يتحدّثون عن مسؤول في حكومة كوردستان يسيئون الأدب ويتحدثون غاية في السفالة والصلافة، لا يذكرون أمراً جميلاً فعلته حكومة إقليم كوردستان في حين يرون عموم شرور وانتهاكات الحكومة العراقية أعمالاً خيرة بل غاية في الخير!
دعوة الحزب الديمقراطي الكوردستاني لاجتماع الأحزاب الكوردية وغياب الجحوش لأسباب غير منطقية وغير مقبولة…
في الآونة الأخيرة، أبلغت الحكومة العراقية حكومة إقليم كوردستان مؤخّراً بكتاب رسمي أنها لم تعد قادرة على تمويل رواتب الشهر الخامس (شهر أيار) من هذا العام لموظّفي إقليم كوردستان، بحجة أنها استنفدت كافة حصتها وميزانيتها من الموازنة وتجاوزتها، من جانبها ردّت حكومة إقليم كوردستان هذه المزاعم بكتاب رسمي أوضحت فيه كلّ الحقائق بالبيانات الرسمية، كما وأشارت إلى قرار المحكمة الاتّحادية العليا والذي نصّ على صرف رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم من حصته في الموازنة السنوية بعيداً عن المشاحنات السياسية، بعدها، دعا الحزب الديمقراطي الكوردستاني القوى السياسية في إقليم كوردستان لعقد اجتماع طارئ للتعبير عن استيائهم تجاه هذا القرار المجحف بحقّ موظّفي وشعب إقليم كوردستان، وذلك في مقرّ الحزب في بيرمام. لكن هؤلاء الجحوش رفضوا دعوة الديمقراطي الكوردستاني ولم يحضروا الاجتماع بحجة أنه يجب على الأطراف السياسية أن تجتمع وتقرّر تحت قبة البرلمان!
حجج هؤلاء الجحوش ومبرّراتهم غير منطقية وليست محلّ قبول على الإطلاق، فهم يعلمون جيداً أنهم لا يستطيعون اتّخاذ قرار حاسم في برلمان كوردستان، لأن هذه ليست قضية قانونية، بل قضية سياسية، ويجب حلّها سياسيًا. محاولتهم وحجّتهم هذه ليست سوى تبريراً لإضفاءً الشرعية على جحوشيتهم، وإلّا فعلى هذه الأطراف والشخصيات اتّخاذ موقف حازم وجاد ضدّ الغزاة المحتلين خارج الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتّحاد الوطني الكوردستاني! وهذا ما لن يحدث أبدًا. فلا يمكنهم سوى اتّخاذ مواقف معادية وإجراءات ضدّ الكورد وكوردستان، واستخدام الألفاظ النابية والبذيئة وغير الأخلاقية وغير اللائقة تجاهه المسؤولين الكورد فقط.
السياسة العراقية هذه هي سياسة احتلال، وجحوش الكورد يسعون لإخفاء هذه السياسة المعادية للكورد
تقوم الدولة العراقية بنهب نفط الكورد وجميع ثروات الكورد كوردستان ووهبها وتقديمها للدول والشركات. وكي لا يمارس الكورد حقوقهم الوطنية والقومية، قامت ببيع نفط كركوك لشركة بريتش بترول البريطانية، كما باعت نفط خانقين لشركة صينية. منعت الدولة تصدير نفط إقليم كوردستان، لكن من يسمّون أنفسهم بالمعارضين من الأطراف والشخصيات الكوردية والكوردستانية اسماً فقط والذين يزعمون أنهم يريدون أن يُدار كلّ شيء وفق القانون… التزموا الصمت المخجل ولم ينبسوا ببنت شفة! لم يدلوا بأي بيان ضدّ الدولة العراقية ولم يدينوا هذه الممارسات! بل على العكس تماماً، يدلون بتصريحات يومية ضدّ حكومة إقليم كوردستان ويتّهمونها زوراً وبهتاناً، فـ جحوش اليوم على غرار الجحوش السابقين يحاولون إخفاء هوية الاحتلال العراقي، ولكن تحت أقنعة مغايرة.
تعمل وسائل إعلام هذه الأحزاب والأطراف على تبرير ممارسات وانتهاكات الدولة العراقية، وتصنع أخبارًا تقلّل من شأن حكومة أربيل وبيشمركة كوردستان والبارزاني، فعندما تمتنع الدولة العراقية عن إرسال الرواتب إلى كوردستان… تتصدر وسائل إعلام هذه الأحزاب والجحوش عناوين الأخبار قائلة إن البارزاني لا يصرف رواتب موظّفي الإقليم! وأن الحكومة العراقية قد أرسلت الرواتب!! وكذلك هذه المرة، فهم يزعمون أن حكومة بغداد قد أرسلت رواتب موظّفي إقليم كوردستان! هذا الولاء الأعمى يشبه ولاء الجراء لأصحابها وأسيادها، مهمّة وسائل الإعلام هذه هي دعم الدولة العراقية والتعاون معها لنصرتها على الكورد وكوردستان في خضم أزمات وتحديات الشرق الأوسط.
باختصار، لا يوجد فرق بين جحوش-جاش الماضي والحاضر. بل الفرق الوحيد بينهما هو أن الجحوش الحاليين يرتدون أقنعة ولإخفاء وجوههم، لكن الأقنعة لا يمكنها إخفاء الوجه الأسود للجحوش-جاش، ولا شكّ أن الشعب الكردي سيحاسب هؤلاء الجحوش اليوم أو غداً وإن غداً لناظره لقريب…