في يومي 28 و29 نيسان/ أبريل الجاري (2025)، نُفّذت هجمات عدوانية على قوات بيشمركة كوردستان في قرية بلافه وكوهرزي بالقرب من قضاء ئاميديي-العمادية بمحافظة دهوك، وتأكّد بعد لقاءات أجرتها مصادر موقع “داركا مازي” مع أهالي إقليم كوردستان وبعض المسؤولين في المنطقة، أن حزب العمال الكوردستاني بكك يقف وراء الهجمتين الغدارتين، وأكّد شهود -رفضوا الكشف عن أسمائهم لدواعي أمنية- بأن المسيّرتين اللتان استهدفتا نقاط البيشمركة انطلقت من جبل گاره حيث يسيطر عليه مقاتلوا العمال الكوردستاني بكك، وقدّموا معلومات غاية في السرية والأهمية لموقعنا تؤكّد بأن الهجوم نفّذه حزب العمال الكوردستاني. وكشفوا عن معلومات لا تترك مجالاً للشك بأن الهجوم نفّذه مسلّحوا تنظيم بكك.
انطلقت هذه المسيّرات المفخّخة من المواقع والأماكن الخاضعة كلياً لسيطرة قوات الدفاع الشعبي (HPG) الجناح المسلّح لحزب العمال الكوردستاني بكك، وكانت المسيّرات-بدون طيار المستخدمة في الهجوم هي أيضًا مسيّرات انتحارية يمتلكها حزب العمال الكوردستاني بكك. في اليوم الأول من الهجوم، نُشرت شائعات تفيد بأنه ربّما سقطت هذه المسيّرات على نقاط البيشمركة عن طريق الخطأ، وأنها كانت متوجّهة لقصف مواقع أخرى! لكن الهجوم في اليوم الثاني أكّد بما لا مجال للشكّ أنه كان هجوماً مخطّطاً له مستهدفاً لقوات بيشمركة كوردستان، وفي نفس اليوم، أصدر مجلس أمن إقليم كوردستان بياناً أكّد فيه بأن الهجوم كان مخطّطاً له وأنه استهدف قوات البيشمركة دون الإشارة الصريحة إلى أن الهجوم نفّذه حزب العمال الكوردستاني.
بمعنى، أن حزب العمال الكوردستاني، الذي يتفاوض حالياً على هدنات وقف إطلاق النار مع دول الاحتلال تركيا وإيران، قام بمهاجمة قوات البيشمركة الكوردستانية. بعبارة أخرى، لم يعد حزب العمال الكوردستاني يطلق الرصاص على أحد في الشرق الأوسط سوى قوات بيشمركة كوردستان!
ما هو الوضع الحالي للقتال والاشتباكات بين حزب العمال الكوردستاني والدولة التركية؟
لم يعلّق حزب العمال الكوردستاني بكك على الهجمات على البيشمركة لغاية الآن، ولم يصدر ببيان إطلاقاً، واتّهمت وسائل إعلام حزب العمال الكوردستاني الجيش التركي بالهجوم في اليوم الأول، بينما التزمت الصمت في اليوم الثاني للهجوم. وليس معلوماً ما ستقوله، ولكن لو نظرنا إلى اللوحة من جميع الزوايا سنرى أن لهم هدفاً أو هدفين، فقد تراجعت هجمات الدولة التركية على حزب العمال الكوردستاني مقارنة بالأشهر الثلاثة الماضية، وقد احتلت الدولة التركية أساساً كافة الأماكن والمواقع الإستراتيجية في المنطقة وتمركزت فيها، وخاصة الهجمات بالطائرات المسيّرة والمقاتلات الحربية قد انخفضت بشكل كبير، وانحصرت تقريباً حول أطراف بعض الأنفاق التي يستخدمها مسلّحوا العمال الكوردستاني، وبما أن كلا الجانبين يتحرّكان فمن البديهي أن توقع بينهما صدامات واشتباكات، لهذا يمكننا القول إن هدنة وقف إطلاق النار سارية بين الطرفين بشكل رسمي وفعلي.
ما هو هدف حزب العمال الكوردستاني من هذه الهجمات؟
في كلا الهجومين، كان لحزب العمال الكوردستاني أهداف سياسية وعسكرية ونفسية.
إنّ مؤتمر الوحدة الكوردية الذي انعقد في روجآفا كوردستان والذي وُلد بمبادرة وقيادة حركة البارزاني، وبالأخص الزعيم والمرجع الكوردي الرئيس البارزاني، يرى الكورد في كافة أجزاء كوردستان هذا الأمر وعلّقوا به آمالهم، وقيّموه بشكل إيجابي ورحّبوا به، كذلك حظيت زيارات وفود حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) إلى العاصمة أربيل بترحيب حار والتي أثبتت أن الشعب الكوردي ينظر بإيجابية إلى هذه العملية ويرحّب بها، كذلك علاقات واتّصالات مظلوم عبدي مع الرئيس بارزاني واحتفالات نوروز كولن وغيرها من الأحداث خلقت استياءً لدى حزب العمال الكوردستاني، وكان حزب العمال الكوردستاني قدّ سخّر كلّ قواه السياسية والدبلوماسية والإعلامية خلال الأعوام العشرة الماضية، لمحاربة وعداء حركة البارزاني، واليوم، بات الدور القيادي لحركة البارزاني وتجمّع الكورد واحتشادهم حول حركة البارزاني مصدر قلق كبير لـ بكك وأثبت إفشال ممارسات وعداوات العمال الكوردستاني المستمر طيلة هذه السنوات العشر، ما اضطر بحزب العمال الكوردستاني إلى معاداة ومهاجمة بارزاني في وسائل إعلامه بشكل خفي وسراً، واليوم، السبب الرئيسي وراء هذه الهجمات هو الأجواء الطيبة والأخوية التي نشأت بين الكورد، فحزب العمال الكوردستاني يسعى حثيثاً للقضاء على هذه الأجواء.
لم يسبق للحزب الديمقراطي الكوردستاني أن ردّ على مثل هذا الموقف من حزب العمال الكوردستاني لا الآن ولا في الماضي، يحاول العمال الكوردستاني استغلال هذا الوضع والاستفادة منه، بل يسعى حثيثاً لاستثمار هذا الوضع، ومن المرجّح أنه سيدلي بتصريحات في اليام المقبلة يردّد افتراءاته وادّعاءاته السابقة بأنهم لم يعلموا بأنها نقاط للبيشمركة وأن البيشمركة لم يرفعوا الأعلام في هذه الأماكن… أو أن البيشمركة حاصروا تحرّكاتنا ويغلقون الطريق أمامنا… أو غيرها من الحجج والذرائع الباطلة… وسيحاول كما في السابق لعب دور المغلوب عليه والمغدور!
لماذا لم يعلن مجلس أمن إقليم كردستان اسم حزب العمال الكوردستاني؟
قال مجلس أمن إقليم كوردستان، في بيان أمس، إن هذا هجوم إرهابي واستفزازي، لكنه لم يعلن اسم حزب العمال الكوردستاني صراحة وعلناً، وأكّدت مصادر محلية موثوقة لموقع “داركا مازي” أن الرئيس بارزاني ورئيس وزراء إقليم كوردستان مسرور بارزاني لم يرغبا في الإشارة إلى اسم حزب العمال الكوردستاني وتحديده، وبحسب هذه المصادر “يحاول حزب العمال الكوردستاني جرّنا إلى الحرب منذ سنوات. لكنّنا لم نقع في هذه المصيدة وهذا الفخ، ولن نقع في هذه الألاعيب بعد الآن. ولن نجبر الشعب الكوردي ونجعلهم محكومين لأجندات سلبية وموجهة ومغرضة”، ولذلك لم يعلن مجلس أمن إقليم كوردستان اسم حزب العمال الكوردستاني. فبعد عام 2014، فجّر حزب العمال الكوردستاني أنابيب نفط إقليم كوردستان عشرات المرات، وتسبّب باستشهاد 12 من كوكبة بيشمركة كوردستان، وتصرّفت حكومة إقليم كوردستان بحساسية بالغة تجاه هذه الأجندات ولم تقع أسيرة هذه الألاعيب، وتجنّبت الاقتتال الأخوي الكوردي-الكوردي.
هل ستستمر هجمات حزب العمال الكوردستاني؟
ينتظر شعب إقليم كوردستان انتهاء الصراع والحرب بين العمال الكوردستاني بكك والجيش التركي، وإعادة إعمار قراهم وعودتهم إلى أرض الآباء والأجداد، لكن، هذه المسألة ليست سهلة على الإطلاق، فبعد عام 2019، سلّم حزب العمال الكوردستاني المناطق الممتدّة من حفتنين إلى خواكورك والتي تبلغ طولها 140 كيلومترًا إلى الدولة التركية عوض تسليم هذه المناطق لبيشمركة كوردستان، إذن، فهناك صراع ممنهج ومخطّط بين القوتين.
واليوم، برزت عملية الحلّ والسلام على ساحة الشرق الأوسط، ولا ينبغي لنا أن ننسى هذه الحرب المخطّطة والممنهجة بين حزب العمال الكوردستاني والدولة التركية. وعندما نريد أن نبني الوحدة بين الكورد علينا أن نأخذ في الاعتبار حقيقة كلّ قوة وموقفها من الكورد، فحزب العمال الكوردستاني رفض تواجد وتمركز قوات البيشمركة والقوات التابعة لحكومة إقليم كوردستان في هذه المناطق، لكنه في المقابل قبل وجود القوات التركية بل سلّم المنطقة لها!
ولا يزال حزب العمال الكوردستاني بكك يرفض ويعارض أي تقارب أو وحدة بين الكورد، العمال الكوردستاني مستاء ممتعض من تحسين العلاقات بين الحكومة العراقية وإقليم كوردستان. كما هو غير راض بتشكيل الكورد حكومة ائتلافية. عندما ننظر إلى كلّ هذه الأمور معًا، نرى أن الاضطرابات والفوضى والاستفزازات التي يقوم بها حزب العمال الكوردستاني سوف تستمر في إقليم كوردستان وتتواصل. وكما قلنا في البداية، هدنات وقف إطلاق النار من قبل حزب العمال الكوردستاني هي تجاه الغزاة المحتلين لا إقليم كوردستان والبيشمركة الكوردستانية، لذلك، يجب علينا أن نكون يقظين تجاه هذه الاضطرابات والفوضى لحزب العمال الكوردستاني بكك وأن تعامل معها بحكمة، وخاصة في روجآفا وإقليم كوردستان.
يجب على الرأي العام القومي-الوطني عامة أن يطالب حزب العمال الكوردستاني بوقف ممارساته العدوانية وألاعيبه وخلق المزيد من الاضطرابات والفوضى، وأن يعلن الحزب هدنة وقف إطلاق النار مع الكورد كما أعلنه مع دول الاحتلال…