Skip to content
مشروع سلام أم استسلام؟!

سمكو عبد العزيز
قراءة فلسفية
هناك فرق رفيع دقيق كالخيط بين السلام والاستسلام، هذا الفرق لا يُرى ولا يميّز بالعين المجردة، بل يُميّز بمعيار الفلسفة السياسية والشرف والفخر التاريخي.
مشروع عبد الله أوجلان مشروع متذبذب على مفترق طريق بين السلام والاستسلام، وقد شهد تحولاً كبيراً ونقلة نوعية من ثورة مسلّحة باسم أمة مضطهدة مظلومة مغلوبة على أمرها إلى “دعوة للسلام” دون مطالب وطنية قومية في مشروع السلام.
لا توجد مطالب كما لا يوجد توازن في هذا المشروع السلمي. بل تمّ صهر الكورد وإذابتهم في الدولة التركية من خلال هذا المشروع، تحت يافطة “أخوة الشعوب والديمقراطية الكونفدرالية”.
فهل هذا مشروع سلام أم مشروع استسلام واستعباد أيديولوجي باسم الديمقراطية وازدهار الأمم وتطوّرها؟ أم أنه مشروع لهدم الهوية والفكر والذاكرة…؟
يقول الفيلسوف الشهير “كانت”: “السلام الحقيقي لا يكون بوقف الحرب أو إنهائها، بل بإقامة نضال سياسي مشترك يرتكز على العدالة والحقوق والاعتراف المتبادل بين الطرفين”.
لا يمكن تحقيق السلام من خلال فرض طرف واحد انفسه وانصهار طرف آخر.
بينما قال الفيلسوف العالمي هيغل: “لا يمكن للتاريخ أن يستمر من دون الصراع والاعتراف”.
فلا بدّ من الاعتراف بالهوية الحرة والوجود الحرّ للأمة، وإلّا أصبح السلام آنذاك عبودية صامتة.
إن أي سلام لا يتضمن الاعتراف بالهوية لن يعكس توازن الإرادة ولن يحقّق الاستقرار، وسيتحوّل المشروع إلى مشروع الاستسلام وليس السلام، مهما كانت تلك الدعوة تأريخية أو متطورّة ومتقدمة.
في وثائقه الأخيرة، كتب أوجلان في سجن إمرالي تحت عنوان “حلّ القضية الكوردية من خلال مشروع ديمقراطي، وليس قومياً أو انفصالياً-استقلالياً أو مركزياً أو معادياً”. وقرّر أن المشكلة-القضية الكوردية سيتمّ حلّها من خلال حلّ حزب العمال الكوردستاني بكك وهياكله وأجنحته المسلّحة-العسكرية ونزع سلاح الحزب وتسليمه… دون أن يحدّد ما الذي يتعيّن على الدولة التركية فعله مقابل مشروع السلام هذا.
أي أن هذه المشاريع تتحول إلى خطابات براقة رنانة تُقدّم باسم “أخوة الشعوب ودمقرطتها”.
دعونا نطرح بعض القضايا الاستراتيجية حول مشروع السلام:
أين الاعتراف؟
أين الضمانات التاريخية؟
أين ضمانات الهوية؟
أين حقّ تقرير المصير للأمة الكوردية أو ما هو حقّ الأمة الكوردية في تقرير المصير؟
فعندما لا يملك مشروع السلام إجابة ثابتة صلبة لهذه الأسئلة، فلا يندرج هذا المشروع ضمن خانة السلام، بل يندرج ضمن خانة طلب العفو من الدولة التركية نيابة عن الكورد، أو الأحرى والأولى أن نقول تبادل الأفكار والمواقع، ونقل الكورد من خانة المغدورين إلى موقع الاتّهام، أو أن الكورد أصبحوا سفرة طعام لدمقرطة الأمم والشعوب، وها هنا يضيف هذا المشروع معاناة ومأساة أخرى إلى معاناة ومآسي الكورد الأخرى.
جدير بالذكر، الدعوة التي أطلقها أوجلان تحت مظلة نظريات المعرفة الحديثة التي أخذها من موراي بوكشين، تشير إلى أن الوقت قد حان لاستئصال الفكر الوطني والتجريد منه.
كما استفاد أيضاً من فكر وأسلوب “فوكو” عندما وصف فوكو حيث حاول أوجلان أن يقوم الكورد بأنفسهم وبأيديهم بطرح واقتراح تغيير استراتيجيتهم الوطنية إلى ديمقراطية الشعوب.
أو بعبارة أخرى أدق وأصحّ “تحويل مشروع المقاومة ضدّ الاحتلال إلى مشروع قبول المحتل من قبل الكورد”.
هذا التغيير يذكّرنا بمقولة جان جاك روسو عندما قال: “إن أسوأ أشكال العبودية هو عندما يمارس العبد عبوديته باسم الفكر والوعي والتقدم”.
فالاستسلام لا يبدأ بتسليم السلاح، بل عندما تتخّلى عن فكرة وأسباب حمل السلاح، أو عندما تصبح الوطنية تخلّفاً ورجعية… والقومية مرضاً، ويصبح الاستقلال مشروعاً إمبريالياً!
ما يحدث الآن ليس سلاماً، بل فقدان أفكار ومعاني ودلالات المقاومة.
يتمّ تحقيق النقاط التالية في مشروع السلام لأوجلان:
“إنهاء القوات المسلّحة، إنهاء الحزب، فقدان فكرة الدولة الحرة المستقلة، فقدان الفكرة الوطنية-القومية”، كما يقول بعدها بأن هذا وحده هو الحلّ.
وهل هناك حلول تخلو عن مطالب؟!
ما هذا السلام من طرف واحد؟
أي ديمقراطية هذه التي لا يكون للأمة والشعب فيها دور في تحديد مصيرهما؟
وهنا سنذكّر قراءنا الأفاضل أن مانديلا حقّاً نبذ السلاح وألقاه، ولكن بعد:
الاعتراف بحقوق السود.
إرساء إطار للمساواة السياسية.
تكريس السيادة والعدالة.
كما أن غاندي أيضاً ورغم أنه كان ضدّ العنف، إلا أنه لم يتنازل أبدًا عن استقلال الهند.
بينما يتضمّن مشروع السلام الذي طرحه أوجلان النقاط التالية:
دون قيد أو شرط.
بدون توقيع.
بدون اعتراف.
مجانًا ودون مقابل.
ما فعله أوجلان هو على غرار اتفاقية سيفر التي أصبحت عاراً على العثمانيين، وتراجعوا عنها فيما بعد.
فعندما تطلب من أمتك أن تتخلّى عن:
لغتها السياسية.
تأريخها.
آمالها وتطلّعاتها…
نضالها وهويتها الحقة.
قوتها العسكرية.
عندما تطلب من أمتك أن تتخلّى عن هذه الأشياء فهذا ليس سلامًا، بل حياة عبودية جماعية، وليست حياة حرية مستقلة ومتحرّرة…
وختاماً، نقول: من غير السليم والصحي القول:
هل السلام جيد أم سيء؟
لكن الصحيح أن نقول هذا السلام مقابل أي ثمن؟؟