تُعدّ ظاهرة التسوّل واحدة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تعاني منها العديد من الدول والمجتمعات، بما فيها العراق. هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، بل تمتدّ لتشمل جوانب أمنية خطيرة تؤثّر على الأمن القومي.
يعاني العراق من تفاقم ظاهرة التسوّل، خاصة في المدن الكبرى مثل العاصمة بغداد، مما يستدعي تحليلًا معمقًا لفهم أسبابها وتأثيراتها على المجتمع والأمن القومي، بل باتت الظاهرة في مرحلة تحوّل خطير إذ لم تعد سلوكاً فردياً أو مجرد حالة اجتماعية بل تحوّلت لتجارة منظمة تقودها عصابات «إجرامية».
أكّد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، أن ظاهرة التسوّل في العراق لم تعد مجرّد سلوك فردي أو حالة اجتماعية معزولة، بل تحوّلت إلى تجارة منظمة تقودها عصابات إجرامية تستغل الفئات الضعيفة والهشة من النساء والأطفال، وتستخدم أساليب متعددة للتغلغل داخل المجتمع.
وقال الغراوي في تقرير اليوم، إن هذه العصابات بدأت تستورد المتسوّلين من الخارج تحت غطاء العمالة المؤقتة أو السياحة الدينية أو حتى صفة اللجوء، موضّحًا أن جنسيات المتسوّلين الأجانب تنتمي في الغالب إلى دول آسيوية مثل بنغلادش، فيما تأتي سوريا في مقدمة الجنسيات العربية التي تمتهن التسول داخل العراق.
وأضاف بأن وزارة الداخلية قامت خلال عامي 2023 و2024 و2025 بإبعاد أكثر من 40 ألف متسوّل أجنبي، إلا أن آلافًا آخرين ما زالوا يمارسون هذه المهنة.
وشدّد الغراوي على أن هناك أنماطًا حديثة من التسوّل بدأت تظهر في العراق، من بينها التسوّل الإلكتروني، والتسوّل الصحي، إضافة إلى التستر خلف واجهات إنسانية واجتماعية مزيفة، في إطار عمل ممنهج تقوده شبكات إجرامية تمارس الاتجار بالبشر.
كما أشار رئيس المركز، إلى أن استغلال الظروف الاقتصادية والقانونية والأمنية أسهم في تفشي هذه الظاهرة بشكل خطير، مطالبًا الحكومة العراقية بإطلاق حملة وطنية شاملة لمكافحة التسول، وإعادة جميع المتسوّلين الأجانب إلى بلدانهم، وملاحقة العصابات المتورطة بتجارة التسول، وإصدار تعديلات قانونية تجرم وتغلّظ العقوبات على كل من يشارك أو يسهم في هذه الجريمة.
وختم الغراوي دعوته بتأكيده على أهمية إعلان عام 2025 عامًا خاليًا من التسوّل في العراق، عبر إجراءات قانونية ومجتمعية واقتصادية شاملة تعيد الاعتبار لكرامة الإنسان وتضمن حماية الفئات الضعيفة.