يستعدّ البرلمان التركي لصياغة قانون تأريخي يُسقط التهم المتعلقة بالإرهاب عن أعضاء حزب العمال الكوردستاني بكك الذين يوافقون على نزع سلاحهم، فيما وصفه المسؤولون بأنه خطوة مهمة نحو إنهاء الحملة المسلّحة التي شنّها الحزب على مدى عقود، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام تركية.
وستتولّى لجنة برلمانية مُشكّلة حديثًا إعداد هذا التشريع، ومن المقرّر أن تعقد اجتماعها الأول في 5 أغسطس/آب الجاري.
وستشرف هذه الهيئة على المرحلة التالية من مبادرة “تركيا خالية من الإرهاب” التي تقودها الدولة، وتُحدّد الوضع القانوني لأعضاء العمال الكوردستاني الذين ينبذون العنف طواعيةً.
وتُعدّ هذه المبادرة جزءًا من خارطة طريق طرحها ودعمها التحالف الحاكم في تركيا والمتمثّل في حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان، وحزب الحركة القومية بزعامة دولت باخجلي، وتأتي وسط تقارير تُفيد بأن مقاتلي العمال الكوردستاني يواصلون التخلص من أسلحتهم.
وفي 11 يوليو/ تموز الماضي، قام 30 مقاتلًا (من بينهم قادة بارزين في حزب العمال الكوردستاني بكك) في مراسم رمزية بنزع سلاحهم في مدينة السليمانية بإقليم كوردستان، حيث أحرقوا أسلحتهم علنًا فيما اعتُبر لحظة مفصلية في أطر العملية الجارية في تركيا وباكور كوردستان-كوردستان تركيا.
وكانت جهود المصالحة قد بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 بمبادرة من دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، وهو حليف رئيسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تكريا والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وطالب باخجلي زعيم حزب العمال الكوردستاني بكك المسجون في إمرالي، عبد الله أوجلان، إلى حثّ الحزب على إلقاء السلاح.
من جانبه، استجاب أوجلان لهذه الدعوة، وفي فبراير/ شباط، أرسل أوجلان دعوة إلى مقاتلي حزبه يحثّهم على نزع سلاحهم وحلّ الحزب وإنهاء الكفاح المسلّح.
ويهدف مشروع القانون القادم إلى توضيح العواقب القانونية المترتبة على المسلّحين السابقين. وقال مسؤولو حزب العدالة والتنمية إن القوانين الحالية تفتقر إلى آلية واضحة لمعالجة القضايا المتعلقة بالأفراد الذين تخلّوا عن التشدّد. ورغم وجود أحكام “الندم الفعلي” في قانون العقوبات التركي، إلا أن المشرعين الذين يسعون إلى إيجاد حلّ أكثر شمولاً، يعتبرونها غير كافية.
وبموجب التشريع المقترح، لن يواجه أعضاء العمال الكوردستاني الذين ثبت نزعهم سلاحهم الملاحقة القضائية بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية. ومع ذلك، سيظلّ الأفراد المتورطون في جرائم أخرى، مثل القتل، يُحاكمون على تلك الجرائم.
وستتشاور اللجنة، التي ستعمل خلف الأبواب المغلقة ولكنها تحتفظ بسجلات كاملة، مع خبراء قانونيين ومنظمات المجتمع المدني ومسؤولين سابقين شاركوا في جهود السلام السابقة. كما كُلِّفت بوضع خطة لإعادة إدماج أعضاء بكك العائدين، بما في ذلك دعم التعليم والتوظيف والإعفاءات من الخدمة العسكرية.
ومن المتوقع أن تُقدِّم هيئة الاستخبارات الوطنية التركية المعروفة اختصاراً بـ MIT تحديثات ميدانية إلى اللجنة، ولم يستبعد المسؤولون إمكانية إعادة التواصل المباشر مع أوجلان إذا لزم الأمر.
وفي حين يختصّ القانون المقترح بأعضاء العمال الكوردستاني بكك، أكّدت السلطات أن قوانين مكافحة الإرهاب الحالية ستظلّ سارية المفعول بالكامل بالنسبة للجماعات الأخرى المُصنَّفة.
وتحيط مخاوف وشروط باللجنة التي يشكلها البرلمان التركي لوضع الأساس القانوني لمواكبة عملية نزع أسلحة حزب العمال الكوردستاني.
فـ حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) يتمسّك بمطلب ألّا يقتصر عمل اللجنة البرلمانية المؤلّفة من 51 عضواً والتي انتهت مهلة تقديم الأحزاب لأعضائها الخميس الماضي، على عملية نزع سلاح العمال الكوردستاني، بل يجب أن تتّخذ خطوات ديمقراطية على صعيد تركيا.
گلستان كليج، نائبة رئيس المجموعة البرلمانية لـ (DEM Partî) قالت إن حزبها و«حزب الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، أبلغا رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، خلال الاجتماع الأخير، بضرورة عدم تقليص دور اللجنة إلى مستوى فني، وعدم تخصيصها لنزع السلاح فقط.
وتابعت كليج: “لذلك، أكّدنا نحن و(حزب الشعب الجمهوري)، والمعارضة بشكل عام، ضرورة أن تتبنى اللجنة منظوراً قائماً على الديمقراطية والسلام، وأن تعمل وفق نهج من شأنه حلّ المشكلات بشكل دائم. وبهذا المعنى، تتبنى المعارضة توافقاً ونهجاً مشتركاً فيما يتعلق بالديمقراطية العامة”.
وحدّد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî) أسماء أعضائه الأربعة في اللجنة البرلمانية المرتقبة، وهم إلى جانب گلستان كليج (ميرال دانيش بيشتاش، وصاروخان أولوتش، وجنكيز جيجك).
شروط محدّدة
في السياق ذاته، كشفت مصادر «حزب الشعب الجمهوري» عن فحوى مذكرة بشأن اللجنة البرلمانية، مؤلفة من 16 صفحة، قُدمت إلى رئاسة البرلمان قبل شهر متضمنة مبادئ ومقترحات، ونوقشت خلال لقاء رئيس الحزب أوزغور أوزيل، برئيس المخابرات إبراهيم كالين، الأسبوع الماضي.
وبحسب المصادر، اعترض الحزب على الاسم المقترح للجنة، وهو «لجنة السلام الاجتماعي والعدالة والتوافق الديمقراطي»، الذي يطرحه حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî)، وكذلك مصطلح «تركيا خالية من الإرهاب» الذي طرحه «تحالف الشعب» (حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية) وطالب بألّا يكون اسم اللجنة مصطلحاً أو شعاراً شائع الاستخدام من قِبل حزب أو تحالف.
كما أكّد أنه ينبغي ألّا يقتصر الهدف على مسألة حزب العمال الكوردستاني ونزع أسلحته، بل يشمل أيضاً “القضاء على جميع أشكال التمييز، وإنهاء الأنظمة والممارسات المناهضة للديمقراطية، وجعل مسألة الاحتجاز دون محاكمات استثناء”.
وشدّد الحزب على أن الهدف من اللجنة لا ينبغي أن يكون ضمان وجود استثناءات، ويجب وضع مقترحات قانونية لتفعيل سيادة القانون بجميع قواعده ومؤسّساته، والعمل على حلّ القضية الكوردية وبناء السلام الاجتماعي.
وأضاف أن اللجنة يجب أن تعمل على وضع اللوائح القانونية التي تهدف إلى ضمان السلام الاجتماعي والعدالة، ومعالجة أوجه القصور في تطبيق القوانين، وأن يتمّ إنشاؤها بموجب قانون؛ لأنه “حتى اليوم لا يزال من غير الواضح كيفية إنشائها، وفي أي مجالات ستعمل، وما هي صلاحياتها”.
ولفت إلى ضرورة اتّخاذ قرارات اللجنة بأغلبية 3 أخماس أعضائها، وليس بأغلبية بسيطة، حتى لا تصبح مجرّد منصة لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم.
عمل سريع
وتمّ تحديد عدد أعضاء اللجنة بـ 51 عضواً من نواب البرلمان، بينهم 21 نائباً من حزب «العدالة والتنمية» و10 من «حزب الشعب الجمهوري»، و4 من كلّ من حزبَي «حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî)» و«الحركة القومية»، و3 نواب لكلّ من حزبَي «الجيد» و«الطريق الجديد»، ونائب واحد من كلّ من أحزاب «الرفاه الجديد»، و«هدى بار»، و«العمال التركي»، و«العمل»، و«الديمقراطي»، و«اليسار الديمقراطي».
وأفادت تقارير بأن اللجنة ستتّخذ قراراتها بأغلبية 31 من أعضائها، وأنها سترسم خريطة طريق حلّ «حزب العمال الكوردستاني» ونزع أسلحته، وستناقش اللوائح والتعديلات اللازمة لتشريعها، بما في ذلك لوائح مماثلة لـ «قانون العودة للوطن» الذي طُبّق عام 2003، والذي نصّ على أحكام مخفّفة لأعضاء «حزب العمال الكوردستاني» غير المتورّطين في هجمات إرهابية ممّن يختارون الخروج من الحزب.
وأضافت أن عمل اللجنة سيكون بمثابة دليل إرشادي لمشاريع القوانين المستقبلية المتعلقة بالإرهاب.
وقال رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، خلال فعالية في جناق قلعة في غرب تركيا الأحد، إن اللجنة ستبدأ عملها في أغسطس (آب)، وستشرف على مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، وستتّخذ الخطوات اللازمة لتطبيق أي لوائح سياسية وقانونية ضرورية لتعزيزها.
وذكر أن هذه المسألة لن تشغل جدول أعمال تركيا لفترة طويلة، ومع ذلك فإن “هذه اللجنة التي ستُظهر العزم المشترك لجميع الأحزاب في البرلمان، ستكون أيضاً بمثابة منصّة عمل تُسمع فيها أصوات مختلفة سعياً إلى تعزيز الديمقراطية في تركيا، وسيتمّ التعبير عن وجهات نظر مختلفة، لكن في النهاية سيتم اتّخاذ قرارات تصبّ في مصلحة تركيا وشعبها».