(Middle East Monitor): العراق على مفترق طرق أمام خيارات كارثية…

حذّر موقع (Middle East Monitor-ميدل إيست مونيتور) الأميركي من أن العراق يقف على مفترق طرق حاسم وصفه بـ “الخيارات الكارثية” ما بين استعادة السيادة الوطنية أو البقاء رهينة لهيمنة الميليشيات التابعة للحشد الشعبي، مؤكّداً أن الانتخابات المقبلة لن تكون مجرّد منافسة حزبية، بل استفتاءً على سيادة العراق ومستقبله السياسي، أي معركة وجود بين الدولة والميليشيات المسلّحة الولائية.
وأوضح الموقع في تقرير مطوّل، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات المقرّرة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فإن العراق يقف أمام منعطف يتجاوز حدود التصويت الانتخابي، مشيراً إلى وجود سؤالين جوهريين يحدّدان مصير البلاد:
“هل تستطيع بغداد أن تفرض سيادتها الحقيقية على أجهزتها الأمنية من خلال التخلّص من الحشد الشعبي وتخفيف اعتمادها على طهران؟ وهل بمقدورها تفكيك الإطار السياسي الفاسد الذي تتحكم به النخبة الحالية؟”
وأكّد التقرير أن الإجابات على هذين السؤالين ستعيد رسم مستقبل العراق والنظام الإقليمي برمته، وأن تأثير مسار العراق سيمتد إلى مختلف دول الشرق الأوسط.
نفوذ إيراني وأزمة سيادة
وأشار التقرير إلى أن علاقات العراق مع دول الخليج – وخصوصاً السعودية والإمارات وقطر – تشهد تقارباً أكبر، في ظلّ محاولات تلك الدول طرح بدائل للنفوذ الإيراني المتصاعد، في وقتٍ تتزايد فيه مؤشّرات الانخراط التركي السياسي والاقتصادي كإشارة لطموح أنقرة في الساحة العراقية.
وأضاف التقرير أن فكرة “الهلال الشيعي” التي حذّر منها الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، تواجه أخطر اختبار لها في العراق اليوم، مبيناً أن استعادة بغداد السيطرة على أجهزتها الأمنية لن تكون مجرّد هزيمة تكتيكية لطهران، بل إعادة تموضع إستراتيجي له تداعيات على لبنان وسوريا واليمن.
وتابع، أن قوات الحشد الشعبي أصبحت تجسيداً لأزمة السيادة العراقية، إذ تمدّدت داخل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية، وتتحكّم في المنافذ والمؤسّسات وتستنزف ما يقارب 3 مليارات دولار سنوياً من ميزانية الدولة، وتدير السجون وتعيّن الوزراء، ما يجعلها “آلة أمنية وسياسية فاسدة تُكرّس النفوذ الخارجي داخل مؤسّسات العراق”.
العراق… رئة إيران المالية
وأوضح التقرير أن العراق أصبح المنفذ المالي والاستراتيجي الوحيد الباقي لإيران بعد تراجع نفوذها في سوريا ولبنان واليمن، مبيناً أن شبكات الفساد المرتبطة بالحشد الشعبي تضخّ العملات الصعبة إلى طهران في ظلّ انهيار الاقتصاد الإيراني وتراجع قيمة الريال.
وأضاف أن فصائل الحشد لم تعد تركز على التوسّع العقائدي، بل على “البقاء عبر شبكات الرعاية والتمويل” وهو ما وصفه التقرير بأنه نقطة ضعف يمكن لواشنطن استغلالها في سياساتها المستقبلية تجاه العراق.
انتخابات مفصلية وسط انقسامات
وفي ظلّ هذه الأوضاع، أشار التقرير إلى أن الانتخابات العراقية المقبلة ستجري وسط انقسامات غير مسبوقة داخل القوى الشيعية، ما قد يحدّ من قدرة الحشد الشعبي على تحقيق مكاسب انتخابية، إلّا أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يحكم من خلال ائتلافٍ يهيمن عليه الحشد، يحاول الموازنة بين ولائه لواشنطن وبين تحالفاته الداخلية، بحسب التقرير.
كما شبّه التقرير المشهد الحالي بتجربة الحاكم الأميركي بول بريمر بعد 2003، حينما “حلّ الجيش وأفسد مؤسّسات الدولة بجرة قلم” مؤكّداً أن العراق اليوم يعيش سيناريو مشابهاً من الانقسام والاضطراب.
وحذّر التقرير من أن حلّ الحشد الشعبي قد يؤدّي إلى انفجار دموي وصراع طائفي واسع، بينما الإبقاء عليه يعني نهاية السيادة العراقية واستمرار الغضب الأميركي، مشيراً إلى أن البلاد معلقة بين سيادة شكلية وتبعية فعلية، وأن انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر “لن تُنهي هذه المفارقة لكنّها ستحدّد اتجاه البلد”.
استفتاء على السيادة
ورأى الموقع الأميركي أن الانتخابات المقبلة تمثّل استفتاءً على مستقبل العراق: هل سيقرّر العراقيون مصيرهم بأنفسهم، أم سيبقون رهائن صراعٍ إقليمي يطارد المنطقة لعقود قادمة؟
وختم التقرير قائلاً: “العراقيون عانوا من طاغية واحد في الماضي، واليوم يواجهون آلاف الطغاة المقنّعين ببدلات رسمية وسلاح شرعي، الشعب تعرّض للخيانة لكنّه لم يُكسر، هو يغلي غضباً بانتظار الحساب. السؤال في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل: هل يترك العراق ماضيه خلفه، أم يعيد انتخاب الوجوه ذاتها التي قادته إلى الفشل؟”.