بعد محاولة إحتلال غرب کوردستان من قبل الدولة الترکیة ، تعالت صیحات الإستنکار والشجب من کل الدول والأطراف والجهات إلا شمال کوردستان ، فقد بقیت الأحزاب الکوردیة صامتة لا موقف لها ، وهنا ناقش الجمیع سبب صمت الشمال ، فبعضهم إتهم حزب الشعوب الدیمقراطي ، فهل فعلاً هذا الحزب متهم ؟ أم أن الجهة التي أسست الحزب هي المتهمة ؟ ومن الذي أسس حزب الشعوب الدیمقراطي ؟
بعد محاولة إحتلال الدولة الترکیة لغرب کوردستان في الـ 9\10\2019 ، تعالت صیحات الإستنکار والشجب ، من الکورد وأصدقائهم وحلفائهم ، والشخصیات التحرریة في کافة الأوساط ، تندیداً بالإحتلال الترکي ، معلنین مواقفهم المعارضة للإحتلال ، إلا صوت شمال کوردستان ! فالتزم الصمت ، ولم ینبس ببنت شفة ، ولم یکن لهم مواقف تُذکر ! فحتی لو کان شعب شمال کوردستان غیر راضٍ عن محاولة ترکیا لإحتلال غرب کوردستان ، إلا أنهم لم یستطیعوا التعبیر عن موقفهم بأنشطة معادیة للحرب والإحتلال الترکي لغرب کوردستان ، إذاً لماذا إستطاعوا التعبیر عن موقفهم عندما تأزمت الأوضاع وتعقدت في تسعینیات القرن المنصرم ، عندما هاجموا الدبابات والآلیات العسکریة الترکیة ! وأعلنوا مواقفهم آنذاک ! فلماذا إنعدمت مواقفهم الآن ؟! فالکل هنا وفي هذا المجال سیشیر بأصابع الإتهام لحزب الشعوب الدیمقراطي ، وسیطالب برلمانییها بالإستقالة ، فهل فعلاً الحزب متهم بهذا الإتهام ؟
مرّت الأحزاب السیاسیة الکوردیة في شمال کوردستان بمرحلتین :
المرحلة الأولی : الأحزاب مثل أحزاب ( DEP , HEP , DEHAP ) التي قامت بتنظیماتها في المدن الکوردستانیة ، واحتوت علی الکثیر من الشخصیات الکوردیة البارزة التي علت مناصب علیا فیها ، وهذه الأحزاب کانت کوردیة وکوردستانیة ، منتموا وأعضاء هذه الأحزاب وشخصیاتها لم تکن لهم آیدولوجیات مغایرة ، وکانوا ملتزمین بالقضیة الکوردستانیة ، وهذه العملیة دامت من عام 1991 لـ 2004 ، وخلال هذه السنوات الـ 14 ، تم إختطاف شخصیات کثیرة وبارزة ، وإخفاء الکثیرین ، وإلقاء القبض علی الكثیرین ، وتعذیب الکثیر منهم ، وتم إختطاف زعیم حزب ( HEP ) ( فدات ئایدن ) في الـ 5 تموز 1991 في مدینة ئامد ، وبعد یومین تم العثور علی جثته مقتولاً ، وفي مراسم دفنه إحتشد آلاف الناس في الشوارع والأزقة ، رافعین شعار ( تحیا کوردستان ویموت الظالم ) وهذا الشعار أصبح شعار هذه الأحزاب في المرحلة الأولی حتی عام 2004 .
أحزاب ( DTP , BDP , HDP ) وضعت مشاکل وعقد کوردستان جانباً ، وجعلوا مشکلة دمقرطة ترکیا هدفهم وأساساً لنضالهم .
المرحلة الثانیة : تبدأ سنة 2005 وحتی یومنا هذا تستمر هذه المرحلة ، وکل واحدة من هذه الأحزاب ( DTP , BDP , HDP ) أدامت نضالها في هذه المرحلة ، واختلفت هذه الأحزاب من داخلها ، وفي سیاستها عن أحزاب المرحلة الأولی ، هذه الأحزاب کانت تُدار مباشرة من قبل أوجلان ، وکانت أهدافها وشعاراتها متمثلة في ( ترکیا الدیمقراطية ، أي لنصبح أتراکاً ) وکذلک ( لا الکورد بلا الترک ، ولا الترک بلا الکورد یستطیعون العیش ) ، خلت صفوف وتنظیمات هذه الأحزاب من الشخصیات الکوردستانیة ، وإن وجدت بعض الشخصیات فکانت تعد بأصابع الید ونادرة ، وفي الوقت نفسه ضعف الشعور القومي والکوردایتي علی ید هذه الأحزاب ، وبعدها تحالفت هذه الأحزاب مع الأحزاب الیساریة الترکیة ، ووضعت قضیة کوردستان ومشاکلها جانباً ، وجعلت دمقرطة ترکیا أساساً وهدفاً لها ، في بدایة الأمر کانت هذه الأحزاب تحتوي علی شخصیات قومیة قویة أمثال ( لیلی زانا ) غیر أن تأثیر هذه الشخصیات کان شبه معدوم تقریباً ، وفي الدعایة الإنتخابیة رفعوا أعلام حزبهم حزب الشعوب الدیمقراطي جنباً إلی جنب مع العلم الترکي ، ووضعوا صور أوجلان وکمال أتاتورک مع بعض ، والأحزاب الیساریة الترکیة لم تکن لها نفوذ ومؤیدین وشعبیة ضمن تحالفها مع الشعوب الدیمقراطي ، غیر أنها حصلت علی أصوات الکورد ، وتم تشجیع وتأیید حزب الشعوب الدیمقراطي من قبل الشعب الکوردي ، غیر أن من استقر وأحکم زمام الأمور في الحزب کانوا أتراکاً ، أصبح الذین لا یفهمون اللغة الکوردیة ، ممثلین للکورد في برلمان ترکیا ! بعض الأتراک کانوا لا یعرفون المدن الکوردیة ، أصبحوا یمثلون هذه المدن في قاعة البرلمان وتحت قبته ! فأهملوا عملیة الأحزاب الکوردیة ، وبدؤا بالعملیة الثانیة ( لنکن أتراکاً ) ! .
یقول أوجلان : أثبتت للمخابرات الترکیة – میت – أن الیسار الترکي سیستقر ویتحکم في حزب الشعوب الدیمقراطي )
بعدها قیل بأن هذا الحزب أسس من قبل أوجلان والمخابرات الترکیة – میت – وفي سنة 2014 ، وُجدت ملاحظات علی لقاءات أوجلان مع برلمانیي الشعوب الدیمقراطي ( بروین بولدان ، سری ثریا ئوندر ) وکشفت للعلن ، یقول أوجلان في هذه الملاحظات : أثبتت للمخابرات الترکیة – میت – أن الیسار الترکي سیستقر ویتحکم في حزب الشعوب الدیمقراطي ، وبهذه الخطوة ستأمن الأحزاب الیساریة الترکیة من قِبلنا ) .
ولم یرد أحد علی هذه الأقوال ، فلا أوجلان ، ولا البکک ، ولا الشعوب الدیمقراطي کذّب هذه الأقوال ، حتی سأل بعض الصحفیین صلاح الدین دمیرتاش ، هل حقاً أن المخابرات الترکیة – میت – هي من أسست حزب الشعوب الدیمقراطي ؟ غیر أن دمیرتاش لم یجب علی هذا السؤال ، وکذلک صمتت العمال الکوردستاني ، فبقي هذا الشيء محل الشکوک لدی الشعب الکوردي .
وما نراه الیوم من صمت مطبق في شمال کوردستان یثبت حقیقة ما یقال ، وأن المخابرات الترکیة وراء تأسیس حزب الشعوب الدیمقراطي ، فالإرادة الکوردیة ضعفت لدی الشعب الکوردي في شمال کوردستان ، قبل 20 سنة کان الجیش الترکي یحارب الکورد ، ویهاجمهم بأسلحته بطریقة مباشرة ، یقتلهم ، ویأسرهم ، ویذیقهم شتی أنواع العذاب ، غیر أن الشعب کان یقاوم ، یناضڵ ، یضحي ، والیوم ! أصبح الشعب مسلوب الإرادة ! ! فاقد القوة ! کل هذا بسبب السیاسة التي انتهجتها الأحزاب الکوردیة في الـ 20 سنة الماضیة ، وبالأخص الـ 10 سنوات الأخیرة ، فقد الشعب صوته ، کما فقد قوته وإرادته ، أصبح لا حول له ولا قوة ، فالبکک ولأهدافهم المخفیة ومقاصدهم المستورة ، کان یستخدم الشعب للإنتفاضات ، ولکن في الأوقات التي تیقنوا أن هذه الإنتفاضات ستنعکس سلباً علی الشعب المظلوم ! فعندما کانت الظروف مواتیة لنشاط حرکي وشعبي ، وکان الوضع الترکي متأزماً لم یحرّک البکک الشعب الکوردي للإنتفاضة بوجه الحکومة للمطالبة بحقوقهم ! ولکن لتحریر أوجلان من السجن ! ومن أجله ! حرکوا المجتمع الکوردي للقیام بتظاهرات ، ونشاطات ، وانتفاضات ! وبسبب هذه الأنشطة والتظاهرات ألقي القبض علی مئات الشباب ، وتم حجب النور عنهم في غیاهب السجون ، وتم إبعاد مئات الشباب من مدارسهم ! فلماذا لم یقم هذا الحزب بهذه الأنشطة من أجل لغته الأم ! وفي الأوقات والظروف المواتیة وکلها کانت مناسبة آنذاک ، وأن هذه المطالب کانت ستأخذ بعین الإعتبار من قبل الحکومة الترکیة والدول الأوربیة . ففي عام 2014 وفي منطقة لجي بمدینة ئامد ، ، کان واضحاً أن الدولة الترکیة ستهدم تمثال شهید البکک ( محسوم کورکماز ) – الذي قتل في سنة 1986 والذي کان منصوباً آنذاک – فدعی البکک الشعب للوقوف بوجه الدولة ومحاولتها هدم النصب التذکاري ، واحتشد الشعب لیومین متتالیین ، فهاجمت القوات الترکیة هذه التجمعات ، وقتل إثرها شخص ، وألقي القبض علی 50 آخرین ، مع العلم أن الجمیع کانوا یعرفون أن النصب سیهدم ، ولکن لماذا کانوا یحاولون إشغال الناس بهذه الأمور ؟! فهل کانت هذه الأخطاء عفویة منهم ؟ أم کانت وراءها مؤامرة ؟ لماذا جعلوا الناس ینغمسون في إنشغالهم بمثل هذه الأمور ؟! حتی یتعرضوا لانکسار إرادتهم وإحباط معنویاتهم ؟!!
حرب الخنادق التي غیرت أقدار شمال کوردستان ، ینبغي کتابة تأریخ مسهب عنها
لو کانت حفر الخنادق لحمایة مصالح الشعب ؟ إذاً لماذا أدامت البکک هذه الحرب والسیاسة رغم فشل أول معرکة للخنادق ؟ وعند فشل أول معرکة لحفر الخنادق في أول مدینة ، وتعرضت المدینة للسقوط ، لماذا کرروها في المدینة الثانیة ؟! ورغم فشلها في المدینة الثانیة ، لماذا کرروها في الـ 5 مدن الکورد الباقیة !!! لماذا تم حفر الخنادق في هذه المدن ؟! والتي تسببت في تدمیر 7 مدن في شمال کوردستان عن قصد !
وأهم شيء في هذه الحرب کان سیاسة حفر الخنادق ، تلک الحرب التي بدأت عام 2015 عندما قرر البکک بنقل حربه إلی المدن والقری ، والتي تسببت في الإضرار بالناس ، وسلب قواهم ، ونتیجة هذه الحرب ، تم مقتل 310 مدني ، وتشرید أکثر من 100 ألف ، وحرمانهم من المأوی والمسکن ! تأریخ حرب الخنادق الذي غیر قدر شمال کوردستان ، من المفروض کتابة تأریخ مسهب بشأنه ، غیر أنه أصبح جلیاً وواضحاً ، هذه الحرب تسببت في نزوح أهالي مدن ( شرنخ ، سورئامد ، سلوبي ، نصیبین ، الجزیرة ، وکذلک هزخ ) ، ولم یستطیعوا الرجوع لسابق معیشتهم لحد الآن ، لم تُنل أیة مکاسب سیاسیة وراء حرب الخنادق ، ومطالب البکک کما وضحوها کانت إدارة ذاتیة غیر أنها لم تکن تنسجم مع تلک الفترة ، فالوضع الإقلیمي لم یکن مساعداً لهذا المطلب إضافة للوضع الدولي ، ومع هذا وللدعوة لهذه المطالب ضحت البکک بـ 7 مدن کوردیة ! وهنا موضع التساؤل : لو کانت حرب الخنادق لحمایة مصالح الشعب والمجتمع ، فلماذا استمرت المعرکة رغم سقوط أول جبهة في أول مدینة ؟ ورغم سقوط المدینة الثانیة لماذا استمر حفر الخنادق في المدن الـ 5 الباقیة ! لماذا التسبب بسقوط 7 مدن کوردیة في حرب عرفت نتائجها مسبقاً ؟!
وحسب معلومات خاصة بـ دارکا مازي ، أن البکک کان یهدف إلی نقل هذه المعرکة للمدن الأخری ، مثل : ( باتمان ، بایزید ، وان ) وغیرها من المدن ، غیر أن الشعب الکوردي في هذه المدن تصدوا للبکک واعترضوه ولم یقبلوا بخراب مدنهم .
ولزیادة المعلومة ، عندما قام الشباب الکورد بحفر الخنادق وإقامة الجبهات للمقاتلین ، کانوا یعملون علی مرأی من الجیش والشرطة الترکیة ، غیر أنهم لم یلاقوا أي إعتراض أو منع من قبلهم ! ألیس موضع تساؤل ؟ ألا تراودنا الشکوک بأن الدولة الترکیة کانت تهدف لهذه الحرب ؟ فمدن شمال کوردستان هذه الملیئة بالشعور القومي ، والتي لم تکن بمقدور ترکیا محاربتها وإضعاف هذا الشعور القومي فیها ، ألم تحقق البکک أهداف الدولة الترکیة من وراء هذه الحرب ؟!
حرب الخنادق کانت مؤامرة أوجلانیة مخابراتیة لتدمیر مدن شمال کوردستان
هذا السیناریو یذکرنا بکیفیة تأسیس حزب الشعوب الدیمقراطي من قبل أوجلان والمخابرات الترکیة ، کما تمت حرب الخنادق من قبلهما لأهداف وخطط ترکیة ، لأن الهدف الاستراتیجي لکلتا العملیتین کان واحداً ، وینبغي الإجابة علی هذه التساؤلات ، لأنها تحدد قدر الکورد .
وفي السنوات الـ 5 الأخیرة ، وبعد تدمیر المدن الکوردیة شمال کوردستان ، إلتزم شعب الشمال الصمت ، ولم ینخرط في أیة أنشطة ، ویعود السبب لحرب الخنادق ، تلک الحرب التي دمرت مدن شمال کوردستان إضافة للشعور القومي لدی شعب الشمال .
فلنعد إلی المسألة الرئیسیة ، ولنسأل مرة أخری : هل حزب الشعوب الدیمقراطي متهم بصمت المجتمع الکوردي شمال کوردستان ؟ الجواب کلا ، بل الذین أسسوا الحزب هم المسؤولین عن هذا الصمت ، لأن مسؤولي وقیادیي الشعوب الدیمقراطي بمثابة ممثلین علی خشبة المسرح ، ومخرج المسرحیة الحزبیة یدیر الأمور خارج الحزب ، وهذا ما یثبت لدینا أن أوجلان والمخابرات الترکیة قاموا معاً بتأسیس حزب الشعوب الدیمقراطي ،وهم المسؤلون عن هذا الصمت ، أو الجهة التي أسست الحزب مسؤولة عن تصرفاتها .
وإذا أراد المجتمع الکوردي ، في شمال کوردستان ، أخذ حقوقه ، ومعرفة المسؤولین عن صمته ، علیه فلیسألوا أوجلان والمخابرات الترکیة ما الذي فعلوه .