القائد فوق كلّ شيء وكلّ اعتبار…!

القائد فوق كلّ شيء وكلّ اعتبار...!

سمكو عبد العزيز

كانت هناك العديد من الوديان العميقة المظلمة بين الجبال، وفي كلّ واد كان هناك أعدادٌ كبيرة من الناس من شتّى الأفكار والرؤى يقودهم عدد من القادة والرؤساء والزعماء.

كان الشيء الوحيد المشترك بين هؤلاء الناس هو اللغة والثقافة والتاريخ، ولكن قائد وزعيم كلّ واد لم يكن يحسب أي اعتبار أو حساب للقادة وزعماء الوديان الأخرى.

 كانت هناك دائمًا صراعات وخلافات بين أهالي تلك الوديان، وقد أدّت هذه الصراعات والخلافات والشقاقات لى إضعافهم وهزيمتهم أمام أعدائهم. وبسبب هذه الصراعات والهزائم، كان قادتهم يتعرّضون دوماً للاعتقال والقتل.

ولسوء حظ هؤلاء الناس، لم تكن هناك قوانين تجمعهم أو قادة وزعماء يوحّدونهم تحت مظلة واحدة.

في يوم من الأيام ظهر بينهم مخادع محتال تظاهر بأنه حكيم آخر الزمان. وقال بصوت عال: تمّ نسياننا لأننا لسنا متّحدين، ولكن إذا اتّحدنا آنذاك سوف نصبح أعظم إمبراطورية بين الجبال، وينبغي أن نعلم أن الدمار والهدم ليس قوة بل الوحدة هي مصنع القوة ومنبعها.

أثر هذا الكلام-الخطاب على الجميع. فقرّر هؤلاء الناس الاتّحاد وبناء إمبراطورية في الجبال وجعلوا هذا المحتال المخادع زعيمًا لهم.

بعد تأسيس إمبراطورية الجبال هذه، قام هذا المخادع المحتال بإنشاء قوة منظمة وقوية، وأنشأ تنظيماً تحكمها قوانين صارمة ومتطرفة ومتشدّدة، في المرحلة الأولى بدأ هذا التنظيم بقتل القادة والشجعان والمفكرين من كافة الوديان، والقضاء على كلّ واحد منهم بحجة وذريعة وطريقة…

بعدما استطاع فتح طريقه وتمهيده وقضائه على الشجعان والعقلاء والمفكرين والمثقفين، بدأ مرحلة أخرى من إدارة إمبراطوريته تحت شعار “القائد فوق كلّ شيء-فوق كلّ شيء، وما يقوله الرئيس هو ما تقوله الإمبراطورية”.

تقوّت الإمبراطورية بحيث أصبح هزّ أركانها وزعزعة استقرارها محالاً.

تمّ اتّخاذ قرارات غاية في الغرابة في هذه الإمبراطورية وأصبحت قوانين الثورة والقيادة.

وكانت القوانين:

  • أي شخص ينتقد القائد-الرئيس أو يبدي اعتراضه أو رفضه أو عدم رضاه عن قراراته كان عرضة للمحاكمة والاعتقال والتغييب ومن ثمّ التصفية والقتل.

  • لا مجال للشراكة والتنسيق والفهم والنقد في هذه الإمبراطورية. ولم يعد هناك سوى شعار “عاش القائد” ليصبح أساس التفاوض والحوار، ويجب على الجميع ترديد شعار “القائد فوق كلّ شيء” وحلّ هذا الشعار محلّ الشعار السابق “الهدم والدمار ليس قوة ولكن الوحدة تخلق القوة”..

  • تغير ولاء الشعب وإخلاصه إلى ولاء للقائد.

أصبح هذا القائد أقوى يوماً بعد يوم، وبدأ بمهاجمة محيطه باسم “الغيرة القومية-الوطنية” وبالتزامن مع فضح محيطه ومقرّبيه سارت إمبراطوريته إلى الزوال ودبّ الضعف إليها يوماً بعد يوم، بحيث وصل الأمر إلى حلّ الإمبراطورية وزوال القائد وتدميره على يد قوى أجنبية.

الحكمة وراء سرد هذه القصة، القائد-الرئيس الذي جاء إلى السلطة بطريقة ديكتاتورية على أساس مفهوم الغيرة القومية سوف يتحوّل إلى وحش بربري يدمّر كوادره بيده، إن الأمم التي بنيت على نظريات الفاشية والنازية سوف تصبح محركات للحروب، وليس مجتمعاً منشوداً على أساس حرية الأمم والشعوب.

حزب العمال الكوردستاني بكك يُدار باسم القومية الكوردية وبرؤية فاشية نازية، الفاشية والنازية لا يمكن أن تصبحا ديمقراطيتين، هذا التنظيم-الحزب دمّر العديد من الحركات الكوردية والقوى السياسية الكوردستانية تحت شعار الغيرة القومية ومزاعم تأسيس دولة كوردستان الكبرى، وقضى عليها عن بكرة أبيها، دمّر أجيالاً كوردية وقضى عليها بالكامل، قضى على العديد من الثوار الوطنيين الأحرار بعدما اتّهمهم بالخيانة والعمالة! بل كانت تتمّ تصفية كلّ من يُشمّ منه رائحة الكوردايتية في أطر الحزب، بحيث وصل الأمر بحزب العمال الكوردستاني إلى حدّ أن شخصاً مثل جميل بايك في كتابه “تاريخ من نار” لم يذكر الكورد بقدر ما ذكر زعيمه وقائده، بل وصل الأمر إلى أن يقول بأن القائد هو الحزب والحزب هو القائد!

وبعد أن قتل هذا التنظيم المظلم العدد الأكبر من الثوار الوطنيين في باكور كوردستان-كوردستان تركيا، توجّه صوب الأجزاء الأخرى من كوردستان، وخلق مشاكل ومعضلات لهذه الأجزاء من كوردستان أيضاً، انحرف هذا الحزب عن مساره وتغيّر 180 درجة، فانزلق من المطالبة بدولة كوردستان الكبرى إلى مطالب كـ دمقرطة تركيا وأخوة الشعوب، وهوى من مطلب استقلالية الكورد وحريتهم إلى حرية قائده الجسدية!

مقالات ذات صلة