واشنطن تنشر تقريراً حول الأحداث غربي سوريا… حكومة الشرع مسؤولة عن مجازر الساحل السوري

واشنطن تنشر تقريراً حول الأحداث غربي سوريا... حكومة الشرع مسؤولة عن مجازر الساحل السوري

كشفت إدارة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في تقرير لها نشر صباح اليوم حول التهديدات العالمية، أن قوات الحكومة السورية المؤقتة مسؤولة عن المجازر غربي البلاد، إلى جانب الجماعات “الجهادية” الأمر الذي أثار التساؤلات حول سرّ توقيت نشر هذا التقرير.

وقالت الإدارة في تقريرها: “ارتكبت القوات المسلّحة التابعة للحكومة المؤقتة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، إلى جانب عناصر من تنظيم “حراس الدين” وجماعات جهادية أخرى أعمال عنف وقتل خارج نطاق القانون في شمال غرب سوريا، في أوائل مارس (آذار) 2025، واستهدفوا في المقام الأول الأقليات الدينية، ما أدّى إلى مقتل أكثر من ألف شخص، بما في ذلك المدنيين العلويين والمسيحيين”.

وأشار التقرير إلى أن تغيير السلطة في سوريا قد خلق الظروف الملائمة لعدم الاستقرار لفترة طويلة في البلاد، وقد يسهم في إحياء تنظيم ” داعش” الإرهابي والجماعات الإرهابية الأخرى، مشددًا على أن بعض الجماعات “الجهادية” ترفض الانضمام إلى القوات الحكومية الجديدة، وأن تنظيم “داعش” يخطّط لشنّ صراع مسلّح ضدّ الحكومة السورية المؤقتة.

ويأتي نشر التقرير بالتزامن مع عقد جلسة لمجلس الأمن حول المجازر التي حدثت في الساحل السوري، وفي وقت تحاول فيه السلطات الجديدة المؤقتة تشكيل حكومة جديدة وسط ضغط دولي من أجل إدخال جميع شرائح المجتمع السوري فيها، بالإضافة للتحديات التي تواجه الإعلان الدستوري، الذي يطالب بعض المتخصصين بإجراء تعديلات جذرية عليه.

رسالة غربية لـ أحمد الشرع… لا يوجد شيك على بياض…

يٌذكر أن أمام الرئيس السوري للمرحلة المؤقتة، أحمد الشرع، الكثير ليُثبته ليكسب ودّ القوى الغربية، لكن بنظرة على أسابيعه الأولى في السلطة يمكن الحكم بأنه يسير في الاتجاه الخاطئ.

حيث يراقب الغرب قادة سوريا عن كثب للتأكّد من أنهم يكبحون جماح المتشددين الإسلاميين، الذين قتلوا مئات العلويين، ويعملون على تشكيل حكومة شاملة بمؤسّسات فعالة والحفاظ على النظام في بلد عانى ويلات الحرب الأهلية لسنوات وكذلك لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة.

ولتأكيد هذه الرسالة، أوضح ثلاثة مبعوثين أوروبيين في اجتماع عقد في 11 مارس آذار مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في دمشق أن كبح المقاتلين المتشدّدين يأتي على رأس الأولويات بالنسبة لهم وأن الدعم الدولي للإدارة الجديدة قد يتبخر ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة.

ولم تنشر تقارير عن هذا الاجتماع من قبل.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان ردّاً على سؤال عن الرسالة التي وُجهت في دمشق “الانتهاكات التي وقعت مؤخّراً لا يمكن التهاون معها حقّاً، ويجب تحديد المسؤولين عنها وإدانتهم”.

وأضاف “لا يوجد شيك على بياض للسلطات الجديدة”.

وتحدّثت رويترز مع المبعوثين الأوروبيين الثلاثة ومع أربعة مسؤولين إقليميين خلال زيارة إلى دمشق، وأكّدوا جميعاً ضرورة سيطرة السلطات على الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد والحيلولة دون تكرار عمليات القتل.

وقال مبعوث أوروبي، كان ضمن مجموعة المسؤولين الذين نقلوا الرسالة “طالبنا بالمحاسبة. يجب أن يعاقب مرتكبو المذابح. يجب تطهير قوات الأمن”.

ودعت واشنطن أيضاً قادة سوريا إلى محاسبة مرتكبي الهجمات. وصرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس بأنهم يتابعون تصرفات السلطات المؤقتة لتحديد السياسة الأمريكية تجاه سوريا.

لكن المشكلة بالنسبة للشرع هي أن (هيئة تحرير الشام) التي كان يتزعمها لا تضمّ سوى 20 ألف مقاتل، وفقاً لتقييمين من حكومات غربية.

وقال خمسة دبلوماسيين وثلاثة محلّلين إن هذا يدفع الشرع للاعتماد على عشرات الآلاف من المقاتلين الآخرين -بما في ذلك فصائل متشدّدة جدّاً مطلوب منه القضاء عليها- وقد يؤدّي التحرّك ضدّ هؤلاء المقاتلين إلى إعادة سوريا إلى آتون الحرب مجدّداً.

وانضمّ آلاف الأجانب من المسلمين السنة -من دول مثل الصين وألبانيا وروسيا وباكستان والشيشان…- إلى المعارضة المسلّحة في سوريا في بدايات الحرب الأهلية للقتال ضدّ حكم بشار الأسد وفصائل شيعية مدعومة من إيران حاربت إلى جانبه، ممّا أعطى للحرب صبغة طائفية.

وحلّ الشرع الجيش السوري بعد وقت قصير من تولّيه السلطة، وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يعوّل الآن على قوة صغيرة نسبياً تتألف من نحو 20 ألف مقاتل من عدة مجموعات متفرّقة تتضمن متشدّدين أجانب.

وعلى الرغم من أن حلّ الجيش كان يهدف إلى وضع نهاية لخمسة عقود من حكم عائلة الأسد الاستبدادي، قال دبلوماسيون ومحلّلون إنه مماثل لقرار واشنطن حلّ الجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين، وقد يقود إلى فوضى مماثلة.

وأدّت خطوة الشرع، إلى جانب عمليات فصل جماعي لموظفين في القطاع العام، إلى تعميق الانقسامات في سوريا وترك مئات الآلاف دون دخل.

وقال خمسة مسؤولين أوروبيين وعرب إن ذلك قد يدفع الجنود المدرّبين إلى الانضمام إلى جماعات معارضة أو إلى صفوف العاطلين عن العمل، ممّا يعني تفاقم حالة عدم الاستقرار في سوريا.

ولم يرد مكتب الشرع ولا وزارة الخارجية السورية على طلبات للتعليق.

معضلة

بالإضافة إلى التحدي المتمثل في إخماد العنف الطائفي، يجب على أحمد الشرع أيضاً أن يتعامل مع مجموعة من القوى الأجنبية، من الولايات المتّحدة وروسيا إلى إسرائيل وتركيا وإيران، تحول الأراضي السورية إلى رقعة شطرنج جيوسياسية.

حيث تسيطر تركيا على الشمال، وتدعم ميليشيات المعارضة في حربها مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من الولايات المتّحدة والمسيطرة على الشرق حيث حقول النفط المهمة، في حين استفادت إسرائيل من سقوط الأسد لتعزيز وجودها العسكري. وهي تسيطر الآن على منطقة عازلة منزوعة السلاح مساحتها 400 كيلومتر مربع، وتدعم الأقلية الدرزية وتعارض القيادة السورية.

وردّاً على المذابح التي ارتكبت بحقّ المدنيين، شكّل الشرع لجنة تحقيق ووعد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى إن كانوا من المقربين منه، دون التوصّل لأية نتيجة لغاية اليوم.

لكن أي إجراء ضدّ المسلّحين الذين نفّذوا عمليات القتل يمكن أن يشعل اقتتالاً بين الفصائل وعمليات تطهير وصراعاً على السلطة، ممّا يجعل الحكومة الجديدة عالقة في معضلة، كما قال دبلوماسيون ومحلّلون.

وقال مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي “من الواضح أن الشرع لا يسيطر على الجهاديين الأجانب ولا يتحكّم في كلّ شيء… من الواضح أن المذابح نفّذها سلفيون جهاديون لا يستمعون إلى ما يقوله”.

وبينما يقرّ الدبلوماسيون بأن التحقيق خطوة في الاتّجاه الصحيح، يعتقدون إن مصداقيته كانت ستكون أقوى بكثير في ظلّ وجود مراقبين من الأمم المتحدة ومراقبين دوليين.

وأضافوا أن الاختبار الحقيقي لقيادة الشرع لا يكمن فقط في النتائج التي توصّلت إليها اللجنة ولكن في كيفية تعامله مع المقاتلين المسؤولين عن الفظائع.

ومع ذلك، كانت المذابح تذكيراً صارخاً بالقوى الفاعلة في سوريا ما بعد الأسد، ممّا يشير إلى حقيقة قاسية مفادها أن الإطاحة بدكتاتور هي مجرّد بداية معركة أكبر وأكثر خطورة لتشكيل مستقبل البلاد.

وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقرّه السعودية، إن وجود “عناصر وجماعات منفلتة تعمل لمصالحها وخارج إطار القانون سيؤدّي إلى انهيار الوضع الأمني وكذلك انهيار سلطة الدولة”.

وأضاف “لذا فان القيادة الجديدة لا خيار لها غير التعامل الجاد والحازم مع هذا النوع من الانتهاكات”.

وقال دبلوماسي عربي إن الدعم السياسي من الدول العربية ليس بلاً حدود، ويجب أن يقابله خطوات ملموسة، بما في ذلك حكومة شاملة وحماية الأقليات وإحراز تقدم حقيقي على الأرض.

وأضاف الدبلوماسي أن هذا يعني تقاسم حقيقي للسلطة مع العلويين والمسيحيين والكورد والأقليات الأخرى، وعندها فقط يمكن للقيادة الجديدة أن تحقّق الاستقرار في سوريا وتحظى بدعم الولايات المتحدة وأوروبا.

وربطت واشنطن والدول الأوروبية رفع العقوبات، التي كانت مفروضة في عهد الأسد، بإثبات السلطات الجديدة التزامها بالحكم الشامل وحماية الأقليات. ويعد رفع هذه العقوبات أمراً حاسماً لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار، وهو التحدّي الأكثر إلحاحا بالنسبة للشرع.

نفس النهج؟!

ورغم وعود الإصلاح، منح الدستور الجديد الشرع سلطة مطلقة باعتباره رئيساً للجمهورية ورئيساً للوزراء وقائداً للقوات المسلّحة ورئيساً لمجلس الأمن القومي، كما منحه سلطة تعيين القضاة والوزراء وثلث أعضاء البرلمان لتتلاشى بذلك الآمال في الإصلاحات الديمقراطية.

وينصّ الدستور الذي أعلن عنه هذا الشهر ويسري لمدة خمس سنوات، على أن الفقه الإسلامي هو “المصدر الأساسي” للتشريع.

ويقول منتقدون إن الدستور استبدل الحكم الديني بالحكم الاستبدادي ممّا يعمّق المخاوف بشأن جذور الشرع الذي كان زعيماً لفصيل إسلامي متشدّد تحالف في السابق مع تنظيم القاعدة.

وانتقدت الأطراف الكوردية المسيطرة على روجآفا كوردستان-شمال شرق سوريا ووافقوا في الآونة الأخيرة على الاندماج في الحكومة الجديدة، الدستور المؤقت لأنه “يعيد إنتاج الاستبداد في شكل جديد”.

ويقول محلّلون إن معضلة سوريا تعكس التجارب التي خاضتها دول عربية قبل عشر سنوات عندما أطاحت موجة من الانتفاضات في عام 2011 برؤساء مصر وتونس وليبيا واليمن.

وكانت ثورات ما يسمّى بـ “الربيع العربي” تبشر بنهضة ديمقراطية، لكن سيطرة متشدّدين إسلاميين عليها والانقلابات العسكرية والانقسامات حولت هذه الآمال إلى انتكاسات. ولم تدم الانتصارات طويلاً وانزلقت دول، مثل اليمن وليبيا، إلى دائرة العنف والفوضى.

وتقف سوريا، التي خاضت صراعاً أطول وأكثر دموية، عند مفترق طرق مماثل الآن.

ويقول محلّلون إن الفشل سيلاحق حكام سوريا إذا اتبعوا سياسات إقصائية تتجاهل التنوع الثقافي والديني والعرقي للبلاد تماماً مثلما فعل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بعد الإطاحة بحسني مبارك.

ولم يلب الدستور المصري، الذي كان مثيراً للانقسام في عهد مرسي، مطالب الشعب المتنوعة ممّا دفع الجيش للإطاحة به.

وذكر محلّلون أن اتباع مثل هذه السياسة في سوريا سيؤجّج المقاومة في الداخل ويثير غضب الدول المجاورة ويستدعي التدخل الأجنبي.

وكشفوا أن “المختلف عليه هو هوية الدولة أو طبيعتها، فهناك أطراف داخلية وخارجية كانت ترغب بقيام دولة علمانية، والإعلان الدستوري أكّد على الهوية الدينية الإسلامية للدولة”.

وأضافوا “كون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، كان من الممكن تطبيق المثال التركي القائم: أي دولة علمانية تُحكم من قبل حزب إسلامي”.

وقال المعشر من مؤسّسة كارنيجي للسلام الدولي إن سقوط الأسد يجب أن يكون بمثابة تحذير لمن خلفوه في سوريا.

وأضاف أن على الشرع أن يُقرر إما أن يتبع نفس نهج الأسد، الذي أدّى إلى انتفاضة شعبية أطاحت به في النهاية، أو أن يسلك مساراً مختلفاً.

وقال المعشر “يجب على حكام سوريا الجدد أن يدركوا أن النموذج الاستبدادي الوحشي للنظام الذي يحلّون محلّه كان في نهاية المطاف غير قابل للاستمرار، كما هو الحال مع أي نظام سياسي قائم على الإقصاء والحكم الحديدي” فإذا لجأوا إلى القمع، فسيعرّضون سوريا لمصير قاتم.

مقالات ذات صلة