الشعلة وقره سو…

الشعلة وقره سو...

سمكو عبد العزيز

كان هناك رجل يعتبر نفسه كممثّل وملك وقائد لأمته وشعبه، لكن أمته وقعت تحت سيطرة واضطهاد إمبراطورية عظيمة، كان هذا الشخص الحالم والذي يحسب نفسه ملكاً وقائداً لشعبه قد اتّفق مع الإمبراطور المحتلّ على صياغة خارطة طريق للقضاء على لغة وثقافة الأمة المضطهدة والمظلومة، من جانبه، كان الإمبراطور قد أجبر الأمة المضطهدة على التحدث والقراءة بلغتهم، وأحرق جميع الكتب المكتوبة بلغة الأمة المظلومة المضطهدة، وليس هذا فحسب، بل حظر أيضاً كافة المناسبات التأريخية المباركة لهذه الأمة.

في وجه هذا الظلم، كان ثمة شعلة خفية في قلب كلّ مواطن. هذه الشعلة كانت شعلة القومية والوطنية والمتّقدة والمضاءة دوماً دون أن يقدر الغزاة المحتلين على إطفائها.

كان في تلك الأمة المظلومة المضطهدة شاب ذكي وحكيم، تربّى على قصص آبائه وأجداده. كانت القصص كلّها تدور حول تاريخ أمته، عندما كانت حرّة ومستقلة، وتسرد لهذا الشاب كيف كان بنوا جلدته ينشدون النشيد الوطني في كلّ مكان وكلّ زاوية من قريته.

كان هذا الشاب يسأل جدّه دوماً: كيف يمكن للأمة كلّها أن تنسى من نحن؟!

وكان جدّه يردّ عليه بـ: يا بني، عندما يصبح زعيم الأمة وقائدها شركاء مع المحتل الغزاة، آنذاك يُنسى التاريخ ويُدمر مستقبل الوطن ويتلاشى الاستقلال، ولكن هنا لا تنتهي القصة، فعندما يثور أبناء الوطن ويقفون على أقدامهم يذكّرون أمتهم بتأريخها العظيم، آنذاك تشرق شمس مستقبل مزهر ومشرق، وستتقد شعلة الوطنية والحرية من جديد.

كلمات الجدّ داعبت مشاعر هذا الشاب وأثّرت على حياته، قرّر الشاب إشعال واتّقاد شعلة القومية والوطنية مرة أخرى.

بدأ الشاب بجمع شبان القرية حوله وعلّمهم لغتهم الأم. وفي الليل، كان يُلقّنهم أناشيد تاريخية ووطنية، ويكتبون تاريخ أمتهم على جدران الكهوف.

ذات يوم وقف الشاب وسط القرية وبدأ يغني النشيد القومي-الوطني عن الحرية وكرّر إنشاده لفترة طويلة.

بغناء هذا النشيد، تأثر آباؤهم وأجدادهم في القرية واستيقظت مشاعرهم القومية وتحمّسوا حماساً منعدم النظير، واستيقظت ذاكرتهم من سبات طويل وعميق، فبدأوا يغنون ذاك النشيد بصوت خافت، وكلّما كان صوتهم يرتفع كلّما زاد حماس وإصرار شبان القرية وارتقى حسّهم القومي والوطني وعانق السماء، وكانت النتيجة أن صوتهم أصبح كالرعد يزلزل الجبال…

وهكذا، استطاع هذا الشاب أن يبعث وحدة أمته من جديد، ويحيي آمالهم وأحلامهم وينبعث في قلوب الجميع آمالاً مشرقة…

لماذا أسرد هذه القصة؟ أحاول أن أوضّح ما هي الثقافة الوطنية-القومية؟ فكما يقول الفيلسوف الألماني يوهان غوتليب فيخته (Johann Gottlieb Fichte): الأمة ليست مجرّد أرض أو منطقة أو حكومة، بل هي لغة مشتركة، وتاريخ موحّد، وهوية خالدة، لا يستطيع العدو إزالتها من الوجود.

من المهم جدًا أن يعرف أمثال قره سو أنّ الشعب الكوردي جعلوا منكم أبطالاً وقادة؛ لأنكم أوهمتم الشعب أنّكم ستحقّقون حلم الدولة الكوردية واستقلال الكورد، هذه الشعارات جعلت الآلاف من شباب الكورد وأبنائهم يعانقوا حبل المشنقة، وأن يضرم المئات من المخلصين من أبناء الوطن النار بأجسادهم الطاهرة حتّى تبقى شعلة الدولة متقّدة ومضيئة ومشتعلة، كما تزهّد الآلاف عن ملذات الحياة وتوجّهوا صوب الجبال وأصبحوا مقتلين-گريلا من أجل حرية الوطن واستقلاله.

لكن، اليوم جاء رئيس وزعيم قره سو وباع الاستسلام للكورد باسم السلام وساومهم عليه، ودعى إلى الأخوة التركية العربية دون المطالبة بأي حقوق للكورد، كلّ ذلك على حساب دماء الآلاف من أبناء الكورد وبناتهم، والظهور بمظهر فيلسوف دمقرطة الشعوب! كلّ ذلك من أجل الترشّح لجائزة نوبل للسلام أو إطلاق سراحه والخروج من السجن! رغم كلّ هذا ها هو قره سو يقول بحقّ من تساءل: “ما الذي حقّقه حزب العمال الكوردستاني، وما هي النتائج التي حقّقها من نضاله؟ أو وقف ضدّ العملية الجارية في تركيا… بأنهم سوف يغلقون أفواه من يقولون مثل هذا الكلام! أو ينبغي إسكاتهم؟!!

الجميع يحبون السلام ويدعون إليه، ولكن ليس سلاماً مثل السلام الذي يدعو إليه رئيسكم وزعيمكم! لأن هذا ليس سلاماً بل هو استسلام وعبودية الكورد للأتراك، واضطهاد أعظم للشعب الكوردي وسيادة عظمى وسلطان وهيمنة من نوع آخر للمحتلين الغزاة، هذا هو لب المهانة والإذلال للكورد، ولكن إعلم جيداً أنت وقائدك وزعيمك أن شعلة الكوردايتي ما زالت مضاءة متقدة وستزداد إشراقاً وإنارة… بينما أنت وزعيمك الخائن مثل حسن خيري وخونة الكورد سيكون مصيركم مزبلة التأريخ…

مقالات ذات صلة