مع بدء العدوان والإحتلال الترکي لغرب کوردستان ، ظهرت تغیرات جدیدة علی الساحة السیاسیة ، وبرز قیادیون نشطاء جدد نتیجة الأحداث ، ومن هذه التغیرات والقیادات ( جنرال مظلوم ) ، الذي ظهر کشخصیة سیاسیة کوردیة جدیدة علی الساحة السیاسیة والدولیة ، فحتی قبل شهرین کان إسم ( مظلوم ) یُسمع في غرب کوردستان فقط ، غیر أنه لم تکن له شهرة تُذکر ، کان یُعرف باسم ( شاهین جیلو ) ، غیر أنه تحول خلال شهر إلی ( جنرال مظلوم ) المعروف علی الساحة السیاسیة ، فمن هو مظلوم عبدي ؟ وهل یستحق رتبة الجنرال ؟ ومن یقف ضد رتبته ومنصبه ؟
أردوغان یبعث رسالة واضحة عن طریق عبد القادر السلفي لـ مظلوم
بعد مقتل زعیم تنظیم داعش ( أبو بکر البغدادي ) ، ألقی رئیس الجمهوریة الترکیة رجب طیب أردوغان خطاباً : عندما تری بعض الدول حفنة إرهابیین خطراً علی بلادهم ، وأنهم مستعدون للقضاء علیهم أینما کانوا ، فهذا ما یعطي الحق لترکیا في أن تکون لها نفس الحقوق .
ألقی کاتب عربي بإسم ( عبد القادر السلفي ) خطاباً في الـ 30 تشرین الأول 2019 ، جاء فیه : سترون أردوغان معلناً أمام الصحفیین أنه قضی علی مظلوم کوباني ، وجمیل بایق ، وقریلان ؟! ، وکما قال عبد القادر السلفي أن أردوغان أعطاه الضوء الأخضر لنشر هذه الرسالة ، وخطاب السلفي وأردوغان لیست رسالة عادیة نستطیع تجاهلها ، لأن عبد القادر السلفي کاتب مقرّب من أردوغان ، وینبغي أن نفهم أن ما قالاه لیس خطاباً أیضاً ، وإنما هو تهدید واضح لشخصیة مظلوم کوباني .
من هو الجنرال مظلوم ؟ ومن هم أعداءه ؟
ولد مظلوم عبدي سنة 1967 في مدینة کوباني ، تعرّف في سنٍّ مبکرة علی الحرکة الکوردیة والنضال الکوردي ، کان أبوه طبیباً ومقرّباً مخلصاً من الحرکات والأحزاب الکوریة ، ومنزلهم في مدینة کوباني کان من أحد المنازل التي زارها عبد الله أوجلان عند مجیئه لسوریا ، وبعدها درس کوباني بکلیة الهندسة بـ حلب ، وکان شاباً فطناً لهذا جذب إنتباه المجتمع .
عمل کوباني خلال دراسته العمل التنظیمي لحزب العمال الکوردستاني البکک ، وشارک في دورة للتربیة السیاسیة والعسکریة للعمال الکوردستاني في ( سهل البقاع ) بین عامي 1988و1989 ، وانضم الجنرال لصفوف العمال الکوردستاني رسمیاً عام 1992 ، وتم تثبیته في مخیم للبکک للنضال التربوي بجنوب کوردستان ، والحقیقة هي أن کوباني لم یقم بأیة عملیة أو أنشطة عسکریة ضد الدولة الترکیة .
الشاب الذي یظهر خلف عبد الله أوجلان في المسبح لیس مظلوم عبدي
تعرض مظلوم سنة 1995 لإصابة خطرة ، نقل إثرها للعاصمة السوریة دمشق لتلقي العلاج ، وبعد شفائه إنتقل لأوربا لإدامة عمل ونضال البکک هناک ، وبقي هناک إلی أن أعتقل عبد الله أوجلان من قبل الدولة الترکیة .
ومن الجدیر بالذکر أن إعلام الدولة الترکیة نشرت صورة لزعیم البکک أوجلان ومظلوم کوباني برفقة بعضهما في مسبح ، إلا أن الحقیقة وبعد تتبع دقیق لموقع دارکا مازي للصورة ، إتضح أن الشاب الذي یقف خلف أوجلان في المسبح لیس مظلوم عبدي ، وإنما هو شاب بإسم ( جکدار ) ، من قریة شاخي التابعة لمنطقة جزیرة بوتان ، ولم یبق علی قید الحیاة .
وبعد إعتقال عبد الله أوجلان سنة 2000 ، یرجع الجنرال مظلوم کوباني من أوربا لقندیل ، ویبدأ مرحلة جدیدة من حیاته ، ولمعرفته بثقل التنظیم ، وخبرته الحادة في هذا المجال ، یحاول مظلوم الحصول علی موقع بارز ، ومقعد مهم له في الهیئة الرئاسیة للبکک ، ویجمع حوله کوادر البکک في غرب کوردستان ویسعی لخلق تکتل حوله ، غیر أنه أدام نضاله ، ویحصل علی مبتغاه ، ویُعرف مظلوم – في الوسط التنظیمي للبکک – بقربه لـ ( مراد قریلان ) ، بسبب أن ( قریلان ) من مدینة أورفە ، وأورفە متآخمة مع کوباني ، فکان لهما تراث شبه مشترک .
بُنیت أسس علاقة مظلوم وقریلان علی أنهما کانا بعیدین من مجموعة أنقرة ( جمیل بایک ، دوران کالکان ، مصطفی قرسو ، علي حیدر قیتان ) ، فـ مظلوم لم یکن ضمن أصحاب الآیدولوجیة الیساریة ، بل کان شخصیة یُعرف بهویته الکوردیة ، وکان مناوءاً للفکر البککي القائل بأننا لا نطالب بدولة کوردیة ، بل نحافظ علی هویتنا الترکیة ونقدمها علی کل شيء ! ولهذا تقول غالبیة کوادر الحزب في غرب کوردستان : إذا لم نکن نبني دولة کوردستان فلماذا نموت من أجل دمقرطة ترکیا ! ویحصل هذا النقاش الحاد والذي تسبب بحصول صراع ، وعلی إثر هذا الصراع والخلاف الحاد یسجن أحد کوادر البکک القدامی ( فائق دیرک ) عام 2000 ، وبعدها یُقتل في السجن ، ویعلن البکک رسمیاً أن کادرهم فائق دیرکي قد أنهی حیاته وانتحر !
تسببت هذه الحادثة بصدمة وخمول لکوادر البکک من غرب کوردستان ، وخاصة أن مظلوم کان مقرباً من فائق ، وتأثر کثیراً للحادث ، غیر أنه لم یُظهر علامات تأثره بالحادثة ، وارتقی مظلوم في السلم التنظیمي للبکک ، وأنیطت به مهام سیاسیة بارزة ، فاستغل موقعه في السلم التنظیمي من دون أن یشک به أحد ، وجمع حوله عدداً من کوادر وأعضاء البکک في غرب کوردستان ، وسلّمهم مهاماً ومناصب مهمة وحساسة في التنظیم ، ولم یغیّر شعوره النضالي تجاه البکک .
وفي سنة 2011 ، ومع الأحداث السوریة ، نشأت حرکة في غرب کوردستان ، ولعب الجنرال مظلوم کوباني دوراً بارزاً في بناء قوة عسکریة في غرب کوردستان ، وفي سنة 2016 وفي الوقت الذي شنّت المقاتلات الحربیة الترکیة هجوماً علی سفح جبل – قەرەچووخ – ، شارک مظلوم عبدي مع وفد للجیش الأمریکي بزیارة لموقع القصف ، وبعد الحادث إنفتح باب الجنرالیة والشهرة لـ مظلوم شیئاً فشیئاً .
هل ( دیناصورات البکک ) مستاؤون وغاضبون من جنرالیة مظلوم عبدي ؟
ظهرت ملامح جدیدة للسیاسة الکوردیة ، وأصبح تبني الرؤی المختلفة والمخالفة أساساً لکسر قیود التراث القدیم والأصولي للسلطة الضیقة للبکک ، ولهذا السبب نستطیع القول أن البکک غاضبة ومستاءة من جنرالیة مظلوم عبدي ، لأن البکک لا یری في غیر ذات أوجلان ومجموعة أنقرة جواز القیادة لأحد ، کما لا یقبل بقادة أخری غیر هؤلاء ، وخاصة القادة الجدد ، لأن في داخل البکک – من هذا المنطلق – مجموعة دیناصورات بإسم ( مجموعة أنقرة ) تری القیادة حکراً علیها ، ولا تقبل لأحد الإنقیاد إلا لها ، ولیس مسوغاً لأحد أن یخرج من الأطر المرسومة من قبلهم ، وهذا ما یظهر جلیاً في تأریخ البکک أن یتعرض کل من تعدی حدود هذه الأطر للهدم والإکتساح ، وخیر مثال علی ذلک ( چتین کونکور واسمه الحرکي سمیر ) و ( محمد شنر ) ، وغیرهم کثیر ، وحتی في العمل والنضال السیاسي ، فالبکک لم یعطِ المجال لأي تنظیـم بالنماء ، کما أغلق باب القیادة لکل شخص ، وعداوة البکک لـ ( صلاح الدین دمیرتاش ) کان سبب هذا التفکیر العقیم للبکک .
البکک لم یقبل هدنة مظلوم ، وبایک جمیل صرح بـ فلیحدث ما یحدث !
صرح مظلوم بأنه مستعد للتضحیة بنفسه ، بدل أن یدفع مجتمعه الضریبة ، ویتعرض للإبادة ، وبعد تصریح الجنرال مظلوم هذا ، وبعدها بیوم واحد فقط ، ألقی جمیل بایک خطاباً أکد فیه : ( فلیحدث ما یحدث ، لن نتراجع ، وإننا سنحارب وسننتصر ! ) ویستنتج من هذا أن البکک لم ترضَ بقبول مظلوم للهدنة ، وأنها برّأت نفسها من هذا القرار ، ومنذ فترة هناک بعض الأقاویل تنتشر في صفوف البکک تفید بأن : الجنرال مظلوم شخص لا یعتدّ بقول أحد ، ویفعل ما تملي علیه نفسه ، وأنه لا یسمع لآرائنا ، کما لا یمتثل لقرارات البکک .
البکک ذو مرکزیة فعالة وحادة ، وأن هذا الشيء ممنهج لدیها ، وینبغي علی کوادرها وتنظیماتها الإمتثال لهذه المرکزیة واتباعها ، ولا یجوز الحیادة عنها قید أنملة ، ولا تعطي المجال لأعضائها وتنظیماتها العمل حسب أهوائهم وتفکیرهم ، وتری کل مخالفة في هذا المجال ، وکل نضال خارج عن هذا الإطار مصدر قلق ووجل له ، وهذه حقیقة ظاهرة لدی البکک ، ومن هذه الحقیقة یتضح أن البکک مستاءٌ بل وغاضبٌ من جنرالیة مظلوم کوباني .
البکک حاصر الجنرال وأطّره ، وقرارات الجنرال الحرة مشروطة ومؤطّرة
الحقیقة هي أن الجنرال مظلوم کوباني لو أراد الحفاظ علی منصبه وجنرالیته وشخصیته القیادیة ، فینبغي علیه الإبتعاد عن سلطة البکک المرکزیة الحادة ، لکي یستطیع أن یعطي قرارات حرة وصائبة ، وینبغي علیه أن یتّسم بالدیمقراطية ، ولا یعادي الأحزاب والأطراف السیاسیة الکوردستانیة مثل البکک ، وأن یقدّم الهویة الکوردیة ویحترم أفکار وتطلعات کافة الأطراف السیاسیة ، ویتبنی إسلوب الحوار والتفاهم مع کافة الأحزاب .
وتصریحات مظلوم کوباني یوم 24\10\2019 عندما قال : أقدم جزیل شکري للرئیس بارزاني ، تؤکد أن طبیعة التفکیر لدی الجنرال تختلف کثیراً عن طبیعة تفکیر البکک تجاه رؤساء الأحزاب الکوردستانیة .
والجنرال مظلوم کوباني ولکي یصل لرتبة الجنرال فعلیاً ، فعل کل ما بوسعه ، واستحق هذا اللقب بجدارة ، غیر أنه في موقف لا یحسد علیه بین عدوان الإحتلال الترکي من جهة ، ومحاصرة البکک من جهة أخری ، وهذا ما جعله في وضع محرج ومقلق للغایة ، غیر أننا نأمل ونتمنّی ونرجو أن یتخطی الجنرال هذه المواقف المقلقة والمحرجة ، وأن یقوم بدوره القومي علی أتم وجه وأکمله .