في الذکری السنویة الـ 41 للإبادة الجماعیة في مدینة مرعش – إحتلال عفرین وسیاسة التتریک من قبل الدولة
في الـ 19 من کانون الأول سنة 1978، تم إستهداف الکورد العلویین في مدینة مرعش في شمال کوردستان لحملة الإبادة الجماعیة، فقتل منهم أکثر من 500 کوردي تحت وطأة أشد أنواع التعذیب، والیوم هو الذکری الـ 41 لهذه المذبحة والإبادة الجماعیة، وقد إستمرت متابعة القضیة – الإبادة الجماعیة – حتی عام 1991.
هذا الموضوع : قصة حقیقیة تعود لـ 8 أیام سوداء من تأرخ الکورد في شمال کوردستان، عندما قام الأتراک الفاشیون قبل 41 عام وفي مثل هذا الیوم بقتل وإبادة أکثر من 500 کوردي، رضّع وأطفال ونساء حوامل وشباب في ریعان شبابهم، قُتلوا وقطّعوا أجزاءاً، بفتاوی علماء دین أتراک تفید بأن أجر من یقتل کوردیاً یقابل 5 حجج مع النبي! فما هي مذبحة مرعش؟ ومتی وکیف حصلت هذه الإبادة الجماعية؟
لم یُقتص من أحد! کما لم یتهم أحد بأیة إدانة! الحادثة المأساویة التي تلطخت بها أیادي الدولة الترکیة، تم قتل وتهجیر الکورد من مدینة مرعش، وتمت عملیة تغییر دیمغرافیة للمدینة، مرعش وجه الدولة للتهجیر القسري، في شمال کوردستان کانت قری ومدن کوردستان محل إقامة عیش مشترک بین الکورد والترک، وبالأخص المدن الحدودیة المتآخمة للحدود السوریة مثل (مرعش، وئادیامان، ومالاتیا، وسیواس، وأرزنجان، وکذلک أورفا وأرضروم)، وقد تم تسییر مشاریع خاصة علی هذه المدن من قبل الدولة.
الدولة الترکیة أبادت کورد مرعش بقانون عثماني
أصدرت الدولة العثمانیة سنة 1915 قانوناً رسمیاً باسم – التهجیر – تم بموجبه (إبادة الأرمن)، وعلی أساس هذا القانون تم قتل أکثر من 1 ملیون أرمني وتهجیر من تبقی منهم قسراً، وحذت الدولة الترکیة الحدیثة حذوها في سبعینیات القرن المنصرم، وبطرق خفیة وبعیدة عن أنظار العالم، فنفذت القانون العتیق بحق الکورد، وباديء ما بدأ بدأت في مدینة مرعش الکوردیة (الإبادة الجماعیة لمدینة مرعش).
کانت مدینة مرعش تمثل موقعاً استراتیجیاً للدولة الترکیة، إذ کان الشعب الکوردي یعیش جنباً إلی جنب مع الشعب الترکي، وتقع المنطقة ضمن منطقة جبلیة، وغالبیة شعبها من الکورد العلویین الوطنیین والقومیین، لهذین السببین وضعت الدولة برنامجاً خاصاً وخططاً ممنهجة یهدف من خلاله إلی إبادة هذا الشعب وما زالت تسیر علی هذا المنوال حتی کتابة هذه الأسطر، مع أن الدولة الترکیة حرّفت الحادثة وأظهرتها بأنها حرب بین السنة والعلویین، غیر أن الحقیقة تقول غیر ذلك، فالحقیقة أنها کانت إبادة عرقیة مورست بحق الکورد العلویین.
ماذا حدث في مدینة مرعش ؟
علماء أتراک أفتوا بـ : من یقتل کورداً علویاً کأنما حج 5 حجج!!
قامت القوات التابعة للدولة بالسیر علی خطط ممنهجة في إبادة الکورد العلویین، إبادة منعدمة النظیر في تأریخ البشریة، في بدایة الأحداث وفي یوم 19\12\1978 بالذات، حدث إنفجار في قاعة سینما (راستکران)، ومما لا شك فیه أن الدولة الترکیة کانت تقف وراء الإنفجار، لخلق سبب وجیه لبدء عملیة الإبادة الجماعیة وإضفاء طابع شرعي علی تدخّلها في الحادثة المخططة لها، وبهذا المبرر بدأت الدولة بالهجوم علی المناطق التي یقطنها الکورد، وتم مقتل 3 کورد علویین في نفس الیوم علی خلفیة الحادث، ولم یدع الأتراک السنة – سني المذهب – أحداً من غسل جثث القتلی ودفنهم، فبدأت الموجهات وحرب الشوارع والأزقة بین الکورد والأتراک الفاشیین المدعومین من الدولة، فقام أئمة وخطباء أتراك بإصدار فتاوی تبیح قتل الکورد بل تؤجر الفاعل أجراً یقابل 5 حجج! وبهذه الطریقة وجه الأئمة والخطباء الأتراک القومیین المتشددین وحرکوا مشاعرهم الملتهبة تجاه الکورد، وفي تلک الأثناء قامت الدولة بسحب الشرطة من تلك المواجهات لکي لا تُتهم بالتدخل في تلك الأحداث والمواجهات والإبادة الجماعیة الممنهجة، إلا أن الذین أشعلوا تلك الحرب وسعّروها کانوا قومیین متشددین أتراک تابعین للحکومة ویأخذون رواتب منها.
وفي یوم 23\12\1978، طالت الحرب والمعارک کافة مناطق تواجد الکورد في مدینة مرعش، وتعرضت لهجمات تلک المجامیع المتشددة، ومع أن شباب الکورد قاموا بحفر الخنادق ووضع السواتر في مناطقهم لصد هجماتهم، إلا أنهم کانوا عزّل ولا سلاح لدیهم للدفاع عن أنفسهم أمام هجمات الأتراك المتطرفین والمتشددین، في معرکة غیر متوازنة، إذ أن الأتراک کانوا یمتلکون أسلحة بل کانوا مدججین بالأسلحة، فبدأ الأتراک القومیون المتطرفون والمتشددون بإبادة الکورد إبادةً منعدمة النظیر.
الأتراک المتطرفون الفاشیون یقتلون الحوامل والرضع، ویقطعون جثثهم، بل تعدت أفعالهم کل القیم فقاموا بتقطیع شاب کوردي وطبخه!!
إستمرت هذه الأحداث حتی یوم 26\12\1978، وحسب الإحصائیات الرسمیة قد بلغ عدد القتلی 150 شخصاً، غیر أن الذین عایشوا الحادثة واشترکوا فیها أکدوا أن عدد القتلی تعدی الـ 500 قتیل، کما تم إحراق وتدمیر 200 منزل، وبلغ عدد المحلات التجاریة المحروقة 100 محل، بالإضافة إلی وقوع المئات من الجرحی والمصابین، وتم قتل الحوامل مع حملهن کما تعرضن للإختطاف والتهریب، ففعلاً مورس بحقهم ظلم لا مثیل له منذ الأزل.
من ضمن الضحایا ( دوندي ئونفري البالغة من العمر 7 أشهر ونصف الشهر، وأسما سوناي مع طفلتها صاحبة الـ 9 أشهر )، کما تم تقطیع شاب باسم ( علي تراش ) وطبخه في قدر!! ظلم تجاوز حدود العقل والإنسانیة، قتل واختطاف الأطفال أصبحت ظاهرة في تلک الأحداث! إستمرت الأحداث حتی یوم 26\12\1978، غیر أن الکورد ضیّعوا أیة فرصة للعیش هناك، إنتهت مأساة مدینة مرعش إلا أنها ترکت تأثیراً عمیقاً علی مدن ( بازارجک، البستان، وبلدة ئافشین) لأنها کانت بلدات کوردیة تابعة لمدینة مرعش.
بدأ الکورد بالهجرة والنزوح من أراضي الآباء والأجداد، فاتجه قسم منهم نحو المدن الترکیة، وقسم کبیر منهم توجهوا نحو أوربا، وتدنت نسبة الکورد المتواجدین في مدینة مرعش، وبالإضافة لهذه الإبادة العرقیة للکورد في مرکز المدینة، فقد قام الأتراک بتتریک المدینة، وما زالت عملیة التتریک مستمرة.
قام بعض الصحفیین والإعلامیین (رضوان آکار، وجان دوندار) بمتابعة قضیة الإبادة الجماعیة في فترة رئاسة رئیس الوزراء الأسبق (بلند أجاوید)، فجمعوا الأدلة التي تؤکد حدوث تلك المجازر والإبادة العرقیة في أرشیف الدولة الرسمیة والتي تثبت الحادثة بأسماء المتهمین، فکان ضمن المتهمین رئیس حزب القومیین المتشددین الأتراک أرطوغلول ترکش، وعضو البرلمان من مدینة مرعش محمد یوسف، وعضو المخابرات الترکیة میت – شهاب هـ – والمحامي (متین ئا) والمتهم الأکبر الرئیسي أوکاش شندلر الذي غیر إسمه بعد الأحداث المأساویة إلی (کنجر)، فهؤلاء قد تلطخت أیدیهم بدماء الکورد في مجزرة بشریة منعدمة النظیر في تأریخ البشریة، وعلی رأسهم شندلر الذي سیّر عملیة الإبادة وأدارها.
مجزرة مرعش، مشروع یوضح عقلیة الدولة الترکیة، تلك العقلیة المستمرة لیومنا هذا، تلك العقلیة المتمثلة في إذابة الأقوام والشعوب غیر الترکیة في بوتقة القومیة الترکیة، وتغییر دیمغرافیة کوردستان، وکانت هذه کنقطة بدایة لمسیرة طویلة، وهناک سبیل وحید في مواجهة هذه العقلیة تتمثل في الحفاظ علی القیم القومیة وعدم الإنحراف والإنجرار من خط القومیة الکوردستانیة، فالقوة الوحیدة التي باستطاعتها مواجهة عقلیة مبنیة علی إذابة الآخر وإبادته ومسحه هي إرادة الأمة وإصرارها علی وجودها وحریتها.