حزب العمال الكوردستاني البكك وإيران .. حسابات الماضي الحاضر والمستقبل

حزب العمال الكوردستاني البكك وإيران .. حسابات الماضي الحاضر والمستقبل

الجزء الثالث

المرحلة الثانية للعلاقات، 1990 لغاية 2000 نحو الاتفاقية الإستراتيجية

شهد النظام العالمي خلال تسعينيات القرن المنصرم تغييرات جذرية وجوهرية واضحة تمثلت في انهيار الإتحاد السوفيتي أحد قطبي العالم آنذاك ما أدى في الحصيلة لانهيار نظام القطبين وتبني نظام القطب الواحد، وبدأ نظام جديد ومرحلة جديدة للعداء والاتفاقات الدولية، هذا وكان لمنطقة الشرق الأوسط الحظ الأوفر في المعادلة الجديدة كما واحتلت العراق خانة المركز في المعادلة الجديدة والوضع المستحدث والمستجد.

فهنا نتساءل: هل باستطاعة الكورد فصل مصيرهم عن دول الاستعمار؟

أثّر الوضع المستحدث والمستجد على الكورد في الشرق الأوسط تأثيراً خاصاً، فقد شهدت مدن جنوب كوردستان نقطة تحوّل عظيمة بعد احتلال العراق للكويت والهجرة المليونية لشعب جنوب كوردستان وإنشاء منطقة حظر طيران والمعروفة بخط 36 من قبل الأمم المتحدة لحماية الكورد، كون القضية الكوردية قد فقدت أهميتها في الأوساط الدولية بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم كوردستان، فقد حصلت اتفاقات ومعاهدات دولية كثيرة منذ عام 1920 غير أنها جميعها خلت من أي اهتمام بالكورد أو مصالح الشعب الكوردي والقومية الكوردية أو كوردستان، بل كانت كوردستان تقسّم كل مرة كأراضي محتلة على دول الاحتلال وبشكل جديد!

حصلت الكثير من الاتفاقات والمعاهدات الدولية منذ عام 1920 غير أنها جميعها خلت من أي اهتمام بالكورد أو مصالح الشعب الكوردي والقومية الكوردية أو كوردستان، بل كانت كوردستان تقسّم كل مرة بشكل جديد على الدول المحتلة من غير وضع تسمية كوردستان عليها!

من الواضح أن كل هذه الأوضاع لم تثن الكورد من إدامة نضالهم المشروع لنيل حقوقهم القومية المشروعة فحصلت العديد من المقاومات المسلحة والانتفاضات الشعبية من قبل الكورد لنيل حقوقهم القومية المشروعة، ومع أن هذه الانتفاضات كانت كفيلة بتدويل وتعريف القضية الكوردية المشروعة للعالم الخارجي وكافة الأوساط الدولية غير أن المجتمع الدولي اختار الصمت تجاه هذه المطالبات والانتفاضات الشرعية لأصحاب حقوق مهضومة!

المطالبة بالحقوق المشروعة لا تحتاج إلى قوة في المعادلات الدولية بل ما تحتاجه هو الشرعية الدولية، وقد هيّأ إنشاء منطقة حظر الطيران -خط 36- أثمن فرصة للكورد لكسب الشرعية الدولية.

المطالبة بالحقوق المشروعة لا تحتاج إلى قوة في المعادلات الدولية بل ما تحتاجه هو الشرعية الدولية، وقد هيّأت منطقة حظر الطيران -خط 36- أثمن فرصة للكورد لنيلهم الشرعية الدولية بعدما تصدعت قضيتهم المشروعة في ثنايا الأوضاع المستحدثة على نطاق دولي واسع إثر الحرب العالمية الأولى، فكان من المفروض على الكورد عمله في ذلك الوضع المستجد هو: الوحدة ولمّ الشمل الكوردي لكورد كافة أجزاء كوردستان وتقديم كافة المعونات لهذا الجزء المحرّر بشكل خيالي يمكّنه من استيعاب 40 مليون نسمة كوردي ومحاولة التئام الصدع الحاصل في الجسد الكوردي نتيجة احتلاله من قبل المحتلين، غير أنه من المؤسف أن هذا لم يحصل، ففي أول تجربة فريدة لجنوب كوردستان أعلن حزب العمال الكوردستاني البكك أن ما يحدث في جنوب كوردستان هو نوع من الرجعية والتخلف وتنفيذ لخطط ومؤامرات الإمبريالية ولن نقبل به بأي شكل من الأشكال؟!

في بدايات التجربة الوحيدة والأولى من نوعها في جنوب كوردستان صرّحت البكك أن ما يحدث في جنوب كوردستان إنما هو رجعية وأصولية وتخلف وتنفيذ لخطط ومؤامرات الإمبريالية وليس محل قبول على الإطلاق!

من الذي أوجد الخلافات وعمقها أكثر بين الكورد؟

خلال أعوام 1992 ولغاية الألفية الثانية حصلت نزاعات وحروب كثيرة بين الكورد، وتشير البيانات والمعلومات الأولية أن الدولة التركية المحتلة كانت تقف وراء جميع هذه الحروب والنزاعات، فقد زادت تركيا من هجماتها على حزب العمال الكوردستاني البكك، ولحماية نفسها قامت البكك بتجارة الحروب مع جنوب كوردستان وهذا ما تسبب بتخييم اللاإستقرار وبروز الأجواء العدائية بين الأطراف الكوردستانية.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي كاتب السيناريو الرئيسي والخفي لكافة النزاعات والحروب الداخلية لكوردستان

والحق وحسب معلوماتنا أن الكاتب الرئيسي لسيناريوهات كافة النزاعات والحروب الداخلية لجنوب كوردستان هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية المحتلة، فالنظام الإيراني هو طرف رئيسي لهذه الخلافات والمعضلات كما قام بتعميق هذه المشاكل أكثر، فزادت إيران من هذه المشاكل والخلافات وعمّقتها بين الأطراف الكوردستانية لتصل لمرحلة الحروب الداخلية، وقد أثبت التأريخ أن أية دولة جارة لإيران مرّت بأوضاع غير عادية وطارئة فإن الجمهورية الإسلامية متهمة بالتدخل في هذه الأوضاع سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ومن وراء ستار! وقد انكشف الستار عن التدخل الإيراني في جنوب كوردستان وأصبح واضحاً للعيان لأن ما شهده جنوب كوردستان خلال التسعينيات من تدويل القضية الكوردية وتأسيس كيان كوردي في هذا الجزء من كوردستان أثر على حاضر إيران وواقعها آنذاك، فما حدث في جنوب كوردستان لم يكن محل رضى وقبول لا لإيران ولا لتركيا باعتبارهما محتلَينِ لكوردستان لهذا وقفا ضد هذا!

فرغم وجود خلافات جذرية وجوهرية عميقة بين هاتين الدولتين إلا أنهما اتفقتا على عداوتهما لجنوب كوردستان ووقفتا ضد تمكين وتقوية واستقرار الواقع الكوردي المستجد في جنوب كوردستان، فلو تصفّحنا تأريخ العلاقات الثنائية بين هاتين الدولتين لوجدنا أن النقطة المشتركة الوحيدة والتي لم تطرأ عليها أية تغييرات هي العداوة لكوردستان والقضية الكوردية، فكلا الطرفين يحاولان الهيمنة على الكورد، غير أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر تخصصاً وأطول باعاً من الدولة التركية في هذا المجال مما منحها هذا أكثر قدرة واستطاعة في التلاعب بالورقة الكوردية، فعدا التخصص الإيراني قد يكون لحضور وتواجد تنظيم مثل حزب العمال الكوردستاني البكك دور وتأثير فعال في الانتصار الإيراني في هذه اللعبة.

إستطاعت إيران بسياساتها واستراتيجياتها الإقليمية والدولية سواء في ذلك الماضية أم المعاصرة تكوين أذرع مسلحة -مجاميع مسلحة- في دول المنطقة والاستفادة منها على أتمّ وجه وأكمله، حزب الله اللبناني وحركة حماس والحوثيون في اليمن وحزب العمال الكوردستاني البكك و… كأمثلة نتحدث عنها.

انتشرت هذه السياسة الإيرانية في التسعينيات أكثر من أي وقت مضى، كما واستطاعت استخدام حزب العمال الكوردستاني البكك ضد تركيا على أحس وجه، فإيران تمتلك في سياستها الإقليمية مبدأً هاماً وهو حفظ أمنها القومي خارج حدود الدولة الإيرانية، واستخدام عمق أراضي الدول الإقليمية الجارة لتنفيذ هذه الإستراتيجية العميقة! وتجاه القضية الكوردية استخدمت إيران نفس الإستراتيجية فحاولت حل القضية الكوردية خارج حدودها ووجّهتهم لبعضهم البعض!

ولتحقيق النصر في هذه المؤامرة وكّلت إيران حزب العمال الكوردستاني البكك بـ 3 مهام سنتحدث عنها ونحللها في الأيام المقبلة …

للموضوع تتمة …

مقالات ذات صلة