حزب العمال الكوردستاني البكك وإيران .. حسابات الماضي الحاضر والمستقبل

حزب العمال الكوردستاني البكك وإيران .. حسابات الماضي الحاضر والمستقبل

الجزء الرابع

إيران بأمسّ الحاجة لجنوب كوردستان لتنفيذ مشروع (الهلال الشيعي)

كما أشرنا في الجزء الثالث إلى مدى فاعلية ونجاح سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تشكيل الأذرع المسلحة إقليمياً واستخدامها لتنفيذ مشاريعها التوسعية في تسعينيات القرن المنصرم، ونجاحها في استخدام البكك ضد تركيا، وأن لها استراتيجية هامة تتمثل في حفظ أمنها القومي خارج حدودها واستخدام عمق أراضي الدول الإقليمية المجاورة لتطبيق هذه الاستراتيجية، كما أنها نفّذت نفس السياسة تجاه الكورد فقامت بزعزعة أمن واستقرار الكورد خارج حدودها.

ولتحقيق هذا الهدف وظّفت إيران حزب العمال الكوردستاني البكك بـ 3 مهام:

  • إدامة حرب البكك ضد تركيا.

  • قيام البكك بتنفيذ أجندة إيران العسكرية في جنوب كوردستان بالتنسيق المشترك، أي القيام بدور حراس الحدود الإيرانية وعدم فسح المجال أمام بروز الأحزاب الكوردستانية في شرق كوردستان وعدم التقرب من الحدود الإيرانية.

  • عدم السماح للبكك بالقيام بأنشطة وعمليات في شرق كوردستان أو إدارة حركة سياسية فيها.

لإبعاد خطر تمركز قوات حلف الشمال الأطلسي -الناتو- في جنوب كوردستان، إيران تنشر قوات البكك على حدودها مع جنوب كوردستان

وظّفت إيران البكك بمهمة تولي مهامها والقيام بعمليات باسمها في جنوب كوردستان، وذلك كون الإقليم منطقة واقعة تحت حماية حلف الناتو والأمم المتحدة، ولكي تستطيع إيران إبعاد خطر تمركز هذه القوات في جنوب كوردستان قامت بنشر قوات البكك على حدودها مع الجنوب.

والحق أنه لو تمركزت قوات الناتو في جنوب كوردستان وبموازاة الحدود مع إيران لأصبحت مثل المناطق الحدودية الموازية مع تركيا العضوة في الحلف الأطلسي، آنذاك لأصبحت جارة غير مرغوبة في الحدود مع جنوب كوردستان لهذا قامت بنشر البكك على حدودها.

إيران تسمح للبكك بالانتشار والتمركز في المناطق الحدودية

إحدى هذه المناطق الحدودية والتي تمركزت البكك فيها تُعرف بـ “دامبات” وانتشرت البكك هناك لكي يكون بمقدورها تنفيذ تحركات في جبل ئاغري، وكذلك منطقة “شهيدان” لفسح المجال أمام تحركاتها في مناطق “أسَنْدَر وشمزينان” في الجانب التركي، غير أن منطقة “كَلا رش” والتي سمحت إيران للبكك بالتمركز فيها تُعتبر إحدى أفضل المواقع الإستراتيجية، إذ تُعد كمحور دفاعي لمناطق “جلميرك ووان” فهذه المناطق عدا التسهيلات التي قدّمتها لتحركات البكك ساعدتها أيضاً على سهولة نقل الأسلحة والمساعدات اللوجستية لمقاتلي البكك -كريلا- في شمال كوردستان إضافة إلى كونها مصدراً اقتصادياً يدر أموالاً طائلة على البكك.

وسنتحدث في الأجزاء اللاحقة عن أنشطة البكك الاقتصادية على هذه الطرق والمعابر.

البكك تبدي كامل استعدادها لإيران بمحاربة جنوب كوردستان وتأكيد من الجانب الإيراني

تيقّنت إيران أن البكك على كامل استعدادها لمحاربة جنوب كوردستان ولهذا بذلت إيران محاولات جادة لتقوية العلاقات بين بعض أجنحة الإتحاد الوطني والبكك.

ولهذه الأجنحة في الإتحاد الوطني أهداف من وراء هذه العلاقات مع البكك، إحدى هذه الأهداف توسيع انتشارها في مناطق التماس مع الديمقراطي الكوردستاني، ولهذا الغرض تم استهداف بعض المعابر والنقاط الاستراتيجية من قبل الإتحاد واستلمت المعونات المالية من كلّ من إيران والبكك، وفي فترة الحرب الداخلية هيأت البكك رواتب بيشمركة الإتحاد بينما أمدّتها إيران بالمواد الغذائية والعدة والسلاح.

تأكّدْ إيران من حاجتها الماسة لجنوب كوردستان لإنجاح مشروع الهلال الشيعي لبلوغ لبنان

كان لإيران هدف استراتيجي تجاه الإتحاد الوطني الكوردستاني فبذلت محاولات كبيرة وجادة مع الديمقراطي الكوردستاني لتحقيق ذلك الهدف، غير أن الديمقراطي الكوردستاني فهم جيداً كيفية الحفاظ على مصالحه ولهذا لم تستطع إيران التأثير عليه وجذب الكوادر المقربة إليها في تنظيمات الديمقراطي، فعندما اتضح لإيران توجه الديمقراطي الكوردستاني لأمريكا والجبهة الغربية صرفت كامل اهتمامها عنه واتجهت نحو الإتحاد الوطني بالكامل لتيقّنها من حاجتها الماسة لجنوب كوردستان لتحقيق مشروع الهلال الشيعي وبلوغ لبنان، لهذا لم تصرّف نظرها ولو للحظة عن الإتحاد وبذلت جهوداً جبّارة لتغيير موازين القوى في الجنوب لصالح الإتحاد والبكك وتغيير جوهر البكك لكي يعوّض خط (الإتحاد-البكك) محله وتقوية هذا الخط!

ولبلوغ هذا الهدف حاولت إيران تشكيل معاهدات وإيجاد تنسيقات بين الإتحاد الوطني والبكك في المناطق ذات الأقلية السورانية وفاعليتهم الشبه معدومة!

الحرب الدائرة بين البكك والبارتي ليست حربهما وإنما كانت حرب إيران والناتو

بعد هذه الأجندة للنظام الإيراني عام 1997 بدأت الحرب الداخلية، وأخضعت البكك بعض المناطق الحدودية مع إيران لسيطرتها وأدارت مدن “جومان وسيدكان”.

وبعد هذه السنة استمرت إيران على معوناتها العسكرية واللوجستية وإرسال المواد الغذائية للبكك، والبكك بدورها كانت تدير الحرب الداخلية في سهل (عائشة وبردناز) الحدودية بين إيران وجنوب كوردستان، وكان هدفها القدوم لأربيل وحصر البارتي في مناطق بهدينان دهوك وضواحيها لامتلاكها قوات في جبال بهدينان أيضاً وكانت باستطاعتها شنّ هجمات هناك أيضاً، وبهذا سيتعمق الحصار ويشتد أكثر على البارتي ليضطر إلى الانسحاب من كافة المناطق وتركها، غير أن مؤامرة إيران والبكك لم تمرّ دون ردّ وتصدي نتيجة تدخل تركيا في شهر كانون الأول من عام 1997 في جنوب كوردستان وملاحقة تنظيمات البكك ما أجبرتها على التخلي عن كافة المناطق التي أخضعتها لسيطرتها والتنقل للجبال والتحصن بها مرة أخرى!

من الضروري دراسة هذه الحروب وتحليلها من قبل المختصين في المجال العسكري وبتعمّق أكثر، لأن هذه الحرب لم تكن حرب البكك والبارتي وإنما كانت حرباً دائرة بين إيران وحلف الناتو لما بذّلتها إيران من جهود ومحاولات لاستخدام جنوب كوردستان كعمق إستراتيجي لها لتحقيق مخططاتها وشنّ حروب كبرى منها وإدامتها هناك.

لقراءة الجزء الثالث أضغط هنا

مقالات ذات صلة