نشرت وكالة فرات للأنباء (ANF) التابعة للبكك خلال الأيام الماضية آخر تصريحات مؤسسي البكك (دوران قالقان وجميل بايك) وقد تمت مناقشة الكثير من المواضيع الثانوية والتافهة غير أن الموضوع يعود في الأساس لمعضلة “زيني ورتي” والوحدة الوطنية، وفي تقرير كل واحد من المذكورين نرى أنه تم جذب الانتباه لقضية (المؤتمر القومي -الوطني) من غير الالتفات والعودة لماضيهم والنظر إليه! وبنظرة بعيدة عن الحقيقة ورؤية الأحداث التأريخية بنظرة سطحية وآنية! ومن هنا ظهرت مطالباتهم بانعقاد المؤتمر القومي وتأسيس الوحدة الوطنية، ومن الواضح أن البكك تهدف من وراء هذه الخطوة إلى قيادة وزعامة كافة الأطراف! فهنا نتساءل: هل هذه هي الحقيقة؟
ألعاب وخطط علي جنكيز
هناك مقولة في تركيا تقول: (ألعاب علي جنكيز) وقصتها طويلة، وأحداثها تدور حول شخصية كـ (شخصية بهلول) ولكنها باسم علي جنكيز، وفي جوهرها تتدخل هذه الشخصية في كافة الأحداث والمشاكل، وهي تروى كقصة سحرية وخُدع، حيث يتقمص هذا الشخص كافة الأدوار وينجو منها جميعها ويحيّر السلطان بفطنته! فيبقى السلطان حائراً أمام ألعابه وخططه وتصرفاته فاضي اليدين لا يستطيع فعل شيء!
ولو نظرنا إلى التأريخ فباعتقادي أن التنظيم الوحيد الذي يستطيع تقمص دور وشخصية علي جنكيز وباحتراف هو تنظيم حزب العمال الكوردستاني البكك، ولا أبالي إن كنتم تنظرون لرؤيتي هذه كمدح وثناء أو انتقاداً لاذعاً للبكك؟! فأنتم مخيّرون في اختياركم! غير أن هذه هي حقيقة البكك.
فالبكك تستطيع تغيير أقوالها وتصريحاتها ومواقفها وفق اهوائها ومصالحها في كل مرة بشخصية مختلفة وقيادي مختلف! أي فهي تستطيع أن تُنطق غيرها بالنيابة والتمثيل عنها! فتصبح بعض الأحيان تركية كما تصبح أحايين أخرى كوردستانية! كما تناضل وتكافح بعض الأحيان عن كافة شعوب العالم وفي أحايين أخرى تناضل من أجل شعوب الشرق الأوسط على وجه الخصوص! وهدفها المنشود من وراء هذه المواقف المتذبذبة وهذه الأدوار الحربائية المتأرجحة والأقوال المتقلبة باستمرار هو فتح المجال لسياستها، وهي الآن تحاول إظهار نفسها بألوان كوردستانية، فهنا نتساءل: هل تقوم البكك بهذا العمل بكامل إرادتها هنا أم هي حالة اضطرارية لا حل آخر لديها؟!
معضلة “زيني ورتي” بدأت منذ أكثر من شهرين، ويقوم أحد قادة البكك ومؤسسيها وعلى وسائل إعلامها يومياً باتهام الحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- بالخيانة والعمالة، ويدعو إلى الانتقام ويتعهد بالثأر! وفي نهاية الأسبوع يظهر قيادي مؤسس آخر لهذا التنظيم ويقول: نحن ملتزمون بعقد المؤتمر القومي وتأسيس الوحدة الوطنية، ونحن مازلنا ملتزمين بمواقفنا وعلى مواقفنا القديمة! فالبكك تنشر بين أقوالها وكتاباتها فكرة مفادها: إما أن يحصل الأمر كما أقول وأريد أو لن أدع شيئاً يحصل!
والحق لو حدث أي شيء فإن البكك صاحبة كلمة قرار في موضوع (الوحدة الوطنية) ولو فكرنا بطريقة منطقية ودقّقنا النظر في القضية الكوردية وعقد المؤتمر القومي وتأسيس الوحدة الوطنية لرأينا أن هناك أشياء ضرورية لعقد هذا المؤتمر وتشكيل هذه الوحدة.
فبداية: لتأسيس الوحدة القومية والوطنية الكوردية لا نحتاج إلى إطلاق الأغاني وإقامة الحفلات والدبكات الشعبية في الساحات وإطلاق زنابير السيارات على الشوارع والتحدث بأقوال عظيمة! كما أن هذه الوحدة لا تحتاج لإشاعة الدعايات الإعلامية السهلة والتي باستطاعة أي تنظيم نشرها لتقوية قاعدتها الجماهيرية! فهناك أعداء يتربصون وحدتنا الوطنية الكوردية! كالدول المحتلة لكوردستان كالعراق وإيران وتركيا وسوريا، كما أن هناك شخصيات وجهات وأطراف دولية تتخوف من عقد هذه الوحدة وتزداد قلقاً! لهذا فإقامة حقلة عرس وبعجلة تامة وإظهار الطرف الأكثر تجاذباً لأطراف هذا الحديث والراغب الأكبر في تحقيقه على وسائل الإعلام والسوشيال ميديا للعالم وابدائه لهم ليس صحيحاً وليس كذلك! وبالأخص في هذه الأوضاع المتأزمة والمتداخلة في منطقة الشرق الأوسط! ولتحقيق هذه الرغبة ولكي ترى الوحدة الوطنية النور وتولد بطريقة طبيعية من غير إجراء عمليات قيصرية ينبغي القيام بهذه الأعمال وتنفيذ هذه الخطوات:
على كبرى الأحزاب الثلاثة الكوردستانية وصاحبة القواعد الجماهيرية العريضة الاجتماع واللقاء معاً والتباحث حول هذا الموضوع بشكل جذري وبناء علاقات جديدة وتطويرها على أسس مشتركة، وفي خارج هذا الإطار ومثل انعقاد مؤتمر حزب الشعوب الديمقراطي (هـ د ب) وبعبارات براقة عن الوحدة الوطنية فلا نجاح لمثل هذا المؤتمر الشكلي الأجوف!
غير أنه وبعيداً عن هذا فمن أدرجت الولايات المتحدة أسمائهم في قائمة المطلوبين ورصدت جوائز ثمينة لمن يدلي بمعلومات عنهم من قادة البكك ثم يأتي هؤلاء ويطالبون بانعقاد اجتماعات ولقاءات مقابل شرعية الحزب الديمقراطي الكوردستاني -البارتي- والإتحاد الوطني الكوردستاني -ينك- ومع قادتهم! فالموضوع فيه شيء من الغرابة! فأمثال دوران قالقان وجميل بايك والمطلوبين لدى أمريكا وقد رصدت جوائز لمن يدلي بمعلومات عنهم يأتون ويدعون لعقد لقاءات مع البارتي وبعدها يصرحون بأنهم عقدوا لقاءات ناجحة ومثمرة مع الأحزاب الكوردستانية فهل تساءلنا عن مدى حجم العراقيل والمشاكل التي سوف تحدث آنذاك للقضية الكوردية وجنوب كوردستان خاصة؟! إذ من الصعب فهم هذا وإدراكه!
البكك مرتبطة ومتعلقة بروح بروتوكول 1983!
بمعنى آخر يستطيع الإنسان معرفة من يتقارب من الوحدة الوطنية باستراتيجية أكثر حكمة، فالوحدة الوطنية ليست ورقة ضغط وبطاقة بيد البكك أو أي حزب أو طرف أو تنظيم سياسي كوردستاني للضغط على القرناء في الأوقات الضرورية والمواتية لمصلحة سياسة الحزب!
يقول دوران قالقان خلال كلمة له بصدد توقيع اتفاقية بروتوكول 1983: نحن ملتزمون بروح هذا البروتوكول! ثم يأتي قالقان نفسه يوم الـ 14/4/2015 فيقول: بعد الآن لن يُدار جنوب كوردستان من أربيل بعد الآن! وقد قطعنا كافة العلاقات ما بين البكك والديمقراطي الكوردستاني!
يومذاك ولغاية اليوم ما الذي تغيّر حتى يغيّر دوران قالقان رؤاه ومواقفه؟! وكذلك تصريحات مصطفى قاراسو في شهر نيسان عندما صرح باسم البكك بأشنع التصريحات والعبارات تجاه الديمقراطي الكوردستاني فما الذي حصل حتى تغيّر البكك أفكارها بالمرّة؟!
عادت حسابات البكك خاطئة تجاه أربيل هذه المرة! وتوقعاتها لم تكن في محلها! فالبكك وكما تعوّدت على إخضاع هيمنتها وسيطرتها على منطقة وتمكين قواتها وتمركزها فيها وكانت تبقي تلك المناطق خاضعة لسيطرتها وبسط نفوذها، غير أنه في معضلة “زيني ورتي” كانت البكك تعتقد بإعادة سيناريوهاتها الدائمة وأن هذه المناطق ستبقى لها غير أن النتائج جاءت مغايرة تماماً لما تعوّدت عليها البكك كما أن الحسابات كانت مختلفة، وذلك بسبب المواقف الحكيمة لحكومة إقليم كوردستان والرامية لبسط الأمن والاستقرار، ولهذا لم تدفع حكومة جنوب كوردستان أية تعويضات هذه المرة، بل على العكس من هذا لم تستطع البكك تحقيق مرامها كما أنها لم تنل التأييد والتعاون اللذين لطالما حظيت بها من قبل الشعب الكوردي نتيجة اليقظة والتوعية الجماهيرية لشعب كوردستان وفهم هذه اللعبة جيداً!
كما أن الجناح الموالي والمتعاقد من الإتحاد الوطني الكوردستاني مع البكك لم يستطع توحيد موقف عامة قادة الإتحاد لجانبها، فبقيت البكك وحيدة على الساحة، ومن المحتمل أن الولايات المتحدة قد أشرت لبعض الجهات والأشخاص بما ينبغي عليهم فعله وعدم تعدي حدودهم المرسومة لضرورة وأهمية هذه المنطقة في نظرهم، ولهذا غيّرت البكك أقوالها ومواقفها بشأن معضلة “زيني ورتي” ظاهراً غير أنها لم تتراجع عملياً ولو بخطوة للوراء! بل غيّرت فقط من نمط حديثها ونمقته أكثر، فعوض التصريحات التي أدلى بها مصطفى قاراسو سابقاً والمهددة بإشعال الحرب وتدمير المنطقة وجرها إلى حافة الانهيار! ظهر دوران قالقان وقال: نستطيع الاتفاق مع الديمقراطي الكوردستاني وحكومة إقليم كوردستان، فقيادة البكك وإدارتها العليا تدعو للتفاعل مع رؤى الشعب بمفهوم جيد وتقدّر هذه الرؤى وتعظمها! غير أنها قامت بتكليف التنظيمات الشبابية لها في أوروبا بالقيام بأنشطة كثيرة وفي الساحات العامة بشأن معضلة “زيني ورتي” ضد الديمقراطي الكوردستاني وحكومة الإقليم برفع شعارات مسيئة لحكومة جنوب كوردستان والبارتي، كما نشّطت وسائل إعلامها بالوقوف موقف المعاداة لإقليم كوردستان وإطلاق العبارات الحقيرة والدنيئة تجاه الإقليم والبارتي!
ففي التصريحات الأخيرة لجميل بايك ودوران قالقان يتضح أن معضلة زيني ورتي هو الشرط الهام والأساسي والرئيسي لأية خطوة تجاه انعقاد المؤتمر القومي وبناء الوحدة الوطنية، فيتظاهرون بقولهم إن الشعب ومؤسساته هم مَن يطالبوننا بهذا! ولهذا توقفنا على هذه المطالب، غير أن المشاكل لم تُحل بعد والعراقيل متعثرة بالسبل، وهنا نوجّه لهم سؤالاً كهذا: سيادة المحترم جميل بايك هناك مشكلة أخرى في طريق الوحدة القومية لم تُحل ولم تعالج! معضلة شنكال ما زالت باقية! فهل تستطيع كشخص جميل بايك وكقيادي في البكك حلّها؟! وهل ستنسحبون من محاولاتكم الرامية لفصل شنكال واقتطاعها من جنوب كوردستان وترقيعها بجسد العراق؟! وهل ستسمحون برفع علم كوردستان في سماء شنكال؟! وهل ستُنهون شراكتكم مع مرتزقة ميليشيات الحشد الشعبي؟! وتسمحون لبيشمركة كوردستان بالقدوم إلى هذا الجزء المقتطع من جسد كوردستان ودون مواجهة وتحدٍ؟!
فبايك يزعم بأن الشعب يطالب الديمقراطي الكوردستاني بالخروج من “زيني ورتي” ونحن شعب ايضاً ونطالب المحترم جميل بايك هنا برفع راية كوردستان وجعله مرفرفاً في سماء شنكال! كما ندعوكم للخروج من شنكال وعدم ترك تلك المنطقة كوليمة للعراق! وليلتحق هذا الجزء من كوردستان بها!
علماً أنّ هذا ليست بسياسة ولا تُدار السياسة هكذا، أراد هؤلاء كذا! أو لم يرد فلان كذا! فالبكك توظّف جماعة منها في جنوب كوردستان فقط وتحركها للقيام بمثل هذه الأعمال والتحدث باسم شعب الجنوب وتمثيلهم والقيام بمثل هذه السيناريوهات وإبداء كل هذا وكأنها إرادة الشعب وهذا ما يريده!
غير أن هذا ليست الحقيقة! فتارة يظهر “فايق كولي” كسفير وممثل لجماعة السلام، ويظهر كوادر البكك والمنتمين إليها منذ 27 عاماً كـ”نيلوفر كوج” الرئيسة المشتركة للمؤتمر الوطني الكوردستاني يوجهون نداءات للديمقراطي الكوردستاني بالانسحاب من “زيني ورتي” فالبكك توظّف كوادرها وتحرّكهم على جبهات ومحاور شتى! وتظهرهم على أنهم ممثلو الشعب وتقول بأن هؤلاء هم الشعب! ولكل قيادي وإداري في البكك مقولة مغايرة تماماً للآخر وذلك لإظهار المقولة التي تستقطب أكبر عدد من الناس! وتلك المقولة التي تتناسب مع الواقع وتنسجم معه، ولهذا نقول للبكك بأن ألعاب علي جنكيز لا تنتهي أبداً، وأن الوحدة القومية والوطنية لن تتأسس مثل ما تصبو إليه البكك!
فهناك مقولة منقولة عن فولتير عندما سُئل عمّا نستطيع فعله من أجل نيل حقوق الإنسان فأجاب: ساعدوا الناس على الفهم والمعرفة!