الذكرى الـ 76 لميلاد عبد الله أوجلان (3)

الذكرى الـ 76 لميلاد عبد الله أوجلان (3)

سمكو عبد العزيزي

هناك أوقات في التاريخ لا تقتصر فقط على تعريف القادة، بل تحدّد وتظهر أيضًا عمق الاختلافات والفروقات بين الأقوال والأفعال.

مئات الآلاف من الكورد صرخوا وقالوا لعبد الله: “أنت زعيم الشعب الكوردي، أنت صوت جبال كوردستان، أنت ظلّ المحاربين الأبطال الفدائيين لكوردستان، لا حياة بدونك…” وعندما ألقي القبض على عبد الله وشوهد على متن الطائرة وهو مكبّل اليدين، شعر الكلّ بالأسى والغضب، ذرفوا الدموع… ذلك لأنه لم يرغب أي كوردي أن يتعرّض أي زعيم أو قائد كوردي للإذلال بهذه الطريقة. وانتشرت مظاهر العزاء في بيت كلّ كوردي، ولكن وقبل أن ينتهي هذا العزاء رأينا عبد الله يقول وهو ما زال على متن الطائرة المتّجهة لتركيا: “أمي تركية، أنا على أتمّ الاستعداد لخدمة الدولة التركية… أعتذر لأمهات الجنود الأتراك الذين استشهدوا على أيدينا!”.

كانت أقوال عبد الله هذه عكس ما كان يتوقّعه الكورد وينتظرونه منه، الجميع كان يظنّ أن عبد الله سيقول للدولة التركية: “المقاومة حياة”. وأنه سيتحدّث عن فدائيي ومحاربي كوردستان والفداء لكوردستان… عن القرى الكوردية التي دمّرت وأُحرقت على يد الدولة التركية… عن الإبادات الجماعية التي ارتكبتها الدولة الكردية بحقّ الكورد… وأنه سيعتذر من الأمهات الكورديات لعدم قدرته على تحقيق أي مكسب للكورد من وراء دماء أبنائهن…

لم يكن اعتقال أوجلان نهاية شخص فحسب، بل كان بداية انهيار ودمار كلّ الشعارات الثورية لحزب العمال الكوردستاني بكك وكشف وفضح أكاذيب هذا الحزب وزعيمه.

أقوال وتصريحات أوجلان على متن الطائرة كشفت الوجه الحقيقي لعبد الله وحزبه. وهنت وضعفت ثقة الشعب بالقضية الوطنية-القومية، لكن أوجلان وحزبه لم يرضوا بهذا فحسب، بل واصلوا محاولاتهم ومساعيهم بعدها كذلك من أجل تشويه صورة الوطنية وتسقيطها في أعين الشعب والأمة وراء إبرازها بمظهر الرجعية والتخلّف… وقد حقّقوا النجاح إلى حدّ ما كي يأتي فنان كوردي مثل ديار ديرسم اليوم ويظهر على القنوات التلفزيونية ويقول بكلّ صلافة: “القومية فكرة عفنة قديمة ورجعية وتخلّف!”.

لم يرض عبد الله بهذا فحسب، بل لاحقًا في السجن، وعندما تحدّث إلى مسؤول أمني مخابراتي تركي كان يسجل سرًا كلام عبد الله، انكشف وجهه القاتم أكثر عندما قال: “الآن يلعن الشعب بارزاني وطالباني. أعلم جيداً أن الشعب أبدى علاقة طارئة مع حزب العمال الكوردستاني بكك، وإذا قدّمتم لنا أنتم الأتراك أي مساعدة، فسنزيل بارزاني وطالباني من الميدان ونمحوهما، وبعد فترة قصيرة ستصبح هذه الجماهير داعمة لنا حزب العمال الكوردستاني بكك-تركيا. وهذا حدث تاريخي، وأعتقد بأن هذه “الخطة” يجب أن تبقى سرية للغاية وطيّ الكتمان. هنا كلّ شيء سيُحل بدعم قليل منكم الأتراك، أنظروا جيداً أنا لا أتحدّث عن المال والسلاح، أنا فقط أطلب مساعدات قليلة، وليس من الضروري أن تُعزّزوا وتقوّوا هؤلاء البارزانيين والطالبانيين، ولا تستهينوا بقوة بارزاني وطالباني. هناك قوى عظمى تقف وراءهما. لا تصدقوا أنهما حلفاء وداعمين لتركيا. عندما نعمل معًا من أجل المبادئ، سننتصر نحن حزب العمال الكوردستاني بكك-تركيا، لن ندعهم يتنفسون الصعداء، وسنجعلهم يتعلّقون بتركيا ويوالونها، لهذا، اقترحتُ خطة أربيل. “امنحونا الفرصة للعمل مع بعض التركمان، وسوف يتعلّقون بكم مثل الجراء!”.

نعم، فلأن أوجلان شخص جبان خائف، فهو أراد حماية نفسه وإنقاذها من الإعدام بهذه الكلمات.

قبل اعتقال أوجلان، وفي وقت اعتقاله، كانت زنزانات تركيا وسجونها تعجّ بمئات المعتقلين الكورد، لكنّهم فعلوا عكس ونقيض ما فعله أوجلان، فرغم التعذيب الوحشي كانوا يقاومون حتى الموت، ولم يفعلوا مثل ما فعله أوجلان، لم يكونوا على استعداد للاستسلام كـ أوجلان، لم يعترفوا على رفاقهم ولم يخونوا مبادئهم، هؤلاء الأبطال اختاروا الموت، لكنهم رفضوا الخيانة.

بهذه المواقف تأكّد أمران، هما: زعيم حزب العمال الكوردستاني بكك تخلى عن كورديته من أجل حماية نفسه وإنقاذها، بينما ضحّى أتباعه بكلّ شيء من أجل الكوردايتية، والأمر الأكثر إيلاماً هو أن صحافة حزب العمال الكوردستاني ووسائل إعلامه تخفي هذا الجبن لزعيمها وتحاول جاهدة إظهار خيانة زعيمها كفلسفة ومقاومة معاصرة في أعين الكورد.

يصف حزب العمال الكوردستاني بكك في وسائل إعلامه سجن إمرالي بأنه مصنع لإنتاج الأفكار والفلسفة الجديدة. ولكن عندما نقرأ هذه الأفكار ونفسرها ونقيّمها يتبين لنا أن هذه الأفكار لا تخدم القضية الكوردية والقضايا الوطنية-القومية، بل على النقيض تماماً جاءت لتدمير القضية الكوردية والفكر الوطني القومي للكورد.

إن الكتب التي كتبها أوجلان في إمرالي هي تفسير جديد لحلّ القضية الكوردية وفقاً لرغبات أوجلان والدولة التركية، لكن هذا الحلّ لا يتوافق مع أهداف المحاربين الفدائيين الذين ضحّوا بدمائهم من أجل كوردستان.

وبدلاً من أن يصبح سجناً لأوجلان، أصبح سجن إمرالي مركز صنع القرار بشأن القضية الكوردية لدى الدولة العميقة في تركيا، وما تريده الدولة العميقة في تركيا من أوجلان، فإن أوجلان يعمل على تحسين هذه الرغبة التركية في نظر الكورد، ويحاول من خلال حزبه وعن طريقه أن يعتقد الكورد بأن هذا أمر جيد!

عندما وصلت هذه الكتب إلى أيدي الكورد، لم يروا فيها تاريخهم ونضالهم ومقاومتهم، بل لم يروا أبداً أنفسهم فيها، ورأوا أنفسهم من خلالها كغرباء، كلّ ما هو مكتوبٌ فيها عكس رغبات الشعب الكوردي وآماله، حرّف أوجلان عن طريق هذه الكتب والمؤلّفات والنظريات أنظار الكورد من تحرير كوردستان صوب تحرير نفسه، تلاعب بعقولهم وخاصة أنصار ومريدي العمال الكوردستاني بكك في باكور كوردستان-كوردستان تركيا بحيث باتوا يردّدون شعار “عاش القائد آبو” بدلاً من ترديدهم شعار (عاشت كوردستان) وعوض أن يقولوا: “لا حياة بدون كوردستان” يردّون في الساحات شعارات “لا حياة بدون القائد-لا حياة بدون آبو!” نعم، فهكذا تلاعب أوجلان بعقول الكورد من خلال هذه الكتب المطبوعة في إمرالي…

نعم، إن أخطر ما يواجه الكورد الآن هو الفكر الذي سجن فيه عبد الله أنصاره وأتباعه…

الترجمة من الكوردية بتصرّف يسير: موقع “داركا مازي”.

مقالات ذات صلة