الذكرى الـ 76 لميلاد عبد الله أوجلان (2)

الذكرى الـ 76 لميلاد عبد الله أوجلان...

سمكو عبد العزيزي

أنهار الدماء التي أراقها المحاربون الفدائيون الأبطال فداء للأمة الكوردية لم تكن خطأ لغوياً، كلّ القادة لم يولدوا من رحم التضحية والفداء، بعضهم وُلد من رحم ظلام قاتم تحت ستار الخفاء، عبد الله أوجلان لم يأت من حلبجة ولا من قنديل ولا من كوباني، كما أنه ليس صدى لصرخة مجازر والإبادة الجماعية لديرسم، بل خلال حياته كلّها، لم يُطلق عبد الله رصاصة واحدة في وجه أعداء الكورد وكوردستان.

كان عبد أوجلان أحد الأطفال الجبناء في قريته كما يصف هو شخصياً ويعترف بذلك فيقول بأنه كان يقتل الثعابين من باب الخوف، وليس من باب الجرأة والشجاعة.

كما كان أيضًا خريجًا لـ كافتريات أنقرة وتلميذًا للزوايا المظلمة للماركسية في الجامعة.

لم يكن لديه أي اهتمام أو إلمام بالقضية المشروعة للشعب الكوردي. لذلك كانت كورديته متّسمة ومصمّمَة وفق مفاهيم الماركسية، كما يُستخدم نفس أقمشة الملابس الكوردية، ولكن لصنع الملابس الكوردية بتصاميم أجنبية غريبة.

 في بداية تأسيس حزب العمال الكوردستاني بكك عام 1978، لم تكن للقضية الكوردية أي موقع أو مكان في قلب حزب العمال الكوردستاني، بل كان يتمّ استغلال واستخدام القضية الكوردية وأرض كوردستان كأداة لتحقيق مشروع آخر، كانت استراتيجية مشروعهم هي محاولة إلغاء نظام الحكم في الدولة التركية وفق الفكر والفهم الماركسي. كما يعترف كمال بير، الشخص الأول والمؤسّس لحزب العمال الكوردستاني بكك والذي هو من أصل تركي؛ حيث يقول في اعترافاته: “لم نؤسّس حزب العمال الكوردستاني لتحرير أرض كوردستان أو تحرير الشعب الكوردي، بل استخدمنا جغرافية كوردستان والشعب الكوردي لتطوير الفكر الماركسي واللينيني، مثل استخدام حقل من الأرض مناسبة لمحاصيلنا!”.

بمعنى أن الكورد وكوردستان وتحرّرهما لم يكونا في أذهانهم، ولكن تمّ استثمار وتكريس الكورد واستخدامهم كشعب مضطهد ومظلوم من أجل تحقيق غاياتهم ومصالحهم الخاصة. بل لم يكن تحرير كوردستان يوماً ما غاية وهدفاً لهم، بل كان هدفهم الرئيسي هو بناء سلطة ونظام حكم وفق مفاهيم ماركسية، لكن هذا الهدف أضمر وكبّت وأخفي تحت مفاهيم وشعارات ثورية. هذه التغطية وهذا الإبطان أصبح بداية النهاية لدمار الكورد وضياعهم.

في رحلة التيه والضياع هذه، وتحت راية تحرير الكورد وشعار تحرير كوردستان… شرع حزب العمال الكوردستاني بكك بقتل الثوار والوطنيين المخلصين الكورد.

لم يكن أعداء كوردستان هم الأعداء الرئيسيين لحزب العمال الكوردستاني بكك. بل كان الثوار والوطنيون المخلصون الكورد وكلّ مُطالبٍ بدولة كوردستان هم العدو الرئيسي والأول لحزب العمال الكوردستاني بكك وعبد الله أوجلان، ولذلك قرّروا إما إسكات جميع الثوار الكورد في باكور كوردستان-كوردستان تركيا أو قتلهم والقضاء عليهم، لذلك، كانت الرصاصة الأولى من فوهات بنادقهم تجاه صدور الكورد، وكان (محمد جلال بوجاك) رئيس عشيرة بوجاك، هو ذاك الكوردي المستهدَف.

في سبعينيات القرن الماضي، كان عبد الله يصف اللغة الكوردية بالرجعية، فيقول: “اللغة الكوردية رجعية وتخلّف، والاستقلال خدعة، وحقّ تقرير المصير جريمة”. وأشخاص مثل جميل بايك هم شهود أحياء على أنّ أوجلان ردّد وكرّر مثل هذه الأقوال عدّة مرات.

في هذا الضياع والتيه تحوّل حزب العمال الكوردستاني بكك وأصبح أداة ووسيلة لعمليات التصفية الداخلية، ليس لتصفية حزب العمال الكوردستاني من الخونة في الداخل، بل لتصفية الحزب ممّن لا يتعبّد ولا يؤلّه أوجلان، كانت عمليات التصفية هذه تتمّ تحت مسمّى تصفية الخونة ومحاربة الخيانة، حيث كان يُتّهم ويغتال كلّ من لا يتقبّل أقوال أوجلان ولا ينصع لأوامره أو كانت لديه شكوك حول شخصيته وأقواله.

وهذا ما اعترف به عبد الله بنفسه لأحد محاميه في سجن إمرالي حينما قال: “عدد الكوادر الذين قتلناهم بأيدينا أكبر بكثير من عدد الكوادر الذين قُتلوا على يد الدولة التركية”.

نعم، أوجلان لم يتواجد قطّ في أي جبهة من جبهات القتال، وعندما ألقي القبض عليه في كينيا رفض المقاومة، وقال: “لن أقوم بمقاومة كلاسيكية”. ولكن… وُصف هذا الاستسلام أيضًا للكورد بأنها بمثابة مقاومة وبطولة!

نعم، ضيّع حزب العمال الكوردستاني بكك وزعيمه المسجون القضية الكوردية أمام الكورد أنفسهم وأهدروها، ووجّهوا الكورد صوب مسار ووجهة أخرى، من شعار تحرير كوردستان، عاش الكورد وعاشت كوردستان… الخ بدلاً من هذا وجّهوا الكورد نحو شعارات كـ (الكونفدرالية الديمقراطية، أخوة الشعوب…) بحيث تمّ اقتياد الكورد نحو ظلام دامس من شأنه أن جعلهم يقولون (عاش القائد آبو-لا حياة بدون القائد…) بدلاً من أن يقولوا “عاشت كوردستان، لا حياة بدون الوطن!”.

وكأنّ أنهار الدماء التي أراقها الكورد وسُفكت من أجل كوردستان محرّرة مستقلة إنّما هي مجرّد خطأ إملائي لغوي يمكننا إصلاح هذا الخطأ ببعض المصطلحات والمفاهيم.

أضاع عبد الله قضية الكورد وضيّعها عليهم، كلّ عشر سنوات يوجّه الكورد نحو وجهة ومنحى، يوجّه أتباعه ومريديه من الكورد وفق رغباته وميوله ومصالحه الشخصية.

نعم، بات الكورد في هذا التيه والضياع لم يعودوا يعرفون هل هم أمّة أو طبقة اجتماعية أو فئة أم مجرّد مفهوم فلسفي في ذهن أوجلان!!

الترجمة من الكوردية بتصرّف يسير: موقع “داركا مازي”.

مقالات ذات صلة