بقلم… سمكو عبد العزيزي
الأمة التي جُرِحَ وطعن جسدها بالخناجر والسيوف والسكاكين ثم شُفِيت جراحها مرة أخرى وعادت لتقف على قدميها مثل الأمة الكوردية لم تولد بعد…
لا توجد قضية ومشكلة قومية وطنية مثل قضية الأمة الكوردية خُنقت ودفنت وقبرت لكنها بُعثت عادت إلى الحياة من جديد…
الحديث عن الكورد ليس حديثاً عن أمة أخرى وشعب آخر عاش على هامش خريطة العالم.
لكن، ذاكرة مئوية لأمة صُلبت على الجدران.
يبدأ التاريخ الحديث والمعاصر للكورد بمعركة جالديران الدموية عام 1514، عندما تم تقسيم كوردستان لأول مرّة بين الإمبراطوريتين (العثمانية والصفوية).
هذا التقسيم لم يكن وفق رغبات وتطلّعات الكورد ومشيئتهم، بل كان من خلال اعتماد خريطة جغرافية دموية فرضت على أرض الكورد ووطنهم.
كانت هذه بداية انقسام الكورد وتقسيم وطنهم في تاريخ الحداثة والمعاصر، وهي بداية آلام الأمة الكوردية ومآسيها وأشجانها، والتي يطلق عليها في كثير من الأحيان بـ مرض السرطان.
عندما انتشر هذا المرض في جسد الأمة الكوردية، لم يستطع الشعب الكوردي أبدًا من العيش بسلام وطمأنينة في وطن يأمل فيه تحقيق آماله وأحلامه وطموحاته وخيالاته، أو أن يكون له خريطة وجغرافية يكتب عليها اسم وطنه.
كلّ ما تبقى للكورد هو سفك أنهار من الدماء حتى لا يُمسح اسمه من ذاكرة التأريخ ولا يُنسى.
كذلك إحياء وترنيم ذاكرة الأغاني الحزينة للآباء والأجداد واستذكارها ونشرها بين الأمة والوطن، لتصبح هذه الأغاني تناغماً وإيقاعاً حزيناً غاية في الوهن والتعب بين أحضان الطبيعة.
القضية الكوردية ليست قضية وعملية فكرية ولا إشكالية سياسية، بل هي صرخة وجود وبقاء.
لم يثور الكورد ضدّ نوع نظام الحكم، بل ثاروا ضدّ تلك المؤسّسات والمشاريع القائمة على إنكارهم.
كانت المطالب الكوردية مجرّد نيلهم حقوقهم الطبيعية الأساسية، ومن بينها ألّا يبقى الشعب الكوردي بل أرض وبلا وطن ويكونوا أجانب وغرباء على أرضهم ووطنهم.
منذ ثورات الشيخ سعيد بيران، سمكو شكاك، ئاگري، قاضي محمد، البارزانيين، گولان، أيلول، الانتفاضة، مقاومة وصمود كوباني … إلخ، لم تكن هذه الثورات على طاولة الفلاسفة ليقرّروا هل الكورد أمة أم لا.
اختار الكورد الموت من أجل تحرير أرضهم ووطنهم وشعبهم من العبودية والاضطهاد والظلم والاستبداد، وانبعاث وجودهم من أجل وطن محرّر مستقل.
لا يخلو بيت كوردي من ضحية فدائية لم يتم العثور على عظامها، في كلّ بيت كوردي هناك أم ثكلى تبكي دماً على فلذّات أكبادها التي لم تعد للبيت بعد، في غياهب كلّ زنزانة في كافة أجزاء كوردستان الأربعة، هناك جثة أُعدمت تقول أنا لكوردي!
الأمة التي ضحّت بأبنائها وبناتها ودفنتهم تحت الثرى بلا أسماء، وأقامت التعازي والمآتم لبيشمركتها ومقاتليها لأنهم كانوا بلا دولة، وتذرف أناشيدها بالدماء… هذه الأمة ليست بانتظار فلسفة لتقوم بتعريفهم.
إذا وضعنا قضية الأمة الكوردية على الطاولة أو أدخلناها في نقاشات وحوارات إيديولوجية، آنذاك، سنكون كمن يطلب منطقياً الصمت من أم ثكلى مفجوعة تبكي على جثة ابنها.
القضية الكوردية ليست مسألة فلسفية، بل هي مسألة انعدام هوية، مسألة وطن وأمة لم يكتب تاريخ ميلادها بعد.
محاربو وأبطال مهاباد، حلبجة، الأنفال، كوباني، ديرسم وئاگري لم يفدوا بأرواحهم الطاهرة من أجل نوع نظام الحكم والسلطة، بل ليقولوا إن الكورد ليسوا غرباء زائرين على أرض هذا الوطن، بل هم أرباب هذه الأرض وأصحاب هذا الوطن…
إذا كانت شعوب العالم تقاس بعدد دولها فإن الشعب الكوردي آنذاك هو الشعب الوحيد بين العالم الذي يمكن قياسه بعدد مقابر محاربيه وأبطاله، والهجرات المليونية، والثورات والمقاومات منذ مئات الأعوام.
هذه الدمعة وهذا الجرح هو الجرح الأول في العالم الذي يدخل موسوعة غينيس التي لم تجفّ منذ مائة عام.
هذه هي القصة الأولى في العالم أجمع في التضحية بالأبطال والمحاربين الأسطوريين لمدة قرن فقط من أجل الحفاظ على وجودها، وأصبحت وصمة عار على جبين الإنسانية والعالم الديمقراطي اسماً فقط وأرباب حقوق الإنسان.
الشعب الكوردي شعب خلق من النار والحب. يتغلغل في ذاكرة العالم ويقول: نحن لسنا أمواتاً، نحن هنا، نريد أن نعيش مثل كلّ شعوب العالم… نريد أن نعيش…
الترجمة من الكوردية بتصرّف يسير: موقع “داركا مازي”.