كانت أهم مكتسبات الكورد ومنجزاتهم في الربع الأخير من المئوية المنصرمة ووفق المعايير والقوانين الدولية هي تأسيس حكومة إقليم جنوب كوردستان رسمياً، ولو سارت الأمور على نفس المنوال لغرب كوردستان بداية هذه الألفية وأصبح جزءاً من سياسات المجتمع الدولي، آنذاك لتمّ كسر سلسلة أقدار الكورد ولأصبحت قضيتهم تتّسم بالسلاسة وقدر من السهولة.
غير أن هناك مخاوف جدية تحيط بغرب كوردستان وتطوّقه، فتهديدات أردوغان الأخيرة في 3-10-2020: “سنذهب بأنفسنا لتطهير أوكار الإرهاب بسوريا إن لم يتم الوفاء بالوعود المقدمة لنا” وكذلك تقييمات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن الغرب عندما قال: المسألة الكوردية هي في الحقيقة قنبلة موقوتة تهدد الشرق الأوسط بأكمله، فكلّ هذه التصريحات تؤكّد أن الكورد سيمرّون بأيام مظلمة حالكة، أي أن شيئاً لم ينتهي بعد، وليس مستبعداً أن يبدأ من جديد!
فتصريحات أردوغان ولافروف المتزامنة مع أحداث (قره باغ) تدلّ وبوضوح أن هناك حسابات سياسية لم تُحل بين الجانبين التركي والروسي، والحق أنه عدا هذين البلدين، فكلّ من يحاول تحقيق خطوة في الشرق الأوسط فسيرى أنه من الضروري إجراء حوار عن غرب كوردستان والمشكلة الكوردية في المنطقة والمساومة عليها، أي فالحديث عن القضية الكوردية ومشكلتهم ستتصدّر قائمة كافة الخلافات والاتفاقات السياسية في العالم، وستلعب دورها كثيراً.
ما الذي يفعله الكورد؟
المفاوضات الجارية بين المجلس الوطني الكوردي والإتحاد الديمقراطي (ENKS- PYD) واقع يحتلّ حيزاً هاماً لعامة الكورد المتابعين للموضوع عن كثب، غير أنه وللأسف الشديد، فالبكك ترى محاولات وحدة الصف الكوردي هذه مضيعة للوقت، وتراها مفاوضات خاوية لا أهمية لها، فهي على أتمّ استعداد لتدمير غرب كوردستان من أن تفقد هيمنتها ووصايتها عليه، لذا فهي تتعمّد عرقلة سير مجرى المفاوضات تحت تهديد القوة السلاح.
فقبل كلّ شيء، هي لا تسمح لغرب كوردستان بالارتباط بواقعه الحقيقي، فحملة أوجلان تسير على قدم وساق، فيقول أردوغان: “ينبغي تطهير سوريا من الإرهاب والقضاء على المنظمات الإرهابية فيها” توازيها في المسار أنشطة وممارسات الشبيبة الثورية التابعة للبكك في الغرب، من تنظيم التظاهرات لتحرير أوجلان! ورفع صور أوجلان خلال التظاهرات في مدينة ديركي على الحدود التركية! فما دلالة هذا بحق؟! نعم أنظروا بأعينكم فهناك منظمات إرهابية، وكلّ هذا لتبرير الغزو التركي لغرب كوردستان وإضفاء الشرعية الدولية عليه!
نعم، فاحتلال الدولة التركية ومراسيمها الإمبريالية حقيقة واقعية، فالدولة التركية قد بنت وجودها على فناء الكورد وزوالهم، ولا علاقة لهذا بأردوغان أو أي حزب آخر، بل هي مرتبطة بالكود السري لوجود السياسة التركية، فهذا الاحتلال الأزلي لم يكن بهذا المستوى من الهشاشة أبداً كي ينهار أو يزول بهتاف “يحيى يحيى!” كما أن حرية كوردستان ومقاومة الفاشية التركية عمل بالغ المشقة والجدية! وليست مشكلة سهلة بحيث تُحلّ بمسيرات أو دبكات أو احتفالات أو إطلاق هتافات وشعارات جوفاء!!
أسلوب الإدارة الحديثة للكورد.. التظاهرات والشعارات والاحتفالات والدبكات الشعبية!
غير أن البكك أوصلت المجتمع الكوردي لمرحلة نسي فيها سبل المقاومة والنضال وأساليبها، فما هو النضال؟ وكيف يكون النضال والكفاح ومن أجل ماذا؟ فالمجالات المعروفة في إدارة المجتمعات كالجنس والرياضة والفن والدين..، غيّرتها البكك بأشياء حديثة تحل محلّها وهي (المسيرات والاحتفالات ورفع الشعارات والشهداء!) فتنظيمات البكك تسير على هذه المجالات الرئيسية الأربعة! فمن يزغرد ويلقي الهتافات يعتقد أنه أزال تركيا واجتثّها، يتوهّمون أن كوردستان ستتحرّر وتُبنى برفع شعار! فشباب غرب كوردستان المتحمّسون للتحرير من عوائلهم يطلقون الهتافات ويقيمون الحفلات، وتظهر البكك وبتقصّد هذه الأمور وكأنها مقاومة عظيمة! فيتم إهدار هذه الطاقات الشبابية الجماعية وتتحرّك للقنوات التي تريدها البكك، عدا هذا فإطلاق هتافات (يحيى آبو) لا ينفع الغرب قدر مثقال ذرة! ففي عفرين صرخ الآلاف من الجماهير بمثل هذه الهتافات، غير أن هذه الصرخات والشعارات لم تنجد عفرين ولم تجديها نفعاً!
انشغال قساوسة البيزنطيين بالجدل حول جنس الملائكة في حين كانت القسطنطينية تُحاصر!
ينبغي على المخلصين من الوطنيين والقوميين الكورد الصادقين التحرّر من هذا الواقع المؤلم والمرير، وعلى كلّ من يسطر فعليه أن يحدّد أن هذا الواقع واقع مخيب ومخادع.
يقال: عندما كانت إسطنبول (قسطنطين سابقاً) تُحاصر من قبل السلطان العثماني محمد الفاتح عام 1453، كانت القساوسة البيزنطيين شغفون بجدل لاهوتي لا طائل تحته حول جنس الملائكة، ما أدى لانهيار قسطنطينية على يد السلطان، والعبرة من هذا المثال هي مدى النتائج المأساوية للواقع المخادع، والآن، يسير غرب كوردستان على نفس المنوال، فتنظيم المسيرات من أجل حرية أوجلان كجدل القساوسة ستفقدنا وتضيّعنا من حيث لا ندري!
فهناك هدفان رئيسيان من تحشيد البكك للطاقات الشبابية في الأزقة والشوارع، أحدهما إثبات أنني المسؤول عن القوى السياسية في الغرب، وليس الجنرال مظلوم، فإذا أردتم بناء علاقات فأنا الجهة المسؤولة المعنية! وثانيهما الخوف من إخماد الشعب للمشاكل والخلافات فيما بينهم، وبناء قاعدة قومية قوية، فالبكك تحاول قطع السبل عن هذه الشكوك وتجريد الحوار الكوردي ولقاءاته من أية دلالات ومعان.
والحق أن مخاوف هذه السياسة الحزبية المتطرفة للبكك توازي الأهداف الاحتلالية للدولة التركية على غرب كوردستان.